خاص مجلة  "القدس" العدد 338 حزيران  2017
حوار: عدي غزاوي


  تتسارعُ الأحداث وانعكاساتُها على الساحة الفلسطينية، وخصوصًا مع احتلال صهيوني يحترفُ تشويه صورة النّضال الفلسطيني أمام العالم، وانقسامِ عربيٍّ جديد سيُؤثِّر حتمًا على قضيّة فلسطين، باعتبارها القضية العربية الأهم. ويتعقَّد الوضع الداخلي مع استمرار الانقسام الفلسطيني، وبروز تقاربات سياسية جديدة سيكون من شأنها تعميق هذا الانقسام. وللوقوف على أهمَّ الأحداث السياسية، وتحليل المشهد الفلسطيني الحالي، أجرت مجلة "القدس" هذا الحوار مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" دلال سلامة.

كيف تقرؤون ما تشير إليه التقارير من تقارب بين "حماس" ودحلان؟
انقلابُ "حماس" على الشرعية قال إنَّها غير حريصة على المشروع الوطني منذ العام 2007، واستمرَّ انقلابها طوال عشر سنوات كانت خلالها تضع نصب أعينها مصالحها الخاصة في قطاع غزة، لأنَّ ما يُهمُّها هو الحفاظ على وجودها، لا تحمُّل مسؤولية الشعب في غزة، رغم أنَّها المسيطرة على القطاع، وهذا يتَّضح أكثر من خلال التقارب "الحمساوي الدحلاني". فدحلان كان عدوَ "حماس" الأول في غزة، واليوم هناك أخبار تتحدَّث عن تحالف بينهما، وهذا يؤكِّد أنَّ "حماس" تُؤثِر مصلحتها الخاصّة على أيِّ مصلحة أخرى، وإن كانت مصلحة الشعب في غزة، أو المصلحة الوطنية العُليا. وبرأيي، أبناء شعبنا يُدركون أنَّ هذا التقارب هدفُه المصالح الضيّقة لـ"حماس"، وليس مصلحة الشعب، وأنا على يقين بأنَّ كلَّ هذه التحالفات ستزول، لأنَّه في نهاية المطاف لا شيء يعلو فوق المصلحة الوطنية، ومصلحة شعبنا، وهو أصل الحكاية.

