خاص مجلة "القدس" العدد 337 ايار 2017
تقرير: غادة اسعد

كُلَّما ازدادَ الفلسطينيون في الداخل ثقافةً ومعرفةً وتمسُّكًا بالأرض والمكان وجَدَ العنصريون من الإسرائيليين مدخلاً لاختراق حياة المواطن العربي ومنعه من التنفُّس وكأنَّما يُريدون العربي في البلاد محطَّمًا، عاجزًا عن بناء بيته، ضعيفًا منهكًا بفعل التضييقات الكبيرة تجاه العرب، والتي قد لا يكون آخرها قانون القومية!
إسرائيل تتفوَّق بتطرفها على كل أنظمة الأبارتهايد!
لعلَّ أبرز التضييقات التي يواجهها المواطنون العرب هي منع المصلين المسلمين من دخول المسجد الأقصى. وفي الوقت الذي اعترفت فيه "اليونسكو" بحقِّ الفلسطينيين في المسجد الأقصى المبارك، نرى إسرائيل تزداد تعنُتًا وعنصريةً. وها هو القانون الجديد يلتفُّ على النواب العرب، الذين اختاروا الوصول إلى الكنيست لتحقيق أبسط حقوق المواطن العربي وحريته وحمايته وحقه بالعيش.
لقد تفوَّقت إسرائيل اليوم على الممارسات العنصرية التي مُورِسَت بحقِّ الزنوج في أمريكا اللاتينية، وواجهها الرافضون لسياسة الأبارتهايد والملاحقة والمس بالإنسان كونه مختلفاً باللون لا أكثر! فإسرائيل اليوم تتحوَّل إلى دولة تشتهي العنصرية وتبحث عنها، وفي الوقت الذي يقوم بعض الوزراء أو القضاة في المحاكم بتعيين مواطنين عرب، فإنّ هذا الاختيار قد يلفُ الحبل على المواطن العربي الذي باتَ عاجزًا عن التعبير عن رأيه، كونه أصبح جزءًا من المؤسسة، وهذا ما نلمسه، ففقط عندما يُنهي القضاة العرب مهامهم، يتحدثون عن سياسة إسرائيل وعن خطورة التحريض تجاه العرب، لكن ذلك لا يكون متاحاً عندما يكون العربي محاصرًا مع أعضاء كنيست آخرين عنصريين يعبّرون بمنتهى الوقاحة عن كرههم للعرب، بكافة الطرق المُتاحة ولا أحد يُحاسبهم، بينما تنطلق رشّاشات الكلام تجاه النواب العرب عندما يرفضون قانونًا لا يليق بالمواطن الفلسطيني في العام 2017.
عن القانون
ينصُّ اقتراح القانون الجديد "قانون القومية" على أنَّ "دولة إسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي"، وأنَّ "حقَّ تقرير المصير في دولة إسرائيل يقتصر على الشعب اليهودي". ويتطرَّق القانون للغة الدولة وهي "اللغة العبرية"، وتغيير مكانة اللغة العربية من لغة رسمية إلى "لغة لها مكانة خاصة في الدولة، وللمتحدثين بها الحق في المثلية اللغوية لخدمات الدولة".
يُشار إلى أنَّ القانون حظي بغالبية المصادقة بعد نيله 48 صوتًا مقابل معارضة 41. هكذا تُقرّر المؤسسة الإسرائيلية إعطاء الحق للنائب الفلسطيني في الكنيست أن يختار ما يحلو له، فكلُ شيءٍ مُشرَّعٌ ومقبولٌ في دستور العنصرية الإسرائيلية.
