تحقيق: مصطفى ابو حرب

خاص مجلة "القدس" الاصدار السنوي 333 كانون ثانٍ 2017

 

تختصرُ نكبةُ مخيّم نهر البارد مسلسلَ المؤامرة والمعاناة والتقاعس المستمر بحقّ شعبنا الفلسطيني منذ أكثر من 68 عاماً. فبعد مضي عشر سنوات على تدمير هذا المخيّم، لم تتجاوز عملية إعادة إعماره نصف الطريق، فيما لا يزال الآلاف من أبنائه يعيشون ظروفاً إنسانيةً مأساويةً، ويتطلّعون إلى اليوم الذي يعودون فيه إلى مخيّمهم، محطّتهم المؤقّتة قبل العودة للوطن.

 

معناة الأهالي تتفاقم والإعمار لم يُستكمَل

يعيش عوض محمود عبدالله، ربُّ الأسرة المؤلّفة من 10 أفراد، مع أسرته في كراج في نهر البارد في وضعٍ مزرٍ "لا يعلم به إلّا الله"، كما يقول، وحين تسأله عن حاله يجيب: "كيف لأُسرة تعيش في كراج أن يكون حالها؟! في أوقات كثيرة نعجز عن توفير إيجار الكراج لكن الحمدلله صاحبه يصبر علينا، وأحياناً يصيبنا المرض بسبب البرد ولا يمكننا تحمّل تكلفة العلاج والدواء، لا سيما أن ابنتي تعاني من التلاسيميا، وزوجتي أيضاً تعاني من آلام في رجلها ورأسها ومصابة بكهرباء الدماغ، وأنا بدوري مصابٌ بالسكري والضغط وأمراض أخرى واحتاج دواءً دائماً".

ويضيف: "كنا نعيش مستورين في بيوتنا حتى وقعت الحرب على نهر البارد، ولم يكن لنا كفلسطينيين أي دخل بها، ولكنَّنا نحن مَن وقع تحت المعاناة بعد تآمر العالم علينا، وها نحن ننتظر فرجاً قريباً من الله بعد أن ضاقت بنا السُّبل. لقد كان منزلي مؤلّفاً من أربع طبقات جاهزة، وكنت قد عقدت خطبة ولدَي إياد ومحمود، ولكن البيت والأثاث والذهب والمال كله ضاع خلال الأحداث في المخيّم".

وعن معاناته الصحية يقول: "توجّهتُ لعيادة الأونروا لتلقي العلاج، ولكنّهم في العيادة أخبروني أنَّ النظام الإلكتروني صنّفني كشخص ليس بحاجة للعلاج أو المساعدة، رغم أني أحضرت تقريراً من المستشفى، ولدى حاجة زوجتي لدخول المستشفى لم يوافق المستشفى على إدخالها قبل أن ندفع مبلغ 600 ألف ل.ل، وقد ساعدتني حركة "فتح" بمبلغ 200 ألف ل.ل، كذلك ابنتي مريضة، وقد تورّمت قدماها، وأبحث عن أي مؤسسة تقدّم لي المساعدة، فقد قدّمت لي إحدى المؤسسات مبلغ 1,200,000 ل.ل، وهو المبلغ نفسه الذي تقاضاه مني المستشفى، ولا نقول إلا الحمدلله".

ويتابع: "أُبلِغنا مؤخراً أنّ الأونروا ستسلِّم البيوت بدون شيكات بدل أثاث، ولا أعتقد أن الناس سترضى بذلك، وسيتحركون ضدهم، لقد انتظرنا كثيراً، ولم نكن نتصوّر أن تمضي عشر سنوات بدون أن نعود إلى بيتنا".