ما هو الموقف الرسمي لحركة "فتح" و"م.ت.ف" من الأزمة الخليجية؟
كحركة "فتح"، وكمنظمة التحرير الفلسطينية، وعلى رأسها الرئيس محمود عبّاس "أبو مازن"، نُؤمِن أنَّ القضية الفلسطينية فلسطينيةُ الجوهر، وعربيةُ العُمقِ، وعالميةُ الإنسانيةِ، وإيمانُنا بهذا المبدأ عميقٌ جدًا، ولذلك كانت جهودنا الدائمة، وحالة الدعم العربي الدائمة لنا، تحظى بأولوية لنا كـ"فتح" و"م.ت.ف"، ونحن حريصون بشكلٍ دائمٍ على التعامل بشكل إيجابي، ومتابعة المجموع العربي عبر جامعة الدول العربية، والعلاقات المباشرة مع كلِّ دولة عربية على حدة. فنحن ندعم المواقف العربية، ونُقدِّر جهودَ إخوتنا تجاهنا، ونشكر مواقفَهم المسانِدة للقضية الفلسطينية. ونحن ندعم حالة الاستقرار في العالم العربي، بكل أشكاله، ويُهمُّنا ذلك كثيرًا، فإذا كانت الحالة العربية قويّةً ومتماسكةً على مستوى الدولة، أو على المستوى القُطري، فهذا شيء إيجابي، ويُعزِّز موقفَنا كفلسطينيين، ونضالَنا الذي نخوضه. ومن منطلق حرصنا على الرابط العربي، لدينا قرار بعدم التدخل بالشؤون الداخلية الخاصّة بالدول العربية، ونحن في صفِّ المجموع العربي، والمصلحة العربية، والمستقبل العربي المشرق، وهذا واضحٌ من مواقف السيّد الرئيس محمود عبّاس الذي حَضَرَ قِمَّة الرياض، وكان لنا فيها حضورٌ مميَّز بين الدول، كما في مشاركتنا في قِمَّة البحر الميت، التي كان لنا دورٌ أساسيٌّ في إنجاحها، وإعادة تصويب بوصلة العرب باتجاه القضية الفلسطينية. وبالتالي، هذه مواقفنا تجاه الحالة العربية، فنحن من مصلحتنا وجود تكاتفٍ عربيٍّ قويٍّ، وموحَّدٍ، وهنا علينا ألّا ننسى وجود البعض ممَّن يحاولون المساس بشرعية التمثيل الفلسطيني، أو الشأن الداخلي الفلسطيني، وإن كانوا يتحدَّثون بعكس ذلك، لكنَّ أفعالهم على الأرض، بدعم مواقف وجهات خارجة عن الصف الوطني الفلسطيني، تكشف حقيقتهم. لذا نحن لن نَقِفَ مكتوفي الأيدي أمام مَن يحاولون زعزعة وحدتنا الفلسطينية الداخلية، فالقرار بخصوص الشؤون الفلسطينية هو للفلسطينيين فقط، ويُمثَّل بمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثِّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ونحن لا نساوم على مصلحتنا، وأيُّ تدخل في شؤوننا مرفوضٌ، ونحن عازمون على تصويب الأمور في هذا المجال، فما وصلنا إليه اليوم من إنجازاتٍ دفعَ ثمنها أسرى، وشهداء، وشعبٌ ناضل من أجل وطنه، وإضاعة هذه النضالات مرفوضٌ بالنسبة لنا.

ما رأيكِ بمحاولة إسرائيل سنَّ قانونٍ يسمح باقتطاع رواتب الأسرى وذوي الشهداء من أموال المقاصّة لديها؟
هذا جزءٌ من الإجراءات التصعيدية التي يُنفِّذها الاحتلال تجاه أبناء شعبنا ضريبةً لتمسُّكنا بحقوقنا، والتزامنا أكثر بثوابتنا الفلسطينية، والتي من خلالها نرفض التنازل عن الأرض، وعن القدس، وعن حقِّ العودة، وعدم قبولنا بمشروع سياسي ينتقِصُ من إمكانية إنهاء الاحتلال، وَفْقَ القرارات الدولية، والتي تنصُّ على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967، والقدس الشرقية عاصمة لها، وإزالة المستوطنات، والإفراج عن الأسرى. ولـمَّا كانت ثوابتُنا معاكسةً لرغبة الاحتلال، فإنَّنا سنواجه عقباتٍ كثيرة، وهذه الإجراءات هدفها الضغط علينا كشعب، وكقيادة، لنستسلم، ولكنَّ شعبًا قدَّم أسرى، وشهداء للوطن، لن يسمح بدثرِ تاريخه النضالي، ولن يستسلم للضغوط. فطريقنا لم تكن مفروشةً بالورد عبر الإنجازات التي حقَّقناها، وهذا هو أسلوب الاحتلال، إذ يقوم بشكل دائم بتشويه نضالنا، وتاريخنا، وبوصلة أحقيَّتنا في أرضنا، غير أنَّ نضالنا هو من ضمن ما نصَّت عليه الشرعية الدولية أمام العالم، ولن نخضع لسياسات الاحتلال سواء أكان باقتطاع رواتب الأسرى وذوي الشهداء، أو بأيِّ نوع من أنواع التصعيد. إسرائيل تحاول هدمَ أُسُس الدولة الفلسطينية المستقلّة وَفْقَ قرارات الشرعية الدولية، ونحن مستمرون بالتزامنا العالي بثوابتنا الفلسطينية بناءً على حقوقنا المشروعة، وعلى أولويّاتنا: القدس، والأسرى، واللاجئون، وذلك من خلال الحركة السياسية الدبلوماسية الفلسطينية.

