ما إن تنتهي الحاجة لطيفة عبدالرازق (85 عامًا) من صلاة الفجر حتى تعكف على الدعاء لابنها الأسير المضرب عن الطعام في سجون الاحتلال الإسرائيلي حتى شروق الشمس، وحينها تجهز نفسها للخروج إلى خيمة التضامن مع الأسرى في جنين بشمال الضفة الغربية المحتلة.

وبمجرد وصول الحاجة لطيفة إلى الخيمة تتحلّق حولها أمهات الأسرى المتضامنات مع أبنائهن، ويتبادلن آخر الأخبار القادمة من السجون للاطمئنان على أوضاع الأسرى.

والحاجة لطيفة من مخيم جنين تُعرف بـ"أم علي القنيري" ولدت في قرية السنديانة قضاء حيفا المحتلة، ولها ثمانية أبناء من الذكور، و11 من الإناث، وذاقت مرارة فراق أبنائها بأشكال متعددة.

استشهد ابنها علّام في معركة مخيم جنين عام 2002 أثناء مقاومته جيش الاحتلال؛ أما نجلها علي (43 عامًا) فيذوق مرارة الأسر منذ 13 عامًا، ومضرب عن الطعام في سجن جلبوع، ولم تتمكن من زيارته منذ لحظة اعتقاله حتى اليوم ولم تحظ بسماع صوته.

والأسير علي متزوج ولديه ثلاثة أبناء (سند ومحمد  وذكرى)، واعتقل حينما كان ابنه سند في الخامسة من عمره، لكنه الابن الآن يستعد لتقديم امتحانات الثانوية العامة في ظل الظروف العصيبة التي تعيشها العائلة جراء قلقها على مصير والده المضرب عن الطعام.

"أم الجميع"

وتعتصم أم علي في خيمة التضامن باعتبارها أُمًا لجميع الأسرى، كما تقول،  فضلًا عن شوقها لسماع نبأ "يُبرّد نار قلوب الأمهات المشتعلة خوفًا وقلقًا على أبنائهم في السجون".

وتضيف "منذ 24 يومًا لم يتمكن المحامون ولا الصليب الأحمر من إخبارنا بأي شيء عن أبنائنا المضربين، وألتزم الخيمة لأنني أشعر حينما أمكث هنا أن ابني معي داخل الخيمة".

وتمكث الحاجة الثمانينية في الخيمة منذ طلوع الشمس حتى الساعة العاشرة ليلًا، باستثناء ساعتين وقت الظهيرة، إذ تتوجه إلى بيتها لتناول دواءها.

فك إجباري لإضرابها

وأضربت "أم علي" عن الطعام لـ12 يومًا متواصلة مع مجموعة من الأسرى المحررين داخل خيمة الاعتصام، لكن مرضها وعمرها لم يسمحا لها بالبقاء في الإضراب، ولاسيما بعد تعرضها لوعكة صحية، وإجبارها من الأطباء عل وقف الإضراب حفاظًا على حياتها.

وتدعو الحاجة لطيفة أهالي الأسرى وغيرهم للمشاركة في خيام التضامن لتعزيز صمود الأسرى المضربين حتى تحقيق مطالبهم وحقوقهم، ولا ترى أن حجم المشاركة الجماهيرية يرتقي للمستوى المطلوب.

وتدمع عيون الأم الصابرة وهي تتحدث، وكأن نجلها يسمعها، وتتحضر كل يوم للإجابة عن أسئلة أحفادها على باب المنزل، فهم متشوقون لسماح أخبار سعيدة عن والدهم الأسير إلى جانب المئات من الأسرى المضربين في السجون.

وتقول "يا علي يا أغلى الأهل.. تمنيتلك قصر عالي بمخيم جنين  وحايطه نهر.. ريت كل من سجنك ينسجن ويعيش بالسجن مقطوع الأهل.. يا أبو سند يا زهرة الفنجان.. يا فارس من أقدم الفرسان.. ريت يما عمرك يطول.. وتضل سند للإسلام..".

بهذه الكلمات اختتمت "أم علي" قصتها وهي تذرف دموعها، وتدعو الله أن يطمئنها على ابنها.