يواجه مرضى قصور الكلى الفلسطينيون في لبنان معاناةً صعبةً جرّاء عدم تغطية كلفة علاجهم المرتفعة من قِبل الأونروا. ولفترة طويلة اضطَّر المرضى للاعتماد على مستشفى الهمشري في صيدا كونه الوحيد الذي يوفِّر هذه الخدمة لهم مجاناً، متكبِّدين مشقّة مسافة الطريق وكلفة المواصلات وخاصةً بالنسبة للمرضى من المناطق البعيدة نسبياً. ومن هنا فقد شكَّل افتتاح وحدة لغسيل الكلى في مخيّم البداوي خطوةً مهمة جداً لتخفيف العبء المادي والجسدي عن مرضى منطقة الشمال لا سيما مع ارتفاع عدد حالات المرضى في المنطقة.

افتتاح الوحدة خطوةٌ مهمّةٌ في خدمة شعبنا
افتُتِحت وحدة رعاية الكلى للمرضى الفلسطينيين في مستشفى صفد في مخيَّم البداوي في طرابلس بدعم مشترك من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ومؤسسة التعاون- لبنان، ومؤسّسة الإغاثة الإسلامية، وجمعية إغاثة أطفال فلسطين، وجمعية الرعاية الصحية.
ولأهمية هذا الخطوة فقد حضر الافتتاح ممثّل سفارة دولة فلسطين في لبنان أمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" في الشمال أبو جهاد فياض، وسفيرة دولة فلسطين في ايطاليا مي كيلة، وعضو المجلس الثوري لحركة "فتح" آمنة سليمان، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة التعاون- لبنان فؤاد بوارشي، ومدير وكالة الأونروا في لبنان بالإنابة حكم شهوان، ومسؤولة البرنامج الفلسطيني في منظمة اليونيسف مارتا بيتانيا، ورئيس جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني د.يونس الخطيب، ومديرة جمعية الرعاية الصحية بهيجة مياسي.
وتوفّر هذه الوحدة الجديدة عمليات غسيل كلى مجانية لأكثر من 30 فلسطينياً في لبنان وفلسطينياً نازحاً من سوريا يقطنون في شمال لبنان. وبسبب ارتفاع كلفة العلاج، لم يكن بمقدور عدد كبير من المرضى تحمل الكلفة الباهظة في المستشفيات الخاصة القريبة من مقر إقامتهم وكان عليهم التوجُّه إلى مستشفى الهمشري في مدينة صيدا بصورة دائمة لتلقي العلاج.
وفي هذا السياق يقول مدير وحدة غسيل الكلى في مستشفى صفد د.ناصر ديب: "كان مرضى غسيل الكلى في الشمال يحوَّلون سابقاً إلى مستشفى الهمشري في صيدا، إذ كان عددهم ضئيلاً، ولكن بعد تزايد أعدادهم من 10 إلى 34 تمَّ التواصل مع وزير الصحة اللبناني آنذاك وائل أبو فاعور من خلال حركة "فتح" كي يمد يد العون لبعض المرضى الفلسطينيين الذين يعانون من قصور الكلى. فأخذ الوزير على عاتقه علاج عدد معيّن من المرضى، وقد تمنَّعت وزارة الصحة عن معالجة الحالات الأخرى إلّا في بعض الحالات الاستثنائية التي رُتِّبَت أمورها من خلال معارف شخصية. وقد بدأنا ببناء المركز بدعم من مؤسسات مختلفة بالتنسيق مع الهلال الأحمر الفلسطيني لاستيعاب كل المرضى الفلسطينيين الموجودين على الأراضي اللبنانية، ونحن مستعدون لاستقبال أي مريض فلسطيني من سوريا أو من لبنان أو من أي بلد في العالم".
وحول تجهيزات المركز وطاقم العمل الموجود يقول د.ديب: "هناك 7 آلات، ستٌ منها لغسيل الكلى العادي، وواحدة للعزل (للمرضى الذين يحملون الأمراض المعدية أو أمراض الكبد وغيره)، وتبلغ القدرة الاستيعابية اليومية للوحدة 12 مريضاً عدا يوم الأحد. أمّا الطاقم الطبي فيتألّف من طبيب وستة ممرِّضين خضعوا لدورات في الجامعة الأميركية في بيروت، وفي مستشفيات الهمشري، والمنلا، وسيدة زغرتا، لفترة لا تقل عن سنة، وتمكّنّا بالمزاولة العملية من اكتساب الخبرة والمعرفة العلمية بهذا الخصوص، إلى جانب د.صابر حسون وهو من أمهر الأطباء المختصين بالمسالك البولية، والفريق كله متعاون في سبيل إنجاح العمل وسلامة المريض، ولا نبالغ إذا قلنا إنَّنا نتعامل مع المرضى كأنَّهم إخوة لنا".
ويضيف د.ديب: "تكلفة عملية غسيل الكلى في المركز تبلغ نحو 120دولار في حين لا يدفع منها المريض شيئاً، ولكن هناك بعض الإبر التي ما زالت على نفقة المريض ريثما تقوم الجمعية بإيجاد المتبرّع لهذا الموضوع بالتعاون مع المؤسسات الداعمة. ونحن على تواصل مع هذه الجهات كي تقوم بتوفير هذه الإبر (هيبرماكس وفينوفير) وبعض الأدوية الأخرى".

