خاص- مجلة القدس- العدد 334 شباط 2017
تحقيق/ عدي غزاوي


يتزايدُ المشهد على الساحة السياسية الفلسطينية تعقيدًا خاصةً أنَّ القيادة الفلسطينية تخوض حربًا سياسية أعلنتها إسرائيل بعد توجُّه فلسطين للمؤسّسات الدولية والاعتراف بها كدولة عضو في الأمم المتحدة، بالتوازي مع موقف الرئاسة الأمريكية الجديدة الداعم بقوة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وتقليص المساعدات الأمريكية للسُّلطة الفلسطينية. هذه المسائل وغيرها، إضافةً لما أُشيعَ عن نيَّة حماس الانفصال عن حركة الإخوان المسلمين وانعكاس ذلك على علاقتها مع حركة "فتح" والمشروع الوطني طرحتها "القدس" على عدد من السياسيين والمحلِّلين في محاولة لقراءة المشهد الفلسطيني القائم.


عقدُ الانتخاباتِ وإنهاءُ الانقسامِ أولويّة ملحّة
يرى عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" محمد الحوراني أنَّ "إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بات ضرورةً ملحّة كونها طريق الفلسطينيين لتصويب أمورهم خاصةً مع مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة المتحيّزة للاحتلال حيث بدأ ترامب ولايته بمجموعة من الإجراءات والقرارات أولها قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإيجاد حلٍّ بديل عن حل الدولتَين، وعلى ضوء ما يحدث من المواقف الدولية باعتقادي حصل تراجع صغير عن المواقف المعلَنة، ولكن يجب أن تكون هناك مواقف عربية مترسِّخة بشأن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم ودعم المجتمع الدولي كي نصدَّ الهجمة القوية على فلسطين، وأن نكون مستعدين دائماً لأيِّ هجمة تستهدفنا كفلسطينيين لتكريس الدولة الفلسطينية كحقيقة. ومن جانب آخر فالشعب الفلسطيني موجود على الأرض، وقضيّتهُ العادلة نالت احترام العديد من الدول والأطراف في العالم، ويجب علينا الصمود والتمسُّك بثوابتنا لنتمكَّن من تجاوز وضعنا الصعب، عبر إنهاء الانقسام والخروج ببرنامج سياسي ضمن قرارات الشرعية الدولية. وبرأيي فإنَّ وثيقة الأسرى تُشكِّل أرضيةً مناسبة قابلة للتطوير. كما علينا تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون مهمتها إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لحاجة الفلسطينيين لتغيير سياسي لأنَّ ذلك سيقوي من الموقف الفلسطيني المستهدَف من الاحتلال الإسرائيلي ويطرح القضية الفلسطينية أمام العالم بشكل حضاري وجديد عبر تقديم الشعب الفلسطيني كشعبٍ يخوض الانتخابات مرة أخرى ويمارس الديمقراطية في أبهى وجوهها، وأيضاً إعادة طرح القدس كعاصمة. ومن شروط الانتخابات أن تجري على أساس القائمة النسبية في حال انسحبت إحدى التنظيمات السياسية، وأن يكون لدينا برلمان ممثَّل من جميع الأطياف والمدن الفلسطينية إلى جانب إعادة انتخاب أعضاء المجلس الوطني بحيث يكون أعضاء المجلس التشريعي أعضاء فيه كي نبني النظام السياسي بطريقة جيدة وبنّاءة. أيضاً يجب اللجوء لمحكمة الجنايات الدولية للمطالبة بحقوقنا وفتح ملفات كملف الاستيطان، فالمستوطنات مهما طال وجودها تبقّى غير شرعية، وعلينا العمل مع الإخوة العرب والحلفاء الغربيين لتعزيز ثبات الفلسطينيين. نعم الأُفق السياسي حاليًّا مسدود، لكن علينا ألّا نتوقَّف الآن فما ضاع حقٌّ وراءه مُطالِب".
