اعداد:  خالد غنام أبوعدنان

لقد أصبحت المظاهرة جزءا من أسلوب الحياة في العالم، ونستطيع أن نسجل الثلاثة أعوام الماضية كأكثر أعوام شهدت مظاهرات في العالم، بل أن كل يوم من أيام عام 2016 شهد مظاهرة واحدة على الأقل في العالم. ولهذا السبب خُصصت العديد من الحلقات الدراسية بفنون التظاهر بمؤتمر الماركسيين الدولي المنعقد في مدينة ملبورن الأسترالية من 13 وحتى 16 أبريل 2017 لدراسة فنون التظاهر بالعالم واستضاف العديد من الفعاليات حول العالم لتبادل الخبرات وتناقل التجارب الثورية. وقد يكون هناك أمور فكرية وفلسفية كثيرة طرحت بالمؤتمر وكذلك قضايا سياسية لكنني انتهزت انعقاد المؤتمر لإتمام بحثي الميداني عن فنون التظاهر بالعصر الحديث، فحضرت العديد من الحلقات الدراسية وأجريت مجموعة من المقابلات والكثير من الحوارات والتعقيبات في مؤتمر تميز بأن هناك 12 متحدثا من الدول العربية وأمريكا اللاتينية منعوا من دخول أستراليا ضمن النهج اليميني المتطرف للحكومة الأسترالية الحالية.
كانت الجلسات الخاصة بالنشطاء الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية هي الأكثر شعبية، وتحدث فيها كل من خوري بيترسين سميث (Khury Petersen-Smith) وهالي بيسين (Haley Pessin) عن مظاهراتهم ضد السياسات العنصرية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب (Donald (Trump، وقد شرح خوري طبيعة المظاهرات بأنها عفوية وغير منظمة بشكل جيد، فهي حراك شعبي غاضب من الصعب ضبطه، وهذا السبب الرئيس الذي جعل قيادات المظاهرات مثل هالي خارج طائلة المحاسبة القانونية، نعم كان هناك عنف وهي ردة فعل طبيعية على عنف رجال الأمن، ونقول الأمن بشكل عام، فالقوات في الشوارع كانت خليطا من العديد من الأجهزة الأمنية والشرطية المحلية والفدرالية وأكثر من ذلك تدخلت وحدات من الجيش الأمريكي، إنها حالة حرب تصاعدت بشكل جنوني، ونحن كقيادات للمظاهرات تصاعدت مطالبنا تلبية لرغبة الجماهير الغاضبة جدا، ومجرد تذكر تلك الأوقات وكيف أننا فقدنا القدرة على تحديد نوع الهتافات أو مسار المظاهرة أو حتى حدود المظاهرة، لقد أصبح المسؤولون عن مؤخرة المظاهرة بالمقدمة، ولم يكن عندي أية معلومات عن ماذا يحدث خلفي، كما أن شكل المظاهرة أصبح مثل كرة جليد تتدحرج من أعلى جبل وترتطم بالأرض لتغير اتجاهها فلا أحد يعلم أين هي ذاهبة أو متى ستتوقف، إنها مظاهرات الحراك الشعبي فهي تروتسكية ضمن مفاهيم الثورة الدائمة، ولا تملك طليعة ثورية تقودها، إلا أنها تؤمن أن لها قيادة تطالب بحقوقها فهي ماركسية العمق لكنها شعبوية المسلك. إنها أخطر تجربة خضتها في حياتي، إنها الانصهار التام مع رغبات الجماهير التي تطالب بكل الأفكار التي أؤمن بها أو حتى أحلم بها، ولكنها أيضاً صعود لقلب العواصف اللولبية فأنا داخل دوامة تجذبني للداخل للأمام وأنا لا أملك أن أقاوم، وإن حاولت المقاومة تحركت إجبارياً كما ترغب الجماهير، إنها من يحكم الشارع وإنها المسؤول عن كل شيء يحدث في مظاهرات الحراك الشعبي.