وتعقيباً على ذلك قال النائب من القائمة المشتركة يوسف جبّارين: "إنَّ قانون القومية اليهودية الذي أقرَّه الكنيست بالقراءة التمهيدية هو قانون أبارتهايد بامتياز، وهو يُعمِّق أكثر وأكثر سياسات التمييز والإقصاء من خلال إرساء تشريعات تمييزية في قانون أساسي يحمل صبغة دستورية. ولا يقتصر التمييز في القانون على المجالات الرمزية كتعريف الدولة ورموزها فحسب، بل يمضي إلى ما هو أخطر وأبعد من ذلك بكثير، حيثُ يتغلغل إلى المجالات التي تلامس جذور المكانة القانونية للعرب الفلسطينيين، وخاصةً قضايا تقرير المصير والمواطنة، واللغة والأراضي والثقافة والدين وغير ذلك. وبهذا تؤسِّس البنود المختلفة لمشروع القانون لفوقية قومية رسميّة في القاعة الدستورية في إسرائيل، من خلال تحديدها أنَّ الأصل القومي اليهودي يشكّل قاعدة التمتُّع بهذه الامتيازات".
ويضيف جبّارين: "لا يمكن الاستهانة بخطورة هذا القانون، وبأهمية أن نطرح خطابًا بديلاً يفسِّر الموقف الديمقراطي والإنساني والأخلاقي الرافض لهذا القانون، ويوضّح اسقاطاته الخطيرة على مكانة العرب الفلسطينيين، أهل البلاد الأصليين".
وأوضح جبّارين أنَّ "مشروع قانون الدولة القوميّة اليهودية يكشف إسرائيل كدولة عنصرية ودولة أبارتهايد، فتعريف إسرائيل أنَّها (الوطن القومي للشعب اليهودي) يعني ترسيخ مكانة الفلسطينيين كمواطنين من درجة ثانية أو ثالثة وأنهم مواطنون بلا دولة، وأنهم يعيشون بفضل (كرم الدولة اليهودية) وليس كأصحاب حق".
ويتابع جبّارين: "إنَّ البند الذي يُقرِّ أنّ (الحقَّ بتحقيق المصير القومي في دولة إسرائيل هو حقّ حصريّ للشعب اليهوديّ)، يأتي ليتنكَّر لأيّ حقّ لأي مجموعة "غير يهوديّة" في تقرير المصير ولا يعترف بأنّ هذه البلاد هي الوطن الأصلي لشعب آخر، هو الشعب الفلسطيني، ويتحوّل العرب الفلسطينيون في ظل هذا التعريف المقترَح إلى مواطني دولة تُعلن عبر قاعدتها الدستورية المركزية (أي قانون أساس) أنَّها ليست وطنهم القومي، وتحوِّلهم بذلك إلى غرباء في وطنهم. وبينما يرسِّخ القانون الهويّة القومية اليهودية داخل إسرائيل، فإنَّه لا يذكر أيّ حق جماعي للمجتمع العربي الفلسطيني، ويتنكَّر للحقوق الجماعية للأقلية العربية الفلسطينية بوصفها أقليّة أصلانية تقيم على تراب وطنها ولها حقها في المساواة الجوهرية والمواطنة الكاملة، ويضعنا في خانة "الضيوف" على أرضنا بدون حقوق".
يُشار إلى أنّ صدور القانون في حينه والأجواء التي سادت الكنيست لهي خير دليل على أنّ العلاقة بين العربي واليهودي مأزومة منذ أيام النكبة وليست وليدة اليوم، حيثُ أنَّ ما قام به النواب العرب من تمزيق نص القانون أوجب إبعاد النواب العرب من الكنيست.
وعقّب النائب جمال زحالقة على القانون العنصري بالقول: "القانون يمنح الشرعية للعنصرية ويزيدها حِدّةً ويزيد المتعصبين عنصريةً، ويؤسِّس نوعين من المواطنة؛ واحدة لليهود مبنيّة على امتيازات، والأخرى لأصحاب البلاد الأصلانيين منقوصة الحقوق"، مشيرًا إلى أنّ "قانون الأبارتهايد اقتُطع من قوانين الأبارتهايد في جنوب إفريقيا، وفي الوقت الذي تحرَّر فيه الأفارقة، يتم حبس العرب في بقعةٍ ضيّقة تصعُب الحياة فيها مع اليهود في ظل سيطرة وسياسة عنصرية لم تتغيّر".