وحول ما أُشيع عن نيّة حماس تغيير سياستها والانفصال عن جماعة الإخوان المسلمين قال حوراني: "نؤمنُ أنَّه من الأفضل لحماس ألّا تكون لها صلّة تنظيمية بأي تنظيم دولي، أي لا بالإخوان المسلمين ولا بغيرهم، ليكون عملها ضمن الإطار الفلسطيني البحت. ووجود حماس تحت إطار الإخوان المسلمين سبَّب لحماس مشاكل كبيرة مع إخوة عرب مثل مصر، وحماس تدرك ذلك، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية فوق كل شيء. أيضاً حماس باتت تدرك أنَّه لا يمكن القيام بعمل نضالي ناجح بدون تَبَني قرارات الشرعية الدولية بدولة فلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس، وإلّا فإنَّ أقرب المقرّبين لن يتعاملوا مع حماس بل سيتغاضون عنها، لذا اتخاذ حماس لقرار مثل هذا سيقوِّي الموقف الفلسطيني ويدفع أكثر نحو تحقيق تطلُّعات الشعب الفلسطيني".
أمّا بالنسبة لإمكانية حدوث حرب قريبة على قطاع غزة فقال: "تارة تقول إسرائيل إنَّ الحرب على غزة على الأبواب، وتارة أخرى يصرِّح ليبرمان أنَّه إذا استُعيدَ الجنود المختطَفون سيتم التساهل مع قضية الميناء والمطار، وذلك في سياق تكريس الانقسام ليحاولوا دفع قطاع غزة بعيدًا عن فلسطين ككل، وهذا ما يجب على حماس إدراكه. فالنّضال حقٌّ وواجبٌ لكن علينا استخدام الوسيلة الأفضل للصالح الوطني والوقت المناسب لاستعمالها، فميزان القوى يميل للجانب الإسرائيلي، ورأينا كيف أوقعت الحرب الأخيرة على غزة خسائر أليمة على شعبنا، لذلك علينا دائمًا التوفيق بين العمل النضالي والعمل السياسي، وندعو الله أن يحرس أهل غزة من أيِّ مغامرة غير محسوبة، وعلينا التنبُّه إلى أنَّ الاحتلال يريد بين فترة وأخرى استخدام القوّة المفرطة للانتقام من الشعب الفلسطيني أو تذكيرنا بأنَّه هو المسيطر".

تطوير أدوات الضغط وترتيب البيت الفلسطيني
يشير المحلِّل السياسي جهاد حرب إلى أنَّ "حماس تدَّعي أنَّ إعراضها عن المشاركة في الانتخابات المحلية سبَبُه عدم أهليّة الوضع في الضفة، ولكن عليها الاعتراف بعدم أهلية الوضع في غزة أولاً. فحماس تحكم غزة بالقوة المجرَّدة ولا تتعاون مع أحد في شؤون غزة، وباعتقادي أنَّ الانتخابات الرئاسية والتشريعية أهم في هذه الحالة لتوحيد الإطار السياسي الوطني الذي يمثِّل كلَّ الفلسطينيين، ويمثّل وحدتهم وكلَّ تطلُّعاتهم، لذلك فإجراء الانتخابات في الضفة بمعزل عن غزة فيه محاذير يجب توخيها، وبرأيي تأجيل الانتخابات المحلية ليس بالأهمية مقارنةً بانتخابات تشريعية ورئاسية أكثر أهميّة".