وفي الجلسة بإدارة هيرشا كادول (Hersha Kadkol) من الهند وعنوان دراستها غاندي وخرافة اللاعنف، وشرحت بالتفاصيل التاريخية الدامغة، أن المظاهرات  العنيفة استمرت في الهند طوال فترة العشرين سنة التي سبقت الاستقلال، وأن ما يُسمى باللاعنف في الهند ما هو إلا عبارة عن إعطاء فرصة للبريطانيين لإعادة هيكلية استعمارهم للهند عن طريق خلق طبقة نخبة هندية قادرة على أداء دور الحاكم الصوري للهند بدل الجنرالات العسكرية البريطانية، بل إن الأفكار اللاعنفية التي طرحها غاندي كانت تبحث عن تثبيت قوة النخب الهندية، ولم يكن مسموحا بأي شكل من الأشكال مناقشة حقوق العمال إذا كان مالك الشركة إقطاعياًَ هندياً، وبنفس القوة كان اللاعنف يثبت الحاكمية الدينية في الهند ضد القانون البريطاني مما يعني أن السلطات الدينية لا تناقش، بل أن طاعة القيادات الدينية تعتبر جزءا من مقاومة الاستعمار البريطاني، وكذلك الأمر بالنسبة لحقوق المرأة التي كان مجرد رفضها لقرار صادر عن والدها أو زوجها وأحياناً ابنها يعتبر ممارسة تقليدية للفكر البريطاني.
إلا أننا إذ نقرأ تاريخ  النضال الهندي سنجد أن الأفكار التحررية كانت الطاغية في المظاهرات اليسارية والتي اشتبكت بعنف مع الجيش الهندي البريطاني وسقط في المظاهرات 40 ألف قتيل بمعدل ألفي قتيل بالمظاهرات في كل عام من فترة 1927-1947، كما أن عدد القتلى من النساء ارتفع بعدما تمت المطالبة بالمساواة بالحقوق المدنية بين الرجل والمرأة في بداية عام 1939. والغريب أن البريطانيين هم من حافظ على رمزية قيادة غاندي للثورة رغم أنه كان يقف على قشة فوق الأمواج العالية، ومهما قيل  أن التسامح والغفران قادران على الإطاحة بالاستعمار، إلا أننا بالهند نعلم أن استقلالنا كلفنا أكثر من 200 ألف قتيل.
وطرحت هيرشا  فنا من فنون التظاهر العنفي يُسمى كرة النمل، وهو ابتكار هندي يعود لعام 1932 في مدينة حيدر أباد، حيث يكون هناك أشخاص يحملون اليافطات المعلنة لمطالبهم وبالقرب منهم قيادات المظاهرة، يتحلق حولهم المتظاهرون بشكل حلزونة مغلقة من الداخل ومتشابكة الأكتاف في الحلقات الخارجية، ويقوم الأشخاص بالحلزونة بالدوران حول النفس والهتاف بقوة مع التقدم باتجاه الجيش، ويكون هدف المظاهرة الزحف إلى النقطة التي تجعل الجيش يتراجع إلى النقطة التي تريد المظاهرة الوصول لها، مثل مركز شرطة أو قاعة محكمة لإجبار المسؤول على حوار قيادة المظاهرة والنظر في مطالبهم.
وفي حلقة أخرى تحدث كيم شينغ (Kim Cheng) عن المظاهرة الإعلامية، وقال أن الهدف الأساسي من التظاهر في كوريا الجنوبية هو طرح قضية بالإعلام عن طريق التظاهر، إلا أن قانون السماح بالتظاهر صارم جداً، وقد تم ابتداع طريقة متطورة لعمل مظاهرة غير مرخصة وتستمر لمدة عشر ثواني فقط، وتم تسميتها مظاهرات السناب شوت(snap shot)، وهي مظاهرات بحاجة لتدريبات كثيرة يستمر بعضها لمدة أسبوع من التحضير والتدريب في أماكن مغلقة، وأما تنفيذها فيعتمد على انضباط عالٍ، وكل الأوامر تأتي من مخرج المظاهرة ومصورها، الذي يكون في إحدى البنايات العالية و القادر على كشف الشارع المستهدف، ويكون كل فريق المظاهرة بالشارع يسيرون بشكل طبيعي ولكنهم ملثمين لسبب منطقي مثل التلوث أو أنهم يحملون أطفالا أو أكياساً، وفي اللحظة المناسبة يطلب من الجميع التجمهر بالنقطة المحددة، وخلفهم يأتي من الشوارع الفرعية حاملو اللافتات والأعلام، وتصدر أصوات الهتافات من مكبرات الصوت من إحدى السيارات المتوقفة بالشارع، وعندما ينتهي المخرج من التقاط الصور، يرسل رسالة لفك التجمهر، وفي الحال يعود الشارع لوضعه الطبيعي ويتم رمي كل الشعارات واللافتات بشاحنة تأتي لحظة انفضاض المظاهرة تتوقف للحظات ثم تختفي.
