(ندعو الأُمَّتين العربية والإسلامية إلى دعم الحقوق الوطنية الفلسطينية)

  يا جماهير شعبنا العظيم

  نستذكر اليوم مأساة نكسة حزيران وهي الحرب التي بدأها الاحتلال الإسرائيلي، واستمرَّت على مدى ستة أيام من 1967/6/5 ولغاية 1967/6/10، واستهدفت كلاً من مصر، وسوريا، والأردن. لقد شكَّلت هذه الحرب منعطفاً مهمّاً في حياة الأمّة العربية، وأمنها، واستقرارها، ومستقبلها. كما أنَّ هذه الحرب التي تميَّز فيها العدو الإسرائيلي بالتفوُّق العسكري، وبالدعم العلني من قِبَل الولايات المتحدة، ودول أوروبية أخرى، استطاع خلالها أن يهزم القوات العسكرية في الدول العربية الثلاث إضافةً إلى احتلال سيناء، والضفة الغربية، وقطاع غزة، والجولان السوري.

لقد كان لهذه الحرب تداعياتُها الخطيرة على الأمّة العربية، وعلى القضية الفلسطينية، وما زالت هذه التداعيات تتفاعل حتى هذه اللحظة، لأنَّ هذه الحرب خضعت لإعدادٍ جيّد، ودراساتٍ متقَنة، وتهيئة للظروف الأمنية والسياسية والإعلامية الميدانية. والخسائر البشرية العربية تجاوزت الخمسة عشر ألفاً من الجيوش والمدنيين العرب، بينما بلغت الخسائر الإسرائيلية نحو ثمانمئة قتيل، إضافةً إلى عمليات التهجير الواسعة للمدنيين من محافظة القنيطرة، ومن أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة.

لقد انتجت هذه النكسة واقعاً مأساوياً جديداً ألقى بظلاله على الأمّة العربية انهياراً عسكرياً ومعنوياً، وخسائر عسكرية باهظة، والقبول العربي بالقرار (242) الذي يعترف بوجود الكيان الصهيوني مقابل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة. إلاَّ أنَّ الاحتلال الإسرائيلي شرعَ في تنفيذ مشروع استيطان أراضي الضفة الغربية وبدأ ذلك في مدينة القدس، ومازال الاستيطان والمستوطنون في تزايد حتى أصبح عدد المستوطنين يوازي عدد الفلسطينيين أصحاب الأرض، وأصبحت القدس اليوم مطوَّقة بثلاثة أحزمة من المستوطنات، إضافةً إلى تدمير بيوت المقدسيين، وقمعهم، وطردهم، واعتقالهم في محاولة مكشوفة للسيطرة على القدس. وهذا ما شجَّع الجانب الإسرائيلي على ضمِّ القدس والجولان لحدودها في ظل صمت عربي مطبق، وعذابٍ فلسطيني متواصل.

ولابدَّ هنا من الإشارة إلى الدور الفاعل الذي أداه الفدائيون وخاصةً مجموعات حركة "فتح" بالقيام بعمليات مطاردة لجيش الاحتلال أثناء الانسحاب، وجمع أكبر قدر من السلاح والذخائر التي كانت متروكة في ساحة الميدان، ومن هذه الذخائر والأسلحة تمكَّنت حركة "فتح" أن تبني قواعد ارتكازية لها مزوَّدة بكل ما يلزم للبدء بالعمليات العسكرية. ولا ننسى أنَّه بعد تسعة شهور فقط من النكسة وقعت معركة الكرامة في 1968/3/21، حيث أخذت قيادة حركة "فتح" قرارها التاريخي بالصمود والمواجهة، وصناعة الأسطورة الفلسطينية، وإلى جانبها قوات الجيش الأردني التي قامت بدور فاعل في قصف التقدم الإسرائيلي نحو بلدة الكرامة، ويومها كان النصر التاريخي الذي فتحَ الباب واسعاً أمام الثورة الفلسطينية لتواصل مسيرتها بزخم شعبي، ونضوج وطني، وأفق سياسي.

إنَّ الذي ساعد قوات العدو الإسرائيلي على تحقيق أهدافها في تدمير القدرات العربية الرئيسة هو:

أولاً: امتلاكها قدرات تسليحية عسكرية، وخاصة جوية تفوق القدرات العربية. كما أنَّها استخدمت نظرية المباغتة في توجيه الضربة الجوية التي استهدفت مصر أولاً، ودمَّرت سلاحها خلال ثلاث ساعات، وهذه شكَّلت شرارة الحرب العسكرية التي امتدّت بسرعة إلى الأردن، وسوريا، وهي مطمئنة إلى تحالفات استراتيجية مع دول كبرى أسهمت الجاليات اليهودية والحركة الصهيونية في تعزيز هذا الدعم الأميركي والأوروبي للكيان الإسرائيلي.