وبدوره يسكن الشيخ أمين شحادة الشاعر، البالغ من العمر 80 عاماً، مع ابنتيه اللّتين يعيلهما في كراج بجوار المخيّم ينقسم إلى بيت للسكن ودكان صغير يعتاش منه، وعن معاناتهم اليوميّة تقول ابنته: "وكالة الأونروا لا تقدَّم لنا شيئاً، فحتى دواء السعال بتنا نشتريه على نفقتنا، أمّا عيادة الأونروا فلا تعطينا سوى مُسكِّن "البنادول" في كل مرة، علماً أنَّ والدي يحتاج دواءً بشكل دائم ثمنه 200 ألف ل.ل نشتريه على نفقتنا، ولا أحد يمدُّ لنا يد العون، ووالدي يعاني من الزهايمر أيضاً، ويحتاج لمراجعة، وكل مرة آخذه للعلاج أدفع أيضاً ثمن الكشفية والدواء، فمن أين لنا أن نؤمّن كل هذه المصاريف والأونروا لا توفِّر لنا الطبابة ولا بدلات الإيجار؟! بصراحة ليس لنا من معين سوى رب العالمين".

ولا تختلف أوجه المعاناة في البركسات، حيثُ يسكن عبدالله الجعوني "أبو منذر"، وذلك بعد خروجه من مخيّم نهر البارد وسكنه بالإيجار لنحو ثلاث سنوات. غير أنَّ الأمل لم يغادر نفسه، إذ يقول: "عشنا مأساة طويلة عرفنا خلالها تشتُّت الأهل والأبناء والهجرة والإقامة في المدارس حين لم يكن لنا مأوى، واليوم يقولون أنَّ الرزمة الخامسة قد تُسلَّم في شهر آذار، ولكن بدون بدلات أثاث، وأنا بصراحة لن أستلم البيت قبل أن يؤمّنوا لنا بدل الأثاث، وقد شكّلنا لجاناً وسيكون هناك تحرك ضد الأونروا لكي نتسلّم بدل أثاث أسوةً بغيرنا في الرزم الأربعة الأولى، أفلا يكفي أنَّ الأونروا أوقفت الإيجارات منذُ نحو سنتين، ومنذُ ذلك الوقت ونحن ندفع إيجارات البيوت من جيوبنا، حتى بات جميعنا مديوناً بإيجار 3 و4 أشهر متراكمة؟!".

 

الأونروا تتحمّل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع

يرى مسؤول حركة "فتح" في اللجنة العُليا لمتابعة ملف إعادة إعمار مخيّم نهر البارد عاطف عبدالعال أنَّ ما حلَّ بمخيّم نهر البارد لهو فصلٌ آخر من فصول النكبات التي عرفها شعبنا الفلسطيني عبر مسيرته الطويلة التي حافظ خلالها على عزيمة لا تلين في وجه كافة المحاولات الهادفة لتشتيت وجوده والقضاء على قضيّته وحقّه بالعودة.

ولا يخفي عبدالعال أن بطء عملية إعمار المخيّم لم ينجم عن ظروف أو أمرٍ عرضي، وإنّما كان نتاج حالةٍ من المماطلة والهدر والفساد وسوء إدارة الأموال من قِبَل الأونروا، حيثُ يقول: "لم تتجاوز عملية الإعمار حتى اليوم نصف الطريق، وأصحاب المباني المهدّمة لم يعوَّض عليهم، والمخيّم الجديد لم يعوّض على أهله نهائياً، وفوق ذلك أُوقِفَ برنامج الطوارئ وبدلات الإيجار للعائلات التي لم يتم إعمار منازلها بعد، ثُمَّ طالعتنا الأونروا بنيّتها عدم تسليم بدلات الأثاث لمن سيتسلّمون بيوتهم قريباً!".