أما في حلقة سيب إيفان (Seb Evans) التي خصصها لمفهوم الجدار البشري والمتضامنين الدوليين، فقد شرح جذور الفكرة التي تعود للحرب الفيتنامية، وأكد أن مفهوم الجدار البشري يعني أنك تتطوع لحماية المظاهرة، لا المشاركة بالمظاهرة، أي أن المتضامن الدولي لابد أن يحافظ على وضعه كجدار بشري، و يكون هدفه أن يمنع الجيش أو الشرطة من استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين عن طريق إثبات أن هذه المظاهرة تحظى بتغطية إعلامية وحضور دولي، فهي لم تعد مظاهرة محلية، بل أنها تحمل رسالة عالمية، وإن كانت راشيل كوري (Rachel Corrie) تمثل أعلى درجة من الانضباط فهي لم تشارك بالمظاهرة بشكل عنيف إلا أنها رفضت أن تهدم المنازل بحضورها، وهي فعلا شكلت جدارا بشريا حقيقيا، إلا أن هناك الكثير من المشاغبين الذين يبحثون عن الشهرة على حساب رفاقهم المستضعفين، فيقومون باستثارة الجيش والشرطة والاشتباك معهم، ومهما يكن الاشتباك ضروريا للمناضلين المحليين، فإن الناشط الدولي يفقد دوره كجدار عازل إذا ما استغنى عن دوره كعنصر يمثل نشطاء السلام الدوليين.
وفي حلقة براندا كوشي (Branda Koshi) شرحت نظرية المربعين بمظاهرات الهندوراس وكيف أنها أفضل بكثير من المظاهرات الخطية، وقالت إن الشكل التقليدي للمظاهرة يتكون من خطوط متتالية ويكون الخط الأمامي ممثلا لقيادة المظاهرة أما نهايتها فتمثل الفوضويين والمشاغبين، وأن كل المظاهرات بالعالم تُقاس بقدرة المنظمين على ضبط الصف الأول بالمظاهرة، فهو الصف القادر على الاشتباك مع الشرطة أو الجيش، إلا أننا تعرضنا لغدر كبير حين تم ضرب صف المظاهرة الأول من الخلف، وأن من ضربهم كان من المتظاهرين الرافضين لقرار الحكومة ولكنهم يرفضون أيضا قيادة المظاهرة، فوقعت قيادة المظاهرة بكماشة بين المتظاهرين الغاضبين والجنود الذين بدأوا يضربون بعنف لأن الصف الأول تخطى مسافة الأمان الضرورية للجنود. فجاءت فكرتنا بأن المظاهرة لابد أن تكون مضبوطة من كل الجهات وتم توزيع قيادة المظاهرة بشكل مربعين، ويكون خط التقاء المربعين هو وسط المظاهرة وهو خط القيادة المركزية للمظاهرة، كما يكون هناك قيادة لأطراف المظاهرة، ويعد هذا النوع من المظاهرات أكثر أنواع المظاهرات نجاحا إذا لم يحقق منظمو المظاهرة  التجمهر المطلوب لتوحيد كل المعارضة الحكومية.