ويرى حرب أنَّ دعم الإدارة الأمريكية لدولة الاحتلال يجب أن يُجابَه بحملات تأثير على الشعب الأمريكي والأحزاب كي يؤثِّروا على الإدارة السياسية لافتاً إلى أنَّ دعم الإدارة الأمريكية اللامتناهي للحكومة الإسرائيلية يمنح للاحتلال غطاءً لجرائمه في فلسطين المحتلّة وعلى رأسها النشاطات الاستيطانية التي تقوم بها حكومة الاحتلال والتي تسمح للمستوطنين بالمزيد من ابتلاع الأراضي الفلسطينية والسيطرة عليها. ويضيف: "كذلك تساهم الولايات المتحدة في حماية إسرائيل من أيِّ قرار من المجتمع الدولي ضدَّ جرائمها بحق الفلسطينيين. وكلَّما زاد الدعم الأمريكي لإسرائيل زادَ التطرُّف الإسرائيلي، ولذلك على السياسة الفلسطينية رفع قدراتها في مواجهة هذه التحديات، كما أنَّ إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من أهم التحديات التي على الفلسطينيين القيام بها لأنَّ ذلك يساعد على إعادة بناء النظام السياسي بعد إجراء الانتخابات العامّة وتطوير أدوات النضال ضدَّ الاحتلال الإسرائيلي من خلال المحاكم الدولية. أيضاً يجب استخدام الجاليات الفلسطينية في الخارج كوسيلة ضغط على أوروبا وأمريكا تجاه دعم القضية الفلسطينية واستثمار قدراتها، إضافةً إلى تطوير أدوات الضغط العربية والفلسطينية على أعضاء الكونجرس الأمريكي لإحداث تغيير في المواقف المتبنّاة من الحزبَين الجمهوري والديمقراطي، وتطوير الخطاب الإعلامي السياسي ليواكب المزاج الإعلامي الغربي ومخاطبتهم باللغة التي يفهمونها، وهذه الأمور بحاجة إلى خطة عمل وطنية تُبنَى بالشراكة وحل الخلاف الفلسطيني الداخلي".
وبسؤاله حول التغيير الذي قد يطال علاقة حماس مع المحيط في حال غيَّرت بعض توجهاتها السياسية أجاب حرب: "وفقًا لمصادر حركة حماس هناك وثيقة جديدة تُعبِّر عن رؤية حماس السياسية، وقد تكون كبرنامج سياسي ستحدِّد فيه الأهداف السياسية التي من المتوقَّع أن تتضمَّن موافقة حماس على إقامة دولة فلسطينية على أراضي الـ1967، وانفصال حماس عن حركة الإخوان المسلمين ممَّا سيطوِّر من آلية التواصل الداخلي بحيث تتوحَّد الأهداف مع فصائل "م.ت.ف" المختلفة، أيضًا تطوير علاقتها مع أطراف عربية تعتبر علاقتها متوترة معها.كما ستتضمَّن الوثيقة احترامًا لمواثيق الأمم المتحدة مما سيُنتِج خطاباً سياسيًا جديدًا لحركة حماس أكثر براغماتية من الخطاب السابق".
وعن توقعه لحرب قادمة على قطاع غزة قال: "مبدئياً الظروف غير مهيَّأة لا في المجتمع الإسرائيلي ولا في المنطقة بسبب ما يعيشه الإقليم، وعلينا ألّا ننسى أنَّنا أمام حكومة من المجانين المتطرّفين، وقد يقومون بحربٍ في أيّ وقت مع أنَّ الحرب من الناحية المنطقية مُستبعَدة".

استباق التقليصات المالية بتوفير البدائل
طرحَ تقليص المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية بنسبة تزيد عن 90% تساؤلاتٍ حول  كيفية تعاطي القيادة الفلسطينية مع هذه الأزمة. وفي هذا السياق قال المختص بالشؤون الاقتصادية د.هيثم دراغمة: "تأتي المساعدات الأمريكية لفلسطين على شكل مشاريع للبنية التحتية، وتدريب الكفاءات والكوادر، وتطوير وتدريب المؤسّسات الأمنية، وتدريب الموظَّفين الحكوميين، وتمويل المشاريع الصغيرة. وكفلسطينيين علينا الاكتفاء بما هو موجود لدينا، والبحث عن بدائل، وأنا أعلمُ أنَّ حكومة د.رامي الحمدالله ماضية في البحث عن حلول وأعتقد أنَّها ستصل لحلول مرضية".