ويضيف: "بشأن كل ما سبق تتذرّع الأونروا بعدم وجود الأموال الكافية، فهي تقول أنّه ليس بمقدورها دفع بدلات للأثاث بسبب نقص التمويل من الدول المانحة لإعمار المخيّم القديم، وأنه في حال توفّر التمويل الكافي ستدفع بدلات الأثاث، بل إنّها حتى اقترحت أن تعمّر (على العظم) كل المخيّم، وحاولَت اقتراح حلول ترقيعية في محاولةٍ منها لإنهاء الملف بأسرع وقت ممكن، وذلك لإخفاء السبب الحقيقي وراء عدم تقدُّم عملية الإعمار رغم وصول دفعات من الأموال، ألّا وهو الفوضى والنهب والهدر من المبالغ التي كانت تصلها، ولكنّنا كلجنة عليا لمتابعة الملف رفضنا إغلاق الملف إلّا وفق ما أُقرَّ في مؤتمر فيينا، وهو الإعمار الكامل ودفع بدلات الأثاث للجميع، والتعويض على أهالي المخيّم الجديد. ومن هنا فإنّني أحمّل الأونروا كامل المسؤولية عن التأخير في إعمار مخيّم نهر البارد بسبب السرقة والهدر اللذين شابا عملية إدارتها لكيفية صرف الأموال وتنفيذ المشاريع".

وحول المرحلة التي وصلت إليها عملية إعادة الإعمار وما رُصِد لذلك من هبات جديدة يقول عبدالعال: "أُعيد إعمار أربع رزم من أصل ثمانٍ في المخيّم القديم، وحالياً بدأ إعمار الرزمة الخامسة وتحديداً في الـ(Block A)، وذلك بعد تعهّد ألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي منذُ شهرين بتقديم مبلغ قيمته نحو 36 مليون دولار، وقد وصلت المساهمة الألمانية ونحن ننتظر استكمال بقية المبلغ لاستكمال ما تبقى من الرزم في المخيّم القديم، مع الإشارة إلى أنَّ هذا المبلغ بكامله لا يكفي لإعمار جميع الرزم، بل سنحتاج إلى 80 مليون دولار إضافية بحسب إحصائيات الأونروا، أما التعهُّد المرصود فقد يغطّي الرزمتَين الخامسة والسادسة، ونأمل عقد اجتماع قريب للدول المانحة ليتم حشد مبالغ إضافية".

ويضيف: "بعض الدول تقدّم هبات لكنّها تكون هبات مشروطة، بمعنى أنَّ الدولة المانحة هي التي تحدِّد آلية وكيفية صرفها، فالهبة الإيطالية رُصِدت للمخيّم الجديد، وقد صُرِفَت وفقاً للخريطة الموضوعة للمخيم الجديد، ولكن المبلغ نفد قبل التعويض على الجميع لأنّها هبة محدودة وليست هبة مفتوحة. أمّا بالنسبة لما يُسمّى بـ(الهبة الكويتية) فهي في الواقع هبة من الصندوق العربي الذي يقع مركزه في الكويت، وهي تُقدّر بـ10 مليون دولار، وقد أبلغونا بالموافقة على صرفها منذُ  شهرين، ولكنّ الدول المموِّلة اشترطت، في رسالة أرسلتها للجنتنا، رصدَ المبلغ للمباني المهدّمة كلياً وعقار (39) واستكمال الترميم في بعض الرزم في المخيّم الجديد، وفي حال لم ينفد المبلغ سنستغل ما تبقى لتعويضات البناء في المخيّم الجديد. وقد تشكَّلت لجنة من الأونروا ولجنة متابعة ملف الإعمار والصندوق المموّل لوضع آلية للتنفيذ على الأرض، ونحن كلجنة متابعة الملف رفعنا رسالة رسمية للّجنة المشكّلة حول ما نراه مناسباً لصرف المبلغ لأنَّ جزءاً من المباني المهدّمة كليًا أُعيد إعماره فيما بقي جزءٌ آخر بلا إعمار، وهناك جزء لم يشمله المسح في المخيم الجديد، لذا طلبنا إعادة المسح قبل صرف المبلغ الذي سيُصرف على إعادة الإعمار ودفع تعويضات، وقد عُقد اجتماع في السراي بين مسؤول اللجنة العليا لمتابعة ملف إعادة إعمار مخيّم نهر البارد مروان عبدالعال وأمين سر فصائل "م.ت.ف" في لبنان فتحي أبو العردات ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني برئاسة الوزير السابق د.حسن منيمنة لتحديد آلية البدء بتنفيذ عملية صرف المبلغ. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أننا كلجنة شركاء في القرار السياسي والترتيبات وإبداء الرأي ولكن الممولين هم من يضعون الشروط ويحدِّدون كيفية وآلية صرف المبالغ التي يتعهّدون بها، وكذلك الأمر بالنسبة لتنفيذ المشاريع، فالتنفيذ أو تلزيم المشاريع للمتعهدين والشركات مسؤولية الأونروا، كون الدول المانحة تتعاطى معها مباشرة باعتبارها مؤسسة دولية، وبالتالي فما حصل من أخطاء في مشروع البنية التحتية تتحمّله الأونروا لأنها تصرّفت بطريقة غير سليمة وأهدرت الهبة اليونانية المرصودة للبُنى التحتيّة بالرواتب والصفقات فجاء التنفيذ رديئاً جداً، أمّا نحن فموجودون كلجنة سياسية لمتابعة الملف ومجريات التنفيذ وإبداء الملاحظات، ولكن المال والتنفيذ والتخطيط من صلاحيات الأونروا".