وقد قالت فرح كوبياسي (Farah Kobaissy) إن سرقة المظاهرة لا تعني الكثير بالنسبة لي لأن هدف المظاهرة بما ترفعه من شعارات وتطرحه من مطالب، ونحن كتنظيم صغير قد نطرح أفكارا تجد صدى كبيرا تتجاوز جماهيرنا و مناصرينا، وقد يستغل ذلك أحزاب كبرى تُشارك بالمظاهرة وتخطف منا المظاهرة بل تتبجح بأنها من دعا الناس للتظاهر، لكن باختصار الانتصار لا يتجزأ مهما كان هدف المظاهرة ولا يهم من نظم المظاهرة بل المهم تلبية مطالب الناس وتحقيق شعار المظاهرة. أما عمر حسن (Omar Hasan) فقد تحدث عن المظاهرات الدورية وأهميتها وقال أن نجعل المظاهرة ضمن برامجنا الأسبوعية وتحويلها لعادات اجتماعية أمر ضروري لتناقل الخبرات بين الأجيال، كما أن الهدف الحقيقي للمظاهرات الدورية هي الروح الماركسية التي تدعو إلى الاستمرارية وعدم اليأس، فقطرات الماء قادرة على تفتيت جبل شامخ ولكن هذا لن يحصل بين ليلة وضحاها بل بالمواظبة على المطالبة بالحقوق وإن كان صوتنا غير مسموع إلا أن التكرار المنظم للمظاهرات يجعل القوى الظلامية تؤمن بأننا مصرون على مطالبنا، ولعل مظاهرات قرى الجدار في فلسطين المحتلة تعطينا الأمثلة المتفائلة دائما أن النصر قادم.  وأضاف حمزة سبتي (Hamza Sabti) أن مفهوم مظاهرة الصدام ليست من ثقافة تركيا وهي أصلاً فكرة فرنسية لكنها بدأت بالامتداد في أوروبا وفي الولايات المتحدة . وفي أستراليا كان هناك عدد محدود من مظاهرات الصدام لعل أشهرها مظاهرات اللحم الحلال حيث تظاهرت جماعات إسلامية ضد الهجمة الإعلامية على مفهوم اللحم الحلال وخرجت بنفس الوقت مظاهرات تدعم الهجمة الإعلامية وقد كان الاشتباك بين المظاهرتين في نقطة متفق عليها مسبقاً، هذا النوع من المظاهرات يُسمى مظاهرات الصدام، وهي بالعادة مظاهرات صغيرة لها أهداف صغيرة ولا تحظى بتبني الأحزاب السياسية، وقد تكون بعض مظاهرات الصدام لها بعد سياسي مثل مظاهرات الصدام مع اللوبي الصهيوني وأنصار الشعب الفلسطيني بأكثر من مكان في أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية إلا أنها بالغالب تنظم باسم مجموعات عمل صغرى وهدفها لا يتعدى مفهوم التظاهر للتعبير عن الرأي، إلا أن مظاهرات الصدام في تركيا تعتبر مظاهرات سياسية حيث أن كل مظاهرة للأحزاب الكردية تواجه مظاهرة مؤيدة للحكومة التركية، وهو استغلال انتهازي من قبل الحزب الحاكم الذي يفرض استبدادا على كل من يخالفه الرأي وبطرق ملتوية.
أما في حلقة دانيل تايلر (Denel Tyler) فقد شرح فكرة المظاهرة المنظمة، وأكد على أن هناك أخطاء كثيرة تحدث في  الشوارع أثناء المظاهرات ليس بسبب الفوضويين، بل بسبب قلة الخبرة بفن التظاهر، ومَهما يكن مُهما أن ندعو أكبر عدد من الجماهير للمشاركة بالمظاهرة، إلا أن هذا لا يعني أنهم أحرار بكل ما يفعلونه، بل إن الضابط الحقيقي للمظاهرة، هي الجهة المنظمة للمظاهرة، وهي من يحدد شكل وأسلوب المظاهرة، فكل شيء يحدث بالمظاهرة لابد أن يكون مخططا له بالاجتماعات التي تسبق المظاهرة، ولابد أن يكون هناك خطة لتهريب ذوي الخبرة القليلة إذا ما حدث اشتباك غير متوقع مع الجنود، إن الحفاظ على ضوابط المظاهرة يعني أن للمظاهرة هدفاً تسعى لتحقيقه، في تغيير قرار سياسي، لا الاشتباك مع جنود ينفذون الأوامر العسكرية، وإذا ما تحدثنا عن فكرة جرس الكوبرا التي تم تطبيقها في شيكاغو حيث أن المسؤول عن الصف الأخير بالمظاهرة هو من يحدد سلوك المظاهرة، خصوصاً سلوك المتظاهرين قليلي خبرة، وعندما لاحظ أن المظاهرة ستخرج عن السيطرة  دعا الصف الأول بالمظاهرة بضرورة تصعيد العنف ضد الشرطة بينما اهتمت الصفوف الخلفية بتخويف المتظاهرين ودعوتهم للانسحاب من الشوارع الفرعية، وبعد أقل من خمس دقائق تمت إعادة السيطرة على المظاهرة.