وأضاف: "كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم السلطة الفلسطينية بـ500 مليون دولار سنويًّا أو أكثر أحياناً، ولكنَّها أخذت تُقلِّل من مساعداتها منذ إنشاء السلطة الفلسطينية لتصل إلى 35 مليون دولار فقط هذا العام، وذلك كعقاب للسلطة الفلسطينية الرافضة للسياسة التي تحاول الولايات المتحدة فرضها عليها، ولمحاولتها تحسين وضعها وأخذ امتيازات من قِبَل المؤسسات الدولية ودول أيضاً. فقد انضمَّت فلسطين إلى الأُمم المتحدة رغم أنف أمريكا، ما دفع الأخيرة لعقاب السلطة اقتصادياً لاعتقادها أنَّ انهيار السلطة أو بقاءها مرهونٌ بالخدمات المجتمعية التي تقدِّمها للمواطنين، وأنّها بقطعها المساعدات ستُضعِف السلطة وستُضعِف قراراتها ما قد يجعلها تعود إلى أمريكا مستسلمة وموافقة على النهج السياسي الأمريكي المطروح. ولكنَّ هذا الموضوع لم يعد يؤرق الفلسطينيين والحكومة الفلسطينية، لأنَّهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك، وباشروا البحث عن البدائل، والمتابع للأوضاع يرى أنَّ عدد البعثات الدبلوماسية الفلسطينية فاقَ الإسرائيلية، كما أنَّ هناك تطوُّراً في أداء الاقتصاد الفلسطيني، وإن لم يرقَ بعد للمطلوب، ولكنّ الاقتصاد الفلسطيني بدأ يعوِّض في جوانب مثل التقشُّف الذي قامت به الحكومة الفلسطينية على بعض الصُعُد، والتعديلات على القوانين والتي كانت تراكم نفقات زائدة على الحكومة، وهذا قد يخفِّف الفجوة التي ستحصل من قلّة المساعدات الأمريكية فيما بعد أو من دول تابعة لها. وقد بدأت السلطة بالتفكير بالاكتفاء ذاتيًا بنسبة معيّنة عبر تمويل المشاريع الصغيرة وإنشاء المدن الصناعية والبحث في الفساد الاقتصادي والمالي للحد من الخسائر. وبتصوري هذه العقوبات لن تطول، لأنَّ الولايات المتحدة تعلم أنَّ حلَّ الصراع في العالم بأسره يبدأ من القضية الفلسطينية، وقد استمعنا إلى أحاديث على لسان رئيس كيان الاحتلال والرئيس ترامب حيث قال ترامب إنَّ المشاكل ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا بدَّ أن تُحَل لكنّه لم يذكر الآلية لذلك، والكثيرون رأوا موقفه سلبيًّا، لكنَّني أراه إيجابيًّا لأنّه لم يذكر بين السّطور أيّاً من الآليات التي يجب أن نتّجه لها لإيجاد حلٍّ للفلسطينيين".
وتابع: "كفلسطينيين علينا التعامل مع وضعنا الاقتصادي الحرج بطريقة واضحة وذات حلول ناجحة لا على مبدأ ردات الفعل، بمعنى أنه يجب ألّا ننتظر قطع أمريكا المساعدات أو حجز الاحتلال لأموال الضرائب كي نتصرَّف، بل يجب أن نكون جاهزين، وأن تكون لدينا بدائل لئلا نخضع للابتزاز السياسي. ويجب أن نذهب إلى تعويض النقص المالي ليكون لدينا اقتصاد إلى حد ما مقبول. فنحن كفلسطينيين لا نسعى لنكون أثرياء ونكتفي بالقليل وما يسد الرمق حيث أن الكرامة عند الفلسطيني أهمُّ من أي شيء آخر، والفلسطينيون لن يساوموا في موضوع المال مقابل السيادة، ولنا تجربة حقيقية في ذلك أثناء استلام حكومة حماس العام 2006 إذ صبر الموظّفون لمدة عامين بدون رواتب، ولم يغادروا مكاتبهم ولم يتوجَّهوا للضغط على الحكومة في سبيل الحصول على الرواتب مقابل تقديم تنازلات تمسُّ مصالح الوطن وتفيد الاحتلال، لأنَّ الفلسطينيين حريصون على سيادتهم وكرامتهم، ولتذهب كل دول العالم لمقاطعتنا، فنحن لا نبيع الوطن مقابل مصالح اقتصادية، ومن هنا على الحكومة العمل على إيجاد حلٍّ للبطالة والاستثمار في العقول لنكون جاهزين لأيِّ قطع قادم للمساعدات".