السيد الرئيس أبو مازن حلَّ ضيفاً عزيزاً على لبنان الرسمي والسياسي والشعبي. فُتحت له الابواب لأنه من اصحاب البيت. جاء الرئيس محمود عباس ليستعيد الماضي التليد، وليقرأ مع اهل لبنان الحاضرَ المثقلَ بالتعقيد، وليرسم مع قيادته آفاقَ المستقبل الجديد.

ولأن لبنان وفلسطين صنوان لا يفترقان، وشريكان لا ينفصلان، جمعتهما الاحزان والافراح، المآسي والانتصارات، الصمود والمقاومة، نزيف الدماء ومقابر الشهداء، من اجل ذلك كله لبَّى الرئيس ابو مازن دعوة فخامة الرئيس ميشال عون الذي يمثِّل اليوم لبنان بكل طوائفه ومذاهبه وقواه الوطنية، وتطلعاته القومية.

منذ البدايات، بدايات الكفاح الوطني الفلسطيني شَّكل لبنانُ الصغير في مساحته، العظيم في مواقفه، وأصالتِه القومية ذلك الحضنَ الدافئ لفلسطين وشعبها وثورتها، وكان لبنان أولَ من فتح جنوبه امام الثوار والاحرار، ليدخل مبكراً بوابة الصراع ضد الاحتلال الاسرائيلي.

دخل لبنانُ حلبةَ الصراع وبفعالية ملفتة ليواجه جيشاً متفوقاً عسكرياً.. عدةً وعتاداً، ويمتلك الطائرات والقنابل النووية والذرية، بينما لبنان يمتلكُ الارادةَ القوية، والعقيدة الراسخة، والايمانَ المطلق، والثقةَ بالنفس. من أجل ذلك كان للبنان واهله وجيشه دَيْنٌ علينا كبير، وتاريخٌ مشرقٌ كتبناه معاً بدماءِ ابنائنا، وجثامين شهدائنا، ومعاناة اسرانا، وتشرُّد اهلنا.

وعندما تشتد المؤامرةُ على الشعب والقضية، وعندما يزداد الاحتلال الغاصبُ عنفاً وعنصرية، وإمعاناً في القتل والاعدام، وفي التدمير والاستيطان، وعندما تصبح دولةٌ عظمى بل أَعظم دولة في خدمة الاهداف الصهيونية على حساب الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه، وعندما يصبح رأسُ المشروع الوطني مطلوباً قطعُه لتصفية منظمة التحرير الفلسطينية، لا يملك سيادة الرئيس ابو مازن إلاَّ أن يأتي إلى لبنان غارفاً من معين محبته ووفائه، مطمئناً إلى رجالاته، متشاوراً مع الذين يقودون دولةً تعيش بين الألغام، ولكن بحكمة هذه القيادات المجرِّبة والحريصة، يتم تفكيكُ الألغام والأفخاخ، وينطلق لبنانُ متوزاناً، يتخطى الازمات والتعقيدات. فلبنان يصنع تاريخه المشرِّف رغم كل التحديات، رافضاً الركوعَ والاستسلام، تماماً كما تصنع القيادةُ الفلسطينية مستقبلها تحت الاحتلال البغيض، وبين جثث الشهداء، وركام البيوت المدمَّرة، وأكوام المستوطنات.

الرئيس أبو مازن يزور لبنان وهو مشدود إلى هذه الساحة الرديفة، التي تضم حوالي ثلاثماية الف فلسطيني، شكَّلوا ويشكلون الثقل في النضال الفلسطيني سابقاً ولاحقاً ومستقبلاً، فمخيمات لبنان لها تاريخ من التضحيات، وهي تعيش تطورات الداخل الفلسطيني في كل فلسطين التاريخية لحظةً بلحظة، فالرئيس يراهن على اللاجئين الفلسطينيين الذين ينتظرون العودة على أحرِّ من الجمر، ويرفضون التوطين، وهم الذين يتمسكون بالثوابت الوطنية، ويرفضون المساومة على حقوقهم.

من أجل ذلك جاء الرئيس أبو مازن إلى لبنان وبالُه مشغول على أوضاع المخيمات، وما تتعرض له من محاولات تخريبية من قبل البعض الذي يسعى دائماً إلى إشعال الفتنة وضرب الاستقرار.  هو حريص على امن الشعب الفلسطيني كما هو حريص على السلم الاهلي اللبناني.  وهو عندما يدعو الجميع إلى تحمُّل مسؤولياتهم من القيادات اللبنانية والفلسطينية  إنما ينطلق من منطلق الثقة المتبادلة مع الدولة اللبنانية، ومن منطلق أنَّ الهمَّ واحد، والعدوَّ واحد، والمصيرَ واحد.

إنَّ لبنان على صغر حجمه الجغرافي والسكاني لكنه بتاريخه، ووعيه، وتضحياته، وارادته قادر على أن يؤدي دوراً مؤثراً في تجسيد البعد القومي والدولي للقضية الفلسطينية.

إنَّ زيارة الرئيس ابو مازن الى لبنان بتفاعلاتها السياسية، والاعلامية والشعبية، والحزبية شكَّلت محطةً قوميةً للقضية الفلسطينية، كما اكتسبت هذه القضية المركزية من خلال هذه الزيارة الصلابة، والمنعة، والحصانة، والقدرة على الاستمرار بخطىً ثابتة.

ويبقى أن نقول بأن حجم وعدد الشخصيات اللبنانية التي قابلها الرئيس أبو مازن من مختلف القيادات والرؤساء السابقين، والزعامات السياسية لهو دليل حيوي على اهتمام اللبنانيين وحرصهم على القضية الفلسطينية، ودعمهم لمسيرة سيادة الرئيس أبو مازن في خوض معركته ضد الاحتلال على كافة جبهات الصراع ضد هذا الكيان الصهيوني والعنصري.

إنَّ الذين عشقوا فلسطين وأحبوها كانت تملأ قلوبَهم الفرحةُ والسعادة وهم يرون لبنان الشقيق يحتضن مَن يحمل راية فلسطين مكافحاً من أجل الحرية والاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين استناداً إلى القرار 194.

 

الحاج رفعت شناعة 25/2/2017