خاص- مجلة القدس- العدد 334 شباط 2017
تحقيق: سمية الجرشي

حتى بعد رحيلهم قسراً عن أرضهم هرباً من جحيم النكبة، لم ينجُ شعبنا الفلسطيني اللاجئ في لبنان من مرارة المآسي والمعاناة. فقد كان قدرُ مجموعةٍ كبيرةٍ من اللاجئين الفلسطينيين أن يجدوا في منطقة الشبريحا في صور مكاناً أقاموا وأعادوا بناء حياتهم فيه رغم كلِّ الصعوبات، ليُفاجؤوا بعد مرور عقود من الزمن بإخطارات تبلِّغهم بإخلاء بيوتهم تمهيداً لإزالتها بهدف شقِّ طريقٍ يربط بين مدينتَي صيدا وصور.

تجمُّع الشبريحا
أُنشِئ تجمُّع الشبريحا للاجئين الفلسطينيين في العام 1952 شمال مدينة صور الساحلية في الجنوب اللبناني، وتعود ملكية أراضي التجمُّع لبلدية العباسية في منطقة صور. ويقطنُ التجمعَ نحو 5000 لاجئ فلسطيني غالبيتهم من مدينة صفد وقضائها ومن حطين والحولة وغيرها من بلدات شمال فلسطين، حسب ما أفاد به اللاجئ غسّان الهزاع.
 ويشير الهزاع إلى أنَّ أهالي التجمُّع يعتمدون في معيشتهم على الزراعة وتربية المواشي، ويضيف: "توجد في تجمُّع الشبريحا نسبةٌ كبيرةٌ من خرِّيجي الجامعات، ولكنَّهم عاطلون من العمل بحكم عدم توظيف الفلسطيني".
هذا وقد عانى تجمُّع الشبريحا منذ نشأته وحتى اليوم من الحرمان الخدماتي والإنمائي بسبب تهرُّب الدولة اللبنانية من واجباتها تجاهه من ناحية، وتهرُّب الأونروا من الجهة الثانية بحجّة أنَّه ليس مخيماً ولا تشمله خدماتها الأساسية.
إلّا أنَّ المشكلة الأخطر التي يواجهها أهالي التجمُّع اليوم هي تهديد استقرارهم بإزالة أكثر من خمسين منزلاً بسبب مشروع أوتوستراد الجنوب الممتد من أول الشبريحا حتى آخر ظهور بلدة العزية، إذ يقول اللاجئ حسين الحسن "أبو محمود"، وهو أحد أصحاب المنازل المهدَّدة بالإزالة، "تمَّ تبليغ أصحاب المنازل، وعُرَضَت علينا تعويضات، ولكنَّها لا تكفي لشراء منازل بديلة بالإضافة إلى أنَّ هذه التعويضات، وإن كانت كافية، لا تفيدنا بشيء، أولاً لأنَّ القانون اللبناني يمنع الفلسطيني من التملُّك في لبنان، وأيضاً لأنَّ اللاجئين الفلسطينيين في تجمُّع الشبريحا يعيشون على تربية المواشي من الغنم والبقر والدجاج، وهذا يتطلّب العيش في منطقة تكون بعيدة عن المنازل المأهولة بالسكان، لذلك يجب أن يتم التوصُّل إلى حلٍّ إنساني تجري دراسته من كل الجوانب بحيث لا يبقى صاحب منزل متضرِّر بدون مأوى. لذا طالبنا ببدائل وهي بناء منزل مقابل كلِّ منزل يتم هدمه، بشرط أن تتوفَّر فيه المياه والكهرباء والصرف الصحي والبنية التحتية".
ويتابع الحسن: "تبيَّن لنا أنَّ هناك مؤامرة سياسية لإخراج أصحاب المنازل من منازلهم بدون أي مقابل، ولكنّنا نقولها بأعلى صوتنا كبيرنا مع صغيرنا إننا نعي ما يُحاك ضدَّنا ونعلم أين مصلحتنا، ومصلحتنا في بناء منزل مقابل منزل. لن نساوم على نسبة تعويض كبيرة أو صغيرة أو على وظائف، نحن مع مشاريع الدولة الإصلاحية ولكنّنا متمسّكون بمطالبنا، وما عُرِضَ من تعويضات للأهالي لا يتماشى مطلقاً مع حجم الاحتياجات".
وأشار اللاجئ "أبو الرائد السكران"، وهو أيضاً أحد أصحاب المنازل المهدّدة بالإزالة، إلى أنَّ "نحو 40 منزلاً فلسطينياً و20 منزلاً لبنانياً معرضين للإزالة بسبب الأوتوستراد، وهذه العائلات اللبنانية متضامنة معنا وتقف إلى جانبنا وتؤكِّد لنا أنَّه لا يمكن القبول بأية حلول على حسابنا مهما كانت".