ومن جانب آخر تحدث كريستوس ستافراكاكيس (Christos Stavrakakis) عن ضرورة رد العنف بالعنف، وقال أن اليونانيين ليسوا شعبا جبانا وعندما تضرب الشرطة القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي وأكثر من هذا ترشنا بالماء المغلي، فإننا سنرد العنف بالعنف، نعم لقد حرقنا أثينا بشوارعها ومتاجرها وأبنية الحكومة هذا صحيح وأنا لا أنكر أنني كنت جزءا من ذلك، لكن الإعلام الدولي دائما ينقل نصف الحقيقة، فلا أحد يتكلم كم ضبطنا أنفسنا بالساعات الأولى وكم تحملنا استفزازات قيادة الشرطة، لكنها بالنهاية معركة صمود، وإن كانت الشرطة تريد أن تحمي الأبنية فهي إذن نقطة ضعفهم ولهذا قررنا أن نحرق العمارات التجارية والحكومية فهي ليست أغلى من المواطنين المحرومين من حقوقهم، لقد صرخت بوجه قائد الشرطة إن كنت إنسانا عليك أن تحمي اليونانيين وإن كنت حجرا فسوف أدمرك كما دمرنا أسواق أثينا.
أما رينا لاو (Rena Lau) فتحدثت عن أضعف أنواع الاحتجاج، وهو أن يطالب العامل بحقوقه من صاحب المصنع، وقالت في الصين الموضوع صعب جدا، ومسألة المظاهرات من المحرمات إلا إذا كانت مرتبطة بالحزب الحاكم، لهذا نتعامل بذكاء عال مع العمال حتى يحققوا مطالبهم، وقد توصلنا لفكرة المطالبة الفردية والمظاهرة الفردية، نعم شخص واحد يحمل لافتة وورقة بها مظلمته  ويقف باب إدارة المصنع، ولا ينطق بكلمة ولا يترجى ولا يصرخ ولكن بهدوء صامت، وهذه المظاهرات الفردية هي خاصة بالعمال المهاجرين من ولايات فقيرة ويأتون للعمل بالولايات الغنية، إلا أن القانون الصيني يسقط عنهم أغلب حقوق المواطنة لحين عودتهم لولاياتهم الأصلية. المظاهرات الفردية حققت العديد من الانتصارات لأنها أفقدت إدارة المصانع القدرة على تصنيفها فهي إنسانية واقتصادية وسياسية، وهي مبرمجة لكنها مقطوعة الرأس ولهذا السبب لا أحد يجرؤ على أن يدعي أنه المسؤول عنها أو المروج لها، وأقول هذا الكلام وأنا أرتجف خوفا وفخرا أننا حققنا شيئا صغيرا بنضالنا الطويل.
وعقب على ذلك دارين روسو (Daren Roso) إن الاحتجاج الفردي بدأ في اليابان في 1935 وكان العمال اليابانيون يربطون شريطة حول جبهتهم يكتبون عليها أنا محتج وعلى ظهر قميصهم يكتبون مطالبهم، إلا أنهم يستمرون بالعمل دون أن يعني ذلك أنهم راضون عن أوضاعهم، ولعل أشهر مطالبهم كان في عام 1939 عندما طالبوا بمدة زمنية قدرها عشر دقائق للمشي، فهم يعملون كأنهم جزء من الآلات الصناعية، وفي تاريخ شركة تويوتا نذكر أن مبتكر المحرك حاول أن يصنع يدا اصطناعية حتى يرحم العامل الذي يبقى في مكانه لمدة ستة ساعات وكأنه جزء من الآلة.   
وفي حلقة آدم بوتوملي (Adam Bottomley) تحدث عن الفروقات بين المظاهرة والمسيرة والاعتصام، وقد شرح أن أغلب القوانين بالدول الغربية تسمح بالتظاهرة دون أن يعني أن وصول المظاهرة لمرحلة المسيرة غير القانونية، إلا أن القيادة الأمنية الميدانية قادرة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع المظاهرة من الوصول لمرحلة المسيرة، وفي العام الماضي وحده تم منع أكثر من 40 مظاهرة للوصول لمرحلة المسيرة بمدينة سدني الأسترالية. ولفهم القضية هذه لابد أن نحدد أن الحكومة تدفع النشطاء السياسيين لممارسة الحياة السياسية الشرعية من الناحية القانونية والتي تعتمد على تقديم العرائض للبرلمان والحكومة وجمع التواقيع، وهي مسألة تدخل ضمن النظر بمطالب داخل المؤسسة الحاكمة، وإن لم يتحقق لنا ذلك فلنا حق الاعتصام، أي أن نجلس أمام مكتب المسؤول لحين حل القضية، وهذا الاتجاه الفكري يعني أننا نؤمن أن النخبة الحاكمة هي فعلا الممثل الفعلي لرأي الشارع، وهذا لا يتناسب مع الأحزاب الصغيرة غير الممثلة بالبرلمان أو الحكومة، وكذلك لا تتناسب مع المجموعات الشبابية غير المنتمية لأحزاب سياسية.