ويتابع: "للأسف ففوق معاناة الأهالي الذين فقدوا بيوتهم وممتلكاتهم، أوقفت الأونروا بدلات الإيجار عمَّن لم يتم إعمار بيوتهم بعد منذ نحو سنة، وأوقفت برنامج الصحة الطارئ أيضاً، لغياب التمويل كما تدّعي، ونحن نطالب الأونروا بإعادة وضع نهر البارد ضمن حالة استثنائية وألّا يتم التعاطي معه بجملة التقليصات للخدمات عموماً والنزوح السوري، لأنّه حالة طارئة، وأن تلتزم بما تعّهدت به لجهة بدلات الإيجار والطبابة لحين انتهاء الإعمار وعودة الناس لبيوتهم، خاصةً أنَّ هناك عائلات تقيم في البركسات وتعاني في الشتاء من البرد القارس ولا توجد أيّة مساعدات تُخصَّص لها من الاونروا، ونحن كلجنة نتابع مراحل الإعمار وقضايا أبناء شعبنا بشكل يومي مع الأونروا، ومع الحكومة اللبنانية ضمن لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، ومع الدول المانحة، ومع سفارة دولة فلسطين في لبنان وسعادة السفير الذي يتابع مركزياً كل القضايا عبر التنسيق والاتصالات مع الجهات المعنية من سفارات وحكومة لبنانية وأونروا، لإنهاء الأزمة بأسرع وقت".

وكان عضو قيادة حركة"فتح" إقليم لبنان عاطف عبدالعال قد سلّم مؤخراً رسالةً باليد لسيادة رئيس دولة فلسطين محمود عبّاس سلطّت الضوء على واقع معاناة أهالي نهر البارد، وأبرز مطالبهم واحتياجاتهم وما آلت إليه عمليّة الإعمار، وحول ذلك يقول: "ثقتنا بالسيد الرئيس محمود عبّاس كبيرة، فهو يحمل الهمَّ الفلسطيني، ولَه إنجازات على الساحة الفلسطينية في لبنان، لذا فخلال مشاركتي في المؤتمر العام السابع لحركة "فتح"، سّلمته رسالةً تعرض ما حلَّ بمخيّم نهر البارد في العام 2007، وما آلت إليه عملية إعادة الإعمار وما يشوبها من بطء، والظروف المعيشية والصحية والاقتصادية الصعبة التي يعانيها الأهالي وخاصةً العائلات التي لم يتم إعمار بيوتها بعد، والتي تعيش في بركسات تفتقر إلى أدنى مقومات العيش الكريم، أو في منازل بالإيجار يعجزون عن تأمين إيجاراتها بفعل إلغاء الأونروا برنامج الطوارئ. وطالبنا سيادته بالتحرك الفوري للضغط على الشركاء في عملية الإعمار وهما الأونروا والدولة اللبنانية، والضغط على الأونروا لإعادة برنامج الطوارئ الذي يشمل الإعمار والغذاء والطبابة والاستشفاء بنسبة 100%، وعلى الدول المانحة للإيفاء بالتزاماتها المطلوبة منها كاملةً لإعمار ما تبقّى من المخيّم ودفع بدلات الأثاث حسب قرارات مؤتمر فيينا، والتعويض عن المخيّم الجديد والتي وعدت بها الحكومة اللبنانية العام 2008 آنذاك، وطلبنا إليه شخصياً بناء مستشفى مركزي في نهر البارد نظراً للحاجة الملحة له بوجود 40 ألف نسمة في المخيّم بلا مستشفى مركزي، وقد أبدى الرئيس تجاوباً واهتماماً كبيراً بالرسالة، وقال إنّه سيتابع شخصياً موضوع استكمال الإعمار مع الدول المانحة والمعنيين مركزيًّا حسب الأُطر وموضوع المستشفى مع المعنيين والأطباء وسفارة دولة فلسطين في لبنان لاتخاذ الإجراءات اللازمة".

