اشتهرَ العرب بكثير من الفضائل والقِيَم السامية، ومنها الإيثار والجود وإكرام الضيف...الخ، فكانوا يقدِّمون ما في بيوتهم للفقراء والمساكين، وطلاب الحاجات ولعابري السبيل أيّاً كان هؤلاء، ولم يكن العرب ليُقدّموا المال أو الطعام أو الخدمة فقط لأحبابهم أولقبيلتهم أو جماعتهم أولفصيلهم السياسي فيصبح "مالاً طبقيًا-فئويًا"، وإنَّما الجود والكرم كان يشمل الكافة من الناس حتى العدو منهم، يقول أمير الكرماء العرب حاتم الطائي:
يرى البخيل سبيل المال واحدة *** إنَّ الجَوَاد يرى في ماله سُبلا
لا تعذليني في مال وصلت به *** رحمًا، وخير سبيل المال ما وصلا
     وممَّن لا نعرف أسماءهم كحاتم الطائي أوهرم بن سنان أوكعب الإيادي واشتهروا بالجود للجميع، وليس لـ"فصيله"أو قبيلته حصريًّا، كان عبدالله بن جُدْعَانَ مِن مُطْعِمي قريش، كهاشم بن عبد مناف فكانت له جِفَان (أواني كبيرة) يأكل منها القائم والرَّاكب، لا تستطيع حملها أكتاف الأستاذ خليل الحية وقيادة "حماس".
       العرب (الجاهليون) يُقدِّمون الآخرين على أنفسهم، فيهبّون للنجدة والدعم وتقديم العون والمساعدة -حتى في ظل الغزو والنهب وهما الخصلتان السلبيتان لديهم قبل الإسلام- لذلك ما خانَ عربي من يعده، فاشتهروا بالوفاء أبدًا، ولا ضن كريم على محتاج بمال أوكرم رفادة، فكيف بمن يحكم شعبا ويتغنى بالضن عليه!
      
كذلك كان الحال في إطار القِيَم الإسلامية بعد انتشار الإسلام حيث لم تكن تجد في بيت الرسول عليه أفضل السلام أو الصحابة لقمةً واحدةً متى ما كان المحتاج مجاورًا أو مارًّا أو طالبًا لحاجته. وعن جابر رضي الله عنه قال [ما سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلّم عن شيء قط فقال لا].
       يذكر الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه المُعنوَن (الإمام زيد) ص25 فيقول: كان ناس بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين يعيشون ومن يعطيهم، فلمّا مات على بن الحسين [زين العابدين] فقدوا ذلك فعرفوا أنَّه هو الذي كان يأتيهم في الليل بما يأتيهم به، ولما مات وجدوا في ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب إلى بيوت الأرامل والمساكين في الليل، وقيل إنَّه كان يعول مائة أهل بيت بالمدينة ولا يدرون بذلك حتى مات.
     
وما أظن زين العابدين رضي الله عنه كان يفضِّل في العطاء أهل بيته أو قبيلته أو"فصيله أو تنظيمه" أبدًا، بل كان يقدِّم لكل الناس دون استثناء، ولكن الفرق لا يقارن بين الإمام زين العابدين، وبين خصلة المنع والاحتكار والسرقة الفئوية، والتقتير على الناس وخصخصة المال الخاص والعام للفصيل فقط، كما قال خليل الحية عن "حماس" التي تحكم مليونين في غزة: مالها لها والفضلة إن بقيت للناس.
         
قرأنا الكثير عن الراشدين الأربعة وعن الصحابة الكرام وأهل البيت وتفضيلهم غيرهم على بطونهم أو على أهل بيتهم ما يجعل الإنسان يقف احترامًا لا تخالطه شائبة لهذه القامات العربية (الجاهلية)، ولهذه القامات الإسلامية من العرب ومن غيرهم التي تؤصِّل القِيَم الحميدة وتتمسَّك بها.
     
كان الرسول الكريم يؤكِّد (إنِّما بُعثتُ لأُتمِّمَ مكارم الأخلاق) أي مكارم أخلاق مَن سبقوه من العرب (الجاهليين)، وخليل الحية (غير الجاهلي) من قيادة "حماس" الفصيل الذي يحكم 2 مليون فلسطيني في غزة منذ انقلابه قبل 10 سنوات يقول: إنَّ مال "حماس" لـ"حماس"، والفضلة للناس؟!
     
