يطرح مجدداً وبقوة السؤال حول المستقبل السياسي لغزة، ومبررات ذلك أقوى من ذي قبل، بعد عشر سنوات من الإنقسام، وتجذر بنية هذا الإنقسام وتحولها لبنية تصلح أن تكون نواة دولة أيا كانت ماهية هذه الدولة.

لكن في الحالة الفلسطينية المحددات قد لا تتوفر في الحالات العادية لقيام الدول. والتي عادة ما تكون بعد مرحلة تحرر كاملة وإنهاء الإحتلال، وهذا العامل غير متوفر في الحالة الفلسطينية، او عبر الإنفصال عن دولة قائمة، وهذا أيضا غير متوفر. والسؤال الثابت هنا: ما هي خيارات "حماس" بعد هذه السنوات؟ وما هي أهدافها؟

بداية الخيارات والسيناريوهات التي تحكم المستقبل السياسي لقطاع غزة تحت سيطرة حماس تحكمها محددات فلسطينية، وعربية إسرائيلية ودولية، ويمكن لنا تلخيص هذه المحددات على النحو التالي :

فلسطينياً وعلى مستوى حركة "حماس"، العامل الجغرافي يساهم في تعميق حالة الإنقسام، وضعف السلطة وتواجدها في غزة، وتفريغ أي مكونات لها، وضعف الفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني، وبالمقابل ضعف الشرعية السياسية التي ترتكز عليها حركة "حماس"، فما زالت هذه الشرعية مقرونة بالسلطة الفلسطينية ورئاسة السلطة، وهي الشرعية المعترف بها عربياً ودولياً، وقدرة السلطة على ممارسة ضغوطات في هذا الإتجاه.

وعلى مستوى حركة "حماس"، اولًا إرتباطها بالمرجعية الإسلامية العليا التي توفرها حركة الأخوان المسلمين، وإن لم يتم الإشارة لذلك صراحة في الوثيقة السياسية المزمع نشرها، والحرص على بقاء حركة حماس نواة قوية للحركة في المستقبل، وعلى قدر من التكيف السياسي مع بعض المتطلبات التي تفرضها التطورات السياسية التي تمر بها المنطقة.

وعربياً الذي يتحكم بخيارات غزة الدور المصري من مستقبل غزة، والإلتزام السياسي الثابت بالقضية الفلسطينية والشرعية التي يمثلها الرئيس محمود عباس، ولذلك من المستبعد ان تعترف مصر بأي شكل من أشكال الإستقلال لغزة بعيداً عن السلطة، وايضاً تخوفاً من الإرتباط ألأيدولوجي والعقيدي بحركة الأخوان. وفي الوقت ذاته هناك مواقف دول عربية اخرى كقطر توفر الدعم والديمومة للحركة .

وإسرائيليا توجد مصلحة إسرائيلية لدعم حالة الإنقسام فلسطينيا والحيلولة دون قيام دولة ، وتتحكم إسرائيل في كل المنافذ البرية والبحرية والجوية لغزة ، حتى خيار لحرب ليس بهدف إستئصال حركة حماس بقدر ما إضعافها، وممارسة الحصار الممنهج الذي يعمل على إستمرار حالة الإنقسام.

وعلى المستوى الإقليمي تشكل المحددات الإيرانية وما تقدمه من دعم مالي وعسكري للحركة، وما تقدمه تركيا من إحتضان لحماس وتوفير مقر لها محدداً دافعاً لبقاء حركة "حماس" وإستمرارها. ودولياً يوجد توجه عام للنظر إلى غزة على انها أحد البدائل لحل القضية الفلسطينية، بأن تكون نواة للدولة الفلسطينية ،مع إبداء قدر من التكيف السياسي من الحركة بنبذ العنف، والإرهاب وهذا ما نلمسه بوثيقة حماس التي أشارت لعدم معارضتها لقيام دولة فلسطينية على حدود 1967.