سعادةٌ وارتياحٌ لافتتاح الوحدة
حظي افتتاح الوحدة بترحيب وسعادة كبيرة من المرضى القاطنين في منطقة الشمال، حيثُ يقول المريض خالد سليم سليم (23 عاماً)، وهو فلسطيني من مخيّم اليرموك، "كنتُ أغسل الكلى في مستشفى البشائر في أبي سمراء، وقد كان من الشاق علي الذهاب والعودة بعد الغسيل، ولكن بعد افتتاح المركز في مخيّم البداوي أصبح الأمر أكثر راحةً لي، لأنني مقيم في مخيّم نهر البارد، ومركز البداوي أقرب إلي، وبطريقة تعامل الطاقم الطبي معي أشعر أنَّني بين إخوتي".
ويردف: "أنا أدرسُ الهندسة المعمارية، ولكن بسبب التعب والإرهاق بعد عملية الغسيل كنتُ أضطر للتغيُّب عن دروسي، أمّا اليوم فبتُّ أخضع لعملية الغسيل، وأذهب إلى المعهد لأتابع دراستي بدون أي تعب، ولا توجد أي مصاريف مادية، يعني، الحمدلله، الله رحمنا بوجود وحدة غسيل الكلى في مستشفى صفد".
أمَّا المريضة امتياز لوباني (45 عاماً)، من نهر البارد، فتقول: "كنتُ سابقاً أتعالج على حسابي الخاص لأنَّ وزارة الصحة لم تكن تغطي حالتي، فكنتُ أدخل إلى المستشفى كي ينقلوا لي وحدات دم، ومن ثُمَّ أخضعُ لعملية غسيل الكلى التي كانت تكلِّفني 150دولار بدون احتساب مصاريف نقل الدم، وكنتُ احتاج لعملية الغسيل ثلاث مرات في الأسبوع، إلّا أنَّني ونتيجة التكلفة العالية التي تفوق قدرتي المادية كنتُ أغسل الكلى مرتين في الأسبوع فقط، وكنت أدفعُ مبلغ 700 ألف ل.ل شهرياً ثمن الدواء ما رتَّب علي ديوناً باهظة للصيدليات. ولكن الحمدلله أنا اليوم، وبسبب وجود وحدة غسيل الكلى في مخيَّم البداوي التابعة لمستشفى صفد، أغسل الكلى ثلاث مرات في الأسبوع ولا أدفع شيئاً من مصاريف العلاج إلّا ثمن الإبر غير المتوفرة في المركز، وقد تحسَّنت حالتي النفسية، لأنَّني أشعر كأنَّني بين إخوتي فلا يوجد إرهاق مادي ولا إرهاق نفسي وجسدي".
ويقول إبراهيم جابر، 52 عاماً، الذي يقوم بعمليات غسيل كلى بصورة دورية، "إنشاء مركز لغسيل الكلى في الشمال يُعدُّ إنجازاً لجميع المرضى وعائلاتهم". ويضيف: "أخضع لعمليات غسيل الكلى ثلاث مرات في الأسبوع، ومع افتتاح هذه الوحدة اليوم يمكنني توفير نحو 100دولار شهرياً كنت أنفقها فقط على التنقلات هذا عدا عن الإرهاق الجسدي الذي كنت أعاني منه".
ويؤكِّد أحمد ظاهر، أحد الممرِّضين العاملين في وحدة غسيل الكلى، أنَّ "المرضى يأتون بحالة نفسية جيِّدة لأنَّهم ارتاحوا من الناحية المادية والمواصلات التي كانت تحتاج إلى خمس ساعات ذهاباً وإياباً من وإلى مستشفى الهمشري في صيدا، لا سيما أنَّ المريض عندما ينتهي من الغسيل يحتاج إلى الراحة ومسافة الطريق من صيدا إلى الشمال مرهقة جداً للمريض. وقد لمسنا بوضوح هذا الارتياح الذي طرأ على المرضى من الناحية النفسية والجسدية".
وينوِّه أمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" في شمال لبنان أبو جهاد فيّاض إلى أنَّ جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني منذ تأسيسها قدَّمت خدمات كبيرة لأبناء شعبنا الفلسطيني، وشكَّلت مرجعًا طبيًّا وملاذاً لأبناء المخيَّمات والجوار في كلِّ الأزمات التي مرَّ بها لبنان من حروب وأزمات، وتحديدًا في منطقة الشمال، ويضيف: "كان لمستشفى صفد دور فاعل في أزمة مخيَّم نهر البارد في إسعاف وإغاثة أهلنا وتقديم الخدمات الطبية والعلاجية لأبناء المخيَّم إبان الحرب على الإرهاب التي خاضها الجيش اللبناني ضد عصابة العبسي الإرهابية".
وعن التطور في مستشفى صفد قال فيّاض لمجلة "القدس": "يواكب مستشفى صفد التطور الطبي في تقديم الخدمات الطبية لأبناء شعبنا في منطقة شمال لبنان، ويسعى لتوسيع مباني المستشفى لتقديم خدمات أكبر وأشمل للمرضى في الاختصاصات كافةً وتحديدًا غير المتوفرة. ولعلّ أهم ما تمَّ توفيره اليوم في منطقة الشمال هو افتتاح وحدة غسيل الكلى في مستشفى صفد في مخيّم البداوي التي خفَّفت عن كاهل نحو ثلاثين مريضًا أعباءً مادية وجسدية ونفسية لأنَّها وفَّرت على كل مريض ما يزيد عن 100دولار بدل مصاريف نقل و100 دولار أخرى بدل عملية الغسل".
وأشار فيّاض إلى أنَّ سيادة الرئيس محمود عبّاس أعطى خلال زيارته إلى لبنان تعليماته بالبدء بتطوير مستوصف الشهيد فتحي عرفات في مخيّم نهر البارد كي يقدِّم الخدمات المطلوبة والتي يحتاجها أبناء المخيّم.

تحقيق: مصطفى ابو حرب
مجلة "القدس" العدد 335 اذار 2017