لطالما عودتنا الولايات المتحدة الأميركية بقيادة إدارات جمهورية وديمقراطية عديدة على انحياز مبالغ فيه لصالح إسرائيل في فترات طويلة من تاريخ القضية الفلسطينية، خاصة في الفترات التي كانت تسيطر فيها فكرة الانكفاء على السياسات الأميركية في العالم، وفي كل الأحوال فإن ذلك الانكفاء الذي يصاحبه ارتفاع في أعداد الشهداء، ويصاحبه انحياز أعمى غير مسؤول لإسرائيل، وللأساطير والخرافات والمطالب غير المعقولة للحركة الصهيونية، إلى أن حدثت قفزة نوعية في الدور الأميركي بخصوص القضية الفلسطينية من خلال الدعوة لمؤتمر مدريد في العام 1990م، ومن ثم احتكار أميركا لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية بعد توقيع اتفاق اعلان المبادئ (أوسلو) في حديقة البيت الأبيض عام 1993م واستمرت إلى أن صدر قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي يدين الاستيطان بشكل واضح ويطالب بوقفه نهائيا لان هذا الاستيطان يقوض حل الدولتين.

وعليه فإن انسحاب إدارة ترامب من حل الدولتين هو انسحاب أميركا ترامب من إجماع دولي، وانسحاب من احد أهم ثوابت السياسة الأميركية وانسحاب من دورها في أقدم وأصعب قضايا المنطقة والعالم، وهو انكفاء خطير على الذات والتنازل عن دورها بالمجان لإسرائيل.

فلسطينيا، هذا يخلق صعوبة جديدة، ويترك لإسرائيل الحبل على الغارب ولكنه ليس مفاجئا، فمنذ نشأت القضية الفلسطينية قبل أكثر من سبعين عاما، لم تكن أميركا مشاركا إيجابيا بل كانت تعطي صوتها لإسرائيل، وعدد المرات التي استخدمت فيها اميركا حق النقض "الفيتو" ضد الحقوق الفلسطينية وضد مشاريع القرارات المؤيدة لهذه الحقوق كان يضعها دائما في قائمة الخصوم وليس في قائمة الأصدقاء ولا حتى المحايدين، ومع ذلك فإن القضية الفلسطينية عاشت تطورات وحصلت على تأييد كبير، وهذا الانكفاء غير المسؤول بإدارة ترامب لن يوقف تطور هذه القضية، ولن يوقف إقامة الدولة المستقلة التي نريدها ان تكون شريكا قويا في سلام العالم.