ووجّه عبد العال الشكر لسيادة الرئيس وللقيادة الفلسطينية على ما قدّموه لنهر البارد، وللحكومة اللبنانية لالتزامها ومناشدتها الدول المانحة لاستكمال عملية إعادة الإعمار منوّهاً لإيراد ذكر موضوع نهر البارد أيضاً في البيان الوزاري للحكومة الجديدة، وآملاً أن يكون موضوع نهر البارد على سُلَّم أولويات الحكومة الجديدة، ولإعادة ملعب الشهداء الخمسة آملاً أن يتم تأهيله قريباً. ونوّه لوجود تنسيق كاملٍ بين القيادة السياسية والأمنية للمخيم والقوى الأمنية والمخابرات في منطقة الشمال.كما ثمّن تجاوب لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني بما يتعلّق بقضايا المخيّمات وخاصةً نهر البارد وتواصلها مع الدول المانحة. وختم كلامه قائلا: "نُحمِّل المسؤولية الإنسانية والأخلاقية للأونروا لتركها 2500 عائلة بدون إيجارات منذ سنة، ونؤكّد التزام القيادة الفلسطينية والحكومة اللبنانية بالضغط على الدول المانحة وعلى الأونروا كونها المسؤول الأول عن الإعمار لبذل جهد لرفع المعاناة عن أهلنا في نهر البارد لأنَّ الأزمة طالت، ونشدِّد على أنَّ موضوع نهر البارد سيبقى على جدول أعمالنا في كل لقاءاتنا حتى يُستكمَل الإعمار، ونحن جاهزون للتحرك السلمي المفتوح على كل المستويات لحين تحقيق المطالب، وسيبقى الصوت عالياً جدًا لحين الالتزام بكل التعهدات والقرارات الدولية التي أُقرَّت في فيينا، ولكنّنا في الوقت ذاته متفائلون لوجود اهتمام من سيادة الرئيس بما يتعلّق بنهر البارد، ونؤكِّد أنَّ الملف لم يُجمَّد بما أنّ الدفعات ما زالت تصل، ولكنّنا نطالب الدول المتعهّدة، وخاصةً الدول العربية، بالمسارعة في دفع ما عليها من التزامات لاستكمال الإعمار".

 

شعبنا متمسِّكٌ بالمخيّم ولن يغادره إلا متوجّهًا للوطن

يؤكّد أمين سر اللجنة الشعبية الفلسطينية في مخيّم نهر البارد فرحان عبده "أبو فراس" أنَّ أهالي المخيّم منذُ وقوع الأحداث الأليمة كانوا ومازالوا متمسّكين بالصبر والصمود من أجل بقائهم في مخيَّمهم الذي لم ولن يغادروه إلا باتجاه فلسطين، ويضيف: "نحن متسلّحون بالصبر، ونعمل