إعلام يعلن عن تأسيس مجلس للدفاع عن الحريات
أعلن مركز إعلام بالناصرة - وهو مركز صحافي داعم ومرافق للصحافيين منذ سنوات- عن إطلاق "مجلس الدفاع عن الحريات"، بحضور سفير الاتحاد الأوروبي لارس أندرسون، وبمشاركة عددٍ من الأكاديميين والناشطين في جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني. وتأتي مبادرة مركز إعلام ودعوة مؤسسات العمل المدني للائتلاف ردًا على قانون القومية الذي تجلّى بتصعيد عنصري خطير وتهديد مُبطَّن بمس حقوقنا السياسية والثقافية كأصلانيين.
وأكَّد القائمون على المبادرة وجود استهداف واضح لمؤسّسات العمل المدني في المجتمع العربي بالأساس، ولدى مَن عَمِل في السابق أو ينوي مواصلة عمله مِن أجل تغيير الواقع الصعب الذي نعيشه، في ظل ديمقراطية مزيّفة، إذ تمارس إسرائيل عنصريتها تجاه العرب وتجاه مَن يقف إلى جانب حقوق المواطنين العرب.
وفي حديث لمجلة "القدس" قال القاضي السابق أحمد ناطور: "نحنُ نعرف كيف تتصرَّف منظمة أم ترتسو المتطرّفة، والتي تحرق ولا تُحاسَب من قِبَل سلطة الاحتلال، إنه إعلامٌ مجنَّد لخدمة هذه الأجندة المتطرِّفة العنصرية، أحزاب ديكتاتورية مبنية على أجندة معادية للعرب، وبالتالي هذه المظاهر المرعبة تحاول وضعنا تحت الأمر الواقع، وهذه الحالة تُشبه تلك التي سادت في ألمانيا قبل صعود النازية، وهذا شيءٌ مخيف، وعندما تسيطر الحكومة على البرلمان وتُشرعن هذه العنصرية، بما فيها: قانون المؤذن، وقانون القومية وقانون النكبة، وقانون عدم لم الشمل، وقوانين أخرى، وكأنّ العنصريين يستيقظون كلَّ يوم ليسألوا كيف نستطيع أن نُبعِد هؤلاء الناس عنّا!". وأوصى ناطور بضرورة بناء مؤسّسات في المجتمع العربي للحفاظ على المُلكية والبقاء".
من جهتها عقّبت الناشطة النسويّة ريم عامر، والتي تعمل في النقب وتمثّل النساء بالمحافل الدولية، على القانون قائلةً: "إنّ هذا القانون لهو قانون أبارتهايد بامتياز، يقرّر على رؤوس الأشهاد بأنَّ لا مساواة بين مواطني الدولة، وبأن 20% من المواطنين هم مواطنون من الدرجة الثانية، وبأنَّ التمييز في السكن مسموح، ويلغي مكانة اللغة العربية. ونحن نقول إنَّ هذا الوطن هو وطن الجماهير العربية الذي لا وطن لها سواه، وحقوقها في وطنها مشتقّة من انتمائها له ومن حقها في تقرير المصير. هنا ستعيش ونناضل من أجل المساواة التامة في الحقوق – المساواة القومية والمدنية. ولا أقل منها"!
أمَّا المحامي نضال عثمان، من الائتلاف لمناهضة العنصرية، فقال: "هذا القانون تحريضي بالدرجة الأولى، ويمس بالمواطنين العرب، إذ يؤكِّد أنّ مواطنتهم هي درجة ثانية وأنهم خارج الحيز العام الإسرائيلي، مما يعني شرعنة إقصائهم".
وأضاف: "من نافل القول أنّ هذا القانون يُضاف إلى سلسلة أخرى من القوانين والتي عوضًا عن قيامها بتعزيز الشراكة بين فئات المجتمع في إسرائيل تعمل على تعزيز التباعد والإقصاء والتغريب لبعض فئات المجتمع عن مؤسسات الدولة التي من المفترض أن تخدم كل مواطني البلاد".