وأضاف: "نريد أن نلفت نظر المعنيين بالأمر إلى أنَّنا لسنا ضدَّ أي مشروع إنمائي تُنفِّذه الدولة اللبنانية، ولكن من الضروري على الدولة اللبنانية أن تُنصِف أصحاب المنازل المهدَّدة بالإزالة أياً كانوا لبنانيين أم فلسطينيين، فالتعويضات لا تكفي لبناء منزل آخر، وبالتالي سيكون مصير هذه العائلات هو التشرُّد واللجوء من جديد".
من جهته، يرى الهزاع أنَّ التعويضات ليست مُنصِفة، ويوضح ذلك قائلاً: "التعويضات للمنزل اللبناني تبدأ من 60 وتصل حتى 120 مليون ليرة لبنانية، أمَّا التعويض للعائلة الفلسطينية فيتراوح ما بين 8 و50 مليون ليرة لبنانية، وهذه التعويضات بالتأكيد مرفوضة جملة وتفصيلاً".
دور الفصائل الفلسطينية والأونروا
لمعالجة هذه الأزمة اتَّصل أهالي التجمُّع بمختلف القوى والفعاليات اللبنانية والفصائل الفلسطينية، وفيما يتعلَّق بهذا الموضوع عقّب حسين الحسن بالقول: "أجرينا اتصالاتٍ مع الأطراف اللبنانية المعنية بقضيتنا ثُمَّ شكَّلنا وفداً من خمسة أشخاص، وتوجَّه هذا الوفد لزيارة النائب العام، وتمَّ وضعه في صورة الموضوع، كما أجرينا اتصالات مع سعادة سفير دولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية أشرف دبور، ووضعناه بالصورة الكاملة لما حدث، ونحن نشكر جهوده".
وعن دور الفصائل الفلسطينية والأونروا يقول الحسن: "تلقّينا اتصالات من مختلف الفصائل التي توحَّدت حول قضيتنا وتحاول المساعدة في معالجتها. ونحن نناشد قيادتنا الفلسطينية وعلى رأسها السيد الرئيس محمود عبّاس الأمين المؤتمن على مصالح شعبه في الداخل والشتات وخاصةً في لبنان الاهتمام شخصياً بالموضوع لخطورته. أمَّا وكالة الأونروا فغائبة كليًّا عن هذه القضية، ولا توجد بينها وبين التجمُّع أيّة اتصالات، فالأونروا لا تُقدِّم خدماتها للتجمُّع منذ نشأته كغيره من التجمُّعات بحجة أنَّها مسؤولة فقط عن المخيَّمات، مما يزيد من هموم اللاجئين في التجمُّع، الذين باتوا منذ العام 2005 يعيشون في قلق دائم وعدم استقرار خوفاً على مصيرهم المجهول".
ويضيف متحدِّثاً عن تداعيات إزالة البيوت: "إنَّ ترحيل اللاجئين سيؤدي إلى عدم الاستقرار والتوتر الذي سيشمل الوجود الفلسطيني كله في التجمُّعات والمخيَّمات الفلسطينية في لبنان، والمزيد من التهجير وتفتُّت العائلات يعني تضاعف المعاناة الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية خصوصاً في ظل منع اللاجئ الفلسطيني من حق التملُّك ومزاولة المهن الممنوعة عليه في القانون اللبناني خارج المخيَّم من جهة، والازدحام السكاني المتزايد في المخيَّمات والتجمُّعات، وما يترتَّب عليه من تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية من جهة أخرى. وهنا نتساءل إلى أين وإلى متى ستستمر معاناة اللاجئ الفلسطيني؟".
من جهته، يوضح عضو قيادة حركة "فتح" في منطقة صور وأمين سر اللجان الشعبية في المنطقة الدكتور خليل نصّار أنَّ "اللجان الشعبية، والقيادة السياسية الفلسطينية، وسفارة دولة فلسطين في لبنان تتابع موضوع تجمع الشبريحا، حيثُ أنَّ هناك نحو 67 منزلاً مهدَّدة بالإزالة بسبب عزم البلدية على شق أوتوستراد يمر عبر التجمع، وقد أجرينا اتصالات مع الإخوة في حركة أمل، وحزب الله، ومكتب رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري للبحث والوصول لحل  عادل، وهناك تفهُّم من قِبَل الإخوة اللبنانيين".
وبسؤاله عن الحلول المطروحة ورأي الأهالي والجهات الأخرى بها قال د.نصّار: "بالنسبة للحلول المطروحة فلا يوجد توافق بين الأهالي، إذ إنَّ البعض يطرح مبدأ مفتاح مقابل مفتاح، ولكن هذا الحل غير ممكن، ونحن نريد حلّاً يحفظ حقوق ووضع الناس الاجتماعي، وهناك طرح بتشكيل لجنة من المتضرّرين، ومتابعة الموضوع مع القاضي المكلَّف باستلام الملف بناءً على رغبات المتضرِّرين، وكذلك إجراء إعادة تقييم جديدة للمنازل".