واستثمر الكيان الصهيوني الحرب الإعلامية، والنفسية، ومصطلح العداء للسامية، وأنَّ اليهود يعانون من الظلم التاريخي، وعلى العالم الحر أن يكون إلى جانب هؤلاء.

في الوقت نفسه فإنَّ الجيوش العربية لم ترقَ إلى مستوى الأداء الفني والتقني والتخطيط العسكري، وهذا ما سَّهل مهمة العدو الإسرائيلي في الانقضاض، والاستفراد.

كما أنَّ الجيوش العربية كانت تفتقر إلى التدريب المتطوِّر والخبرات التي امتلكها الجيش الإسرائيلي.

ولعلَّ عامل المباغتة الإسرائيلية كان له التأثير الأكبر فقد دمَّر الطيران الإسرائيلي القوة الجوية المصرية، وهذا ما أحدثَ الشلل في القدرة الدفاعية واضطَّر العرب للقبول بالقرار (242).

الدور الممَّيز للمقاومة الفلسطينية في ظل أحلك الظروف مكَّنها من مواصلة الفعل الثوري الفلسطيني، واستعادة الهوية الوطنية الفلسطينية، وتفعيل دور "م.ت.ف" بحيث أصبحت الممثِّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأصبحت عضواً مراقباً في الجمعية العمومية، واستطاعت المنظمة أن تعقد العديد من مجالسها الوطنية والمركزية، وأن تسعى قيادة المنظمة إلى إنضاج برامجها السياسية، ومنطلقاتها الوطنية للحفاظ على إطار المنظمة كونه البيت الفلسطيني الوطني الجامع لكل القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية، ولضرورة تذليل كافة الصعاب والعراقيل وخاصة عقدة الانقسام التي لها الأثر المدمِّر في الساحة الفلسطينية.

إنَّ قيادة حركة "فتح"، والتي هي العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، متمسّكة بالثوابت الوطنية رغم كل التعقيدات، وكل التحديات، وكل المؤامرات التي تستهدفها، وهي تتحدّث بلسان واحد بما يتعلَّق بقدسية هذه الأهداف الوطنية. فالقيادة متمسّكة بحل الدولتين المستند إلى حدود العام 4/6/1967 أي إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية العربية التي احتُلَّت في العام 1967.كما تؤكِّد قيادة الحركة باستمرار حقِّ اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى أراضيهم التي طُرِدوا منها العام 1948، استناداً إلى القرار الأممي 194. كما ترفض قيادة الحركة الاستيطان لأنَّه غير شرعي وغير قانوني، ولأنه يشكِّل عدواناً متواصلاً على أرضنا وعلى شعبنا، وهذا ما أكَّدته قرارات الأمم المتحدة دائمًا، وكان القرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن الحقيقة الصادمة للكيان الإسرائيلي وهو القرار الذي اعتبر أن الاستيطان في القدس وفي كافة الأراضي الفلسطينية هو غير شرعي ويشكِّل عدواناً على الشعب  الفلسطيني.كما أنَّ القيادة الفلسطينية أكَّدت باستمرار وسعت لاستصدار قرارات دولية تتعلّق بالمقدسات، وكان آخرها القرارات التي اتخذتها اليونسكو بفضل الجهود والمساعي الفلسطينية التي أكَّدت أنَّ القدس فلسطينية، وأنَّ الأقصى بكل ما فيه هو مقدسات إسلامية عربية.

وهذا يعني رفض كافة الادعاءات الصهيونية من أنَّ لها حقاً في هذا المكان أو ذاك، فالأقصى وباحاته، والمساجد المحيطة به والساحات، وحائط البراق الذي عرج منه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وكل ما في القدس هو عربي، وليس لليهود أي أثر في المدينة المقدسة، وهذا ما أثبته كافة المؤرخين حتى اليهود منهم.

إنَّنا في حركة "فتح" ندعو الأمة العربية والإسلامية إلى وقفة مبدئية وجريئة بوجه المشروع الصهيوني المدمِّر لأمتنا، والذي يستهدف قضية الشعب الفلسطيني التي لم تنكسر حتى الآن، والتي لم ترفع الراية البيضاء، وسيبقى شعبنا بوعيه الوطني وإيمانه المطلق بحقوقه الحارسَ الأمين على الثوابت الوطنية،وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية، وسيبقى دائماً في الخندق الأمامي دفاعاً عن الكرامة والمقدسات، والإنجازات، والعهد هو العهد، والقسَم هو القسَم.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار

العزةُ لأسرانا البواسل أبطال الصمود والتحدي

والنّصر لشعبنا، ولثورتنا الرائدة

وإنَّها لثورة حتى النّصر

حركة "فتح" – إقليم لبنان

2017/6/4