حركة "فتح" التي نشأت ضمن البيئة العربية الإسلامية تفهم جيدًا أنَّها كالسمكة لا يمكن أن تعيش إلا في بحر الجماهير، فكانت وما زالت تهتم بالجماهير من غير أعضائها أكثر من اهتمامها بأعضائها، خاصةً فيما يتعلَّق بالمساعدات والعون والدعم الذي لم ينقطع في بيت أي فقير من أجوار الحركة وفي الشعب الفلسطيني قبل أن يصل الحركة على عكس ما كان من أمر "حماس" التي تخص أعضاءها فقط، وتضن على الناس!
     
قيل لعبدالله بن جعفر: إنَّك قد أسرفت في بذل المال. فقال: إنَّ الله عز وجل قد عوّدني بعادة، أن يتفضّل علي، وعوّدتُهُ أن أتفضّل على عباده، وأخاف أن أقطع العادة فيقطع عني.
      
وهكذا هي حركة "فتح"، ولا يحدِّثني أحدٌ عن سياق مختلف في إطار غير فتحوي، أي في إطار أبعاض السلطة، فالقيمة (أو الخلق) ثابتة بالحركة، حتى لو كان بيننا أو من الناس فسَدة مَن لا يطبقون ذلك، ممَّن يراهم البعض الكثير، فالقيمة والخلق المحضوض عليه يظل ثابتًا أبدًا ولم يتبجّح أحدٌ من حركة "فتح" بالقول بعكسه.
     
في "حماس" -كما أعلن أحد قادتها في غزة خليل الحية صراحة- ليست الحاجة حاجة الناس هي الحَكَم بتوزيع المال، وإنَّما الانتماء للتنظيم الربّاني كما يزعمون، في تحطيم متعمّد للقِيَم العربية والقِيَم الدينية السامية، وفي عنصرية وفئوية حزبية بغيضة تمارسها "حماس" خاصة حين يصلها الدعم من الخارج أو فترات الانتخابات، أو بما تجبيه من إتاوات، ولا تقولها، ليأتي خليل الحية من قيادة "حماس" ويرددها علنًا بلا أدنى إحساس بالخطأ أو الذنب، أو التحفظ حين القول، أو الوجل من أحد من الناس، مما يدلل أنها ممارسة أصيلة داخل الفصيل و"الاخوان المسلمين" بل ويحض عليها، رغم تعارضها مع الدين الإسلامي وقيم العرب.
    
يعترف  فصيل"حماس" بوضوح، بل وللعجب يتفاخر بالمعصية، أنَّ المهم هو أن تمتلئ بطون قادة "حماس"، وليذهب الشعب إلى الجحيم، لسان حالهم يقول بلا عوج: حتى لو كنا مسؤولين عن ملايين في غزة فلا شأن لنا بحاجاتهم وجوعهم وشبعهم فهم مصدرنا المالي أصلاً! وإن بقي لنا شيء بعد أن نوزِّع الأموال علينا قد ننظر للآخرين! إنَّه التكبُّر بعينه في موقف كئيب ومحزن وعجيب حين تنتحر القيم والأخلاق ويسود سلوك ومسلكيات الحزبية البغيض وعلنًا!
        "حماس" التي تجمع التبرعات وتجبي الضرائب غير القانونية من قوت الناس، وتفرض الاتاوات، وتستجدي من العالم بِاسم شعب غزة المظلوم تقول بصراحة للشعب إنَّكم لا تُهمّوننا أبدًا، فالأموال لنا أولاً وأخيرًا؟! وإن بقي شيء، هذا إن بقي، نتقاسمه مع الناس. بمعنى واضح أنَّنا نحاصركم نأخذ منكم ولن تروا منا فلسًا أحمرَ!
      نرفض المتاجرة بمظاهر الدين وشعائره والتزلف بالمظاهر للناس واستغلالهم، ونرفض أن نشبعَ وجارنا من أي ملّة كان أو جماعة يشكو الخصاصة، ولن ننظّر للاحتكار الحزبي والاستغلال العاطفي والكذب على الناس أبدًا. نعم للقِيَم الجاهلية التي تخدم الناس، ونعم للقِيَم الإسلامية والمسلكيات التي أتمَّت مكارم الأخلاق بالجاهلية، ونعم للقِيَم المسيحية الكريمة، وبالضرورة هي قِيَم إنسانية عامّة، ولن نقبل تقديم الفصيل أيَّ فصيل أبدًا على "حاجات" الناس، فما للحكومات عامة، وللتنظيم أي تنظيم سياسي من شأن إلا خدمة القضية وخدمة الناس.