المؤشِّرات على الأرض تقول إنَّ السلطة ستلجأ لحلول صعبة في غزة ردًّا على "حماس"، وأحد هذه المؤشِّرات، التصريح بأنَّها لن تدفع فاتورة كهرباء تجني أرباحَها "حماس"، فما تعليقُكِ؟
بعد 10 سنوات من الانقسام الفلسطيني، توصَّلنا لقناعة في حركة "فتح" بأنَّ ما كان يجري من جلسات حوارِ للمصالحة كان يدور في إطار إدارة الانقسام، لا إنهائه. وموقفنا كحركة "فتح" واضحٌ بأنّنا نريد إنهاء الانقسام الذي تسبّب به انقلاب حركة "حماس" عام 2007، والذي لا يسمح بأن نؤسِّس بأيِّ شكل من الأشكال لتحقيق مشروعنا الوطني الفلسطيني، بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. من جهتنا، أعطينا مساحةً طويلة لتجاوز العقبات من خلال اقتراح الحلول، لتجنُّب مرحلة دموية كهذا الانقلاب، وذلك ليس لعجز حركة "فتح" عن إيجاد حلول قد تكون صعبة، بل لشعورها بمسؤوليّتها تجاه أبناء شعبها جميعًا، ولحرصها على الشعب والوطن. لقد حاولنا طوال عشر سنوات مدَّ جسور الثقة، وإيجاد حلول يكون أساسها المصلحة الوطنية، ولكنَّنا للأسف، وجدنا أنَّ "حماس" كانت تشتري مزيدًا من الوقت، كي تبقى مسيطرةً على قطاع غزة. فمُخطَّطُها كان إيجاد حالةٍ لإدارة الانقسام، وليس لإنهائه، وقد حاولنا إعادة بناء العلاقات بشكل حضاري ديمقراطي، ولكنَّها كانت دائمة الرفض والتعطيل لأيِّ خيار يُمكن أن يُعيدنا للمسار وللشارع الفلسطيني من خلال انتخابات تُعيد ترتيب صفوفنا، ومن خلال شخصيات انتخبها الشعب لتقوم بخدمته. وهنا وجدنا أنَّنا، كحركة "فتح"، أمام طريق مسدود. فالانقسام يتعمَّق عامًا بعد عام، والأمور تتعقَّد كلّما طالَ الوقت، و"حماس" غير معنية بشيء سوى حكم غزة بالقوّة، لذلك قرَّرنا أنَّه لا مزيد من دفع تكلفة مَن انقلب على الكلِّ الفلسطيني، ومن يفتِّت الوحدة بممارساته، وتصريحاته، وأفعاله. لقد أضعف الانقسام موقفنا، وزاد ضعفُنا أمام العالم في كلِّ سنة استمرَّ فيها، فإطالة أمدِ الانقسام مضرٌّ بالقضية الفلسطينية، وهو يصبُّ في صالح الاحتلال، واستمراره في إجراءاته في السيطرة على الأرض، وقتل أبنائنا، واستكمال تجاوزاته بحقِّنا، لذلك قُلنا كفى لـ"حماس"، وللانقسام الذي تُعزِّزه ممارساتها.

ما مدى صحة الأخبار التي تمَّ تداولُها بعد زيارة ترامب الأخيرة لفلسطين عن مفاوضات قريبة؟
حتى اللّحظة، ليست هناك أيّة مؤشراتٍ في الأفق حول ذلك، ولا توجد أيّة معطياتٍ تُؤسِّس لمفاوضاتٍ قادمة، وما يقومُ به ترامب وإدارُته هو مجرد أُطروحاتٍ تُعيدنا إلى المربَّع الأول في فهم القضية الفلسطينية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإلى الآن لم تنضجِ الأمور بعد، لوضع معطيات من الممكن أن تُؤسِّس لمفاوضات.