لابد أن يكون التركيز على تحقيق هدف المظاهرة بشكل صارم وعدم الانجرار لما تسعى له قوات الأمن من تحويل المظاهرة من عمل سياسي يطالب بتغيير قرار معين إلى مجرد معاقبة أناس خارجين عن القانون، إن نعت المتظاهرين بالفوضيين الذين يقومون بأعمال الشغب ويغلقون المرافق العامة مثل شوارع المدينة وكذلك محاصرة الأبنية بقصد تعطيل عملها كلها تعتبر تهماً جاهزة لأي مظاهرة، ومن هنا يكون على منظمي المظاهرة أن يكونوا واعين أن الهدف الحقيقي الحفاظ على المظاهرة كعمل سياسي له هدف محدد.
من هنا يكون ضروري تحديد شكل التظاهر والترتيب له ليتناسب مع النتيجة المرجوة منه، وهذا لا يعني أننا قادرون على ضبط كل المظاهرات، لكننا نميز بين التظاهر العفوي والتظاهر المنظم، فهناك الكثير من الغضب من المظاهرات العفوية التي تطالب بتغيير سريع، وعادة ما تكون المظاهرات العفوية ذات مطالب صغرى ومحددة، وهذا يجعل ردة فعل الأجهزة الأمنية لا يتجاوز حل المظاهرة بطرق ناعمة ودون الوصول لاستخدام قوات مكافحة الشغب، بينما بالمظاهرات ذات أهداف كبرى يكون الموضوع مختلفاً، لأن هذا النوع من المظاهرات يتعدى حدود لحظة المظاهرة، فهناك تاريخ طويل للتظاهر ضد التمييز العنصري أو المساواة بالحقوق المدنية بين المواطنين أو ضد قوات الاحتلال، علينا أن نقر أن هذا النوع هو ما يُسمى مظاهرة بحاجة لمسيرة تتبع التظاهر والاستماع للخطابات، ومهما تكن قوة الأمن شديدة فلا بد للوصول لمرحلة المسيرة حتى لو كانت على رصيف، فلا يوجد ضرورة للاشتباك مع الأمن بل هناك ضرورة لعقد اتفاقية تسمح للمسيرة أن تسير وفق ما هو مرسوم لها دون إحراج الأجهزة الأمنية.
وفي حلقة هالي بيسين (Haley Pessin)  التي خصصتها لمظاهرات الأمريكان السود (الأفارقة) ضد سياسات التمييز العنصري في الولايات المتحدة، والتي اتخذت شكلا تصاعديا بعد إعلان فوز دونالد ترامب (Donald Trump) بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد بدأت حديثها عن القانون الأمريكي والمؤسسات الأمريكية التي تتعامل بشكل وقح مع الأقلية السوداء بطريقة مختلفة عن تعاملها مع البيض، ومهما كان الحديث عن أن الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما (Obama) كان من أصول أفريقية وأن هذا السبب هو الذي دفع المجتمع الأمريكي لاختيار رئيس متطرف بتوجهاته وسياساته ضد المواطنين الأمريكيين الملونين وخاصة السود، بالحقيقة قتلت الشرطة الأمريكية في العام الماضي عددا من المتظاهرين السود يفوق عدد ما قتلت الشرطة طيلة فترة حكم جورج بوش الإبن(George W Bush)، فنحن لم نلمس أي تحسن في تعامل الشرطة معنا أثناء فترة حكم أوباما (Obama)، بل ان السياسات كانت أكبر من أن تتعدل، وعندما سمعنا خطابات ترامب في حملته الانتخابية عرفنا أن القادم أسوأ من كل ما سبق، هذا التطور دفعنا إلى العنف والعنف بقوة سببه خوفنا من المستقبل الذي بدأ يتشكل، لقد خاطرنا باستخدام أساليب لم تكن من أساليب التظاهر، فالمغامرة أن تقوم مجموعة من المتظاهرين بالوقوف في شوارع مفتوحة (الخط السريع أو أوتوستراد/ High Way) بدلا من التجمهر في الشوارع التجارية في قلب المدن له أسباب منطقية، وقبل أن أذكرها، أود أن أعلمكم أن هناك قانوناً جديداً بخصوص حوادث الخطوط السريعة، حيث تم اعتبار المتظاهرين ليسوا جزءا من قائمة حوادث السير، مما يعني إذا ما تم دهس أو قتل متظاهر بالخطوط السريعة، فإن السائق لا يحاكم بسبب أن المتظاهر تواجد أمام سيارته وهو يقودها بسرعة، وبالتالي فإن المتظاهر هو سبب وهو من يجب أن يعاقب.
