كشفت مذكرة قانونية، أن حركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، بقوة السلاح، تحرم الشخص من حقه الأصيل في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي للحصول على محاكمة عادلة. مؤكدة أن إخضاع المدنيين لولاية القضاء العسكري هو تعدٍ صريح على منظومة العدالة.

وأبانت تلك المذكرة الصادرة عن مركز الميزان لحقوق الإنسان، أن حماس كرست هذا الحرمان عبر قرارها الخاص بإحالة قضايا الجلب والتهريب والترويج للمخدرات إلى هيئة القضاء العسكري التابع لـ"حماس".

وتوجه مركز الميزان لحقوق الإنسان، في التاسع من الشهر الجاري، بمذكرة قانونية لكل من رئيس هيئة القضاء العسكري الحمساوي، رئيس لجنة الرقابة وحقوق الانسان في المجلس التشريعي الخاص "ببرلماني حماس" في قطاع غزة، ومراقب عام وزارة داخلية حماس، ومدير قوى الأمن الداخلي الحمساوي.

وتناولت المذكرة قرار مجلس الوزراء الحمساوي الصادر في 22/12/2016م في غزة والقاضي بإحالة قضايا الجلب والتهريب والترويج للمخدرات إلى هيئة القضاء العسكري الحمساوي، استناداً إلى قرار المجلس التشريعي الحمساوي الصادر بتاريخ 10/8/2016م، والقاضي باعتبار جرائم المخدرات تمس بالأمن القومي الفلسطيني، ومدى توافق القرار سالف الذكر مع المعايير الدولية للعدالة من ناحية ومع القواعد والأسس الدستورية والقانونية الفلسطينية من ناحية أخرى.

ويعكف مركز الميزان على رصد وتحليل ما يتعلق بمنظومة العدالة الفلسطينية، ويولي اهتماماً خاصاً بالقضايا التي تمس بحقوق المواطنين وحرياتهم وتمتعهم بالضمانات القانونية التي كفلها كل من القانون الدولي والقانون المحلي الفلسطيني، والذي يشكل ضمان تحقيقها مسؤولية أصيلة تقع على عاتق كافة المسؤولين.

وأشارت المذكرة إلى الخطورة الكبيرة التي يشكلها القرار الصادر عن مجلس الوزراء الحمساوي في غزة، الذي يشكل مساساً بواحدة من أهم الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة، ألا وهو حق الشخص في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، الذي يعتبر الضمان الأول وحجر الأساس لضمان تمتع الشخص بكافة حقوقه المتعلقة بضمانات المحاكمة العادلة.

وأكدت المذكرة أنه لا يجوز بحال من الأحوال حرمان الشخص من هذا الحق الأصيل، فثمة استقرار لمبادئ وقواعد قانونية على الصعيدين الدولي والمحلي تقضي بحصر ولاية القضاء العسكري في محاكمة العسكرين وفي الشأن العسكري فقط.
وأبرزت المذكرة مدى مخالفة قرار مجلس الوزراء آنف الذكر لواحدة من أهم الأصول الدستورية الفلسطينية والتي تبرزها المادة رقم (30) في الفقرة (أ) من القانون الأساسي الفلسطيني بشكل صريح وذلك بنصها: " .. لكل فلسطيني حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي .. "، فالمادة السابقة تبين صراحة أن المدنيين الفلسطينيين لهم الحق في أن يتم عرضهم على قضائهم الطبيعي والمتمثل بالقضاء العادي لا القضاء العسكري، والذي يعتبر قضاءً خاصاً مقـيّدا بمحاكمة فئة معينة من المتهمين وهم "العسكريين".

وأوضحت المذكرة أن إخضاع المدنيين لولاية القضاء العسكري هو تعدٍ صريح على منظومة العدالة، ذلك أن محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري فيه افتقار للحياد والاستقلال اللذين يشكلان الأساس الذي يجب توافره في أية محاكمة كانت.
كما يشكل تجاوزاً للضمانات والمعايير الدولية وخاصة ما جاء في المادة رقم (9) والمادة رقم (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهو انتهاك واضح لصريح نص المادة رقم (101)، الفقرة (2) من القانون الاساسي الفلسطيني والتي تنص صراحةً على أن اختصاص المحاكم العسكرية محصورٌ فقط في محاكمة العساكر الفلسطينيين وفيما يتعلق بالشؤون العسكرية.

بالإضافة إلى ما سبق فقد أبرزت المذكرة عدم جواز تطبيق التشريعات الجزائية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي صدرت عام 1979م في الوقت الحالي للعديد من الأسباب، يمكن القول أن أهمها يتمثل في كونها غير صادرة عن السلطة التشريعية المختصة " المجلس التشريعي"، حتى إنها لم تُعرض عليه لإقرارها. وعليه فإن هذه القوانين ليست من منظومة التشريعيات التي سنها المجلس التشريعي وفقا لآليات سن القوانين، والتي حددها كل من القانون الأساسي الفلسطيني وكذلك النظام الداخلي للمجلس التشريعي.

واشترط القانون الأساسي الفلسطيني وجوب نشر القوانين وذلك بمقتضى نص المادة رقم (116)، وهو ما أكده النظام الداخلي للمجلس التشريعي الفلسطيني، في المادة رقم (70) من النظام.

وبينت المذكرة أهم أوجه التعارض الجسيم لقانون أصول المحاكمات الثوري لعام 1979م بوصفه القانون الإجرائي المطبق أمام المحاكم العسكرية مع قانون الإجراءات الجزائية رقم (3) لسنة 2001م، الذي يعتبر القانون الأصيل الذي تخضع له محاكمات المدنيين وينطبق عليهم بصفة أصيلة.

وخلصت المذكرة إلى عدم مشروعية القرار الصادر عن مجلس الوزراء الحمساوي والقاضي بإحالة قضايا المخدرات إلى هيئة القضاء العسكري، على اعتبار أنها قضايا تدخل في اختصاص القضاء العسكري، وذلك لمخالفته المعايير الدولية للعدالة وللأسس الدستورية والقانونية الفلسطينية.

وعليه يجب على القضاء العسكري الحمساوي الامتناع المطلق عن محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية الفلسطينية، وحصر اختصاص المحاكم العسكرية في الجرائم ذات الطابع العسكري التي يرتكبها العسكريون فقط، بالإضافة إلى أن أي عقوبة صادرة عن هيئة القضاء العسكري بحق المدنيين غير مشروعة لكونها صادرة عن جهة غير مختصة بمقتضى القانون من ناحية، ومن ناحية أخرى لعدم مشروعية نفاذ التشريعات التي تم الاستناد إليها.