وفى هذا السياق يمكن التغلب على عقدة الإعتراف بهدنة طويلة الأمد. هذه المحددات هي التي يمكن أن تشكل السيناريوهات الأكثر إحتمالا. وهذه السيناريوهات هي :اولاً سيناريو إستمرار حالة الأمر الواقع السلبية. وهذا السيناريويات مستبعداً بعد عشر سنوات من الإنقسام، لما يعنيه من حصار، وحرب مستمرة، وهي تداعيات تتعارض ورغبة "حماس" في الإستمرار والبحث عن الشرعية السياسية، وهو ما يقود للسيناريو الثاني أي إستمرار حالة الأمر الواقع الإيجابية، والتي تعني الإستجابة لهدنة طويلة مع إسرائيل بدعم من دول كقطر وتركيا، والتي تستثمر ملايين الدولارات في غزة. وبالإنفتاح الواقعي على مصر، وإعادة ترتيب العلاقات مع مصر، تمهيداً لمرحلة بعيدة المدى قد تقود إلى القبول بإنفصال غزة بالكامل من خلال إستبدال كل العلاقات مع إسرائيل بمصر. وهذا قد يكون هدفاً إستراتيجياً.

إحتمالات هذا السيناريو كبيرة. والسيناريو الثالث الإعلان عن غزة إمارة إسلامية، وهو سيناريو مستبعد نصاً وإعلاناً، لعوامل عربية وإسرائيلية ودولية ترفض أي نواة إسلامية في غزة، ترتبط بمرجعية إسلامية اشمل كالأخوان. لكن على ارض الواقع بنية هذا السيناريو قائمة، وبشكل متدرج.

أما السيناريو الرابع ، وهو سيناريو المصالحة الكاملة، والعودة إلى الإندماج الكامل في بنية السلطة الفلسطينية و المنظومة السياسية الفلسطينية كلها ، فهذا الخيار إحتمالاته بعيدة، وقليلة، وإن كانت غير مستبعدة، لكن قوى الإنفصال أقوى من قوى المصالحة والإندماج، كما اشرنا في السيناريوهات السابقة، ولذلك قد نشهد خطوات إنفصالية متعددة ومتنوعة ،وفعلا نرى تشكيل لجنة إدارة عليا لغزة بمثابة حكومة، وإستقلالية في الرسوم والضرائب وهي من مظاهر الإنفصال والعمل على إكتمال البنية الامنية والعسكرية والإقتصادية، ولا يتبقى إلا البنية السياسية، وإن كانت هناك خطوات في هذا الطريق، بإنشاء بنية بديلة لمنظمة التحرير.

والسيناريو الخامس وهو سيناريو إعلان دولة فلسطينية، فهذا الخيار مستبعد اولاً بسبب إستمرار الإحتلال الإسرائيلي لكل الأراضي الفلسطينية، وما زالت غزة تعتبر تحت الإحتلال الإسرائيلي، والحاجة إلى الإعتراف العربي والدولي وهذا أمر غير قائم، وإعتراف حركة حماس بإسرائيل، وهذا أيضا غير متاح على مستوى الحركة، وإن كان البديل له هدنة طويلة المدى .

وفي الوقت ذاته لا يشترط قيام الدول الإعتراف بالدول الأخرى بها، وأخيراً إستحالة الذهاب للأمم المتحدة وطلب العضوية لدولة في غزة، لأن هذا يتناقض ويلغي كل القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة.

والاكثر خطورة ان الإعلان عن قيام دولة في غزة يعني إعترافاً كاملاً بالإستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، والإعتراف بأن إسرائيل ليست دولة إحتلال ، ناهيك عن نقض مبدأ وحدانية الأرض والشعب الفلسطيني .

لذلك فإن هذا الخيار مستبعد تماماً، والبديل، بنية دولة دون الإعلان عن قيام الدولة. وكل هذه الخيارات تتوقف على مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس التي تنتظرها حركة حماس!