أما سبب خروجنا للخطوط السريعة التي يعتبرها الجميع خطرة، وأن نسبة قتلى المتظاهرين مرتفعة، فيعود لأسلوب تعامل الأجهزة الأمنية داخل المدن معنا، ففي المدن الصغرى يتم إحضار قوات الشغب ووحدات من الجيش الأمريكي بأعداد تفوق عدد المتظاهرين، ويبدؤون بإطلاق الغازات المسيلة للدموع، وأكثر من ذلك أنهم يملكون تفويضا باستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين العزل، لذا قررنا أن تكون تظاهرتنا خيطية طويلة، أي أن لا نتجمهر في مكان واحد، بل علينا أن نقوم  بالعديد من المظاهرات الصغيرة بأماكن مختلفة ونقوم بتشتيت قوات الأمن، وإشعار الأجهزة الأمنية أن التظاهرات تمتد من شيكاغو وحتى سان فرانسيسكو، وهذا الأسلوب تعلمناه من الفلسطينيين، فمظاهرات القرى المحاذية للجدار العنصري الذي يعزل الضفة الغربية عن إسرائيل، تعتبر مظاهرات صغرى لا يتجاوز أعداد المتظاهرين في كل قرية ألف شخص، ولكن عندما تتحدث عن أكثر من عشرين مظاهرة تحدث بنفس الوقت فهذا يعني أنها مظاهرة واحدة ولها هدف واحد، وهي أفضل أسلوب لتشتيت قوات مكافحة الشغب.
وأمر آخر تعلمناه من الفلسطينيين، أن أي تصرف سوف نقوم به هو مخالف للقانون، وبالتالي من حق الأجهزة الأمنية استخدام العنف لوقف المظاهرة، ولكننا نخاطر أكثر من الفلسطينيين لأننا نرى أن التغيير القادم سيسحق آمالنا بنيل حقوقنا المدنية، نعم فعدد ما قتلت الأجهزة الأمنية الأمريكية من المتظاهرين في شهري يناير وفبراير من هذا العام هو عشرة أضعاف ما قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي من الفلسطينيين. وما أذكره هنا عن الفلسطينيين لا ينكر أننا تعلمنا الكثير من مظاهرات هونغ كونغ واليونان و إسبانيا ، إلا أننا نشعر بأننا نفتقد للعدالة الاجتماعية وأن هناك عدم مساواة بالحقوق المدنية بين السود والبيض، وان نضالنا بدأ منذ أكثر من أربعين عاماً، والمستقبل سوداوي مثل بشرتنا، فأكثر الباحثين المتفائلين يقول إن الوصول للمساواة المطلقة بين البيض والسود في الولايات المتحدة الأمريكية يحتاج إلى 400 سنة حتى يتحقق إذا ما استمر تصاعد الأصوات المطالبة به.  
وبمزيد من الحزن والأسى اعتذر منظمو المؤتمر عن عدم تمكنهم من إحضار نشطاء من فلسطين ومصر وسوريا بسبب أن الحكومة الأسترالية لم تمنحهم تأشيرات دخول، رغم أن المنظمين قدموا كل الضمانات والتطمينات اللازمة. وكان سيحضر من فلسطين الرفيق باسم التميمي من قرية النبي صالح للحديث عن النضال الفلسطيني ضد الجدار، أما أسماء الرفاق العرب فقد تعذر الحصول عليها لأسباب أمنية، كما أن هناك العديد من الأسماء المستعارة استخدمها المتحدثون والتي لا نعلم أسماءهم الحقيقية وهناك حلقات عديدة منع التصوير فيها ولا حتى تدوين المحاضرات في سابقة خطيرة جعلتنا نشعر أن الظروف الأمنية بالعالم حولنا باتت لا تتحمل مجرد أن نعبر عن رأينا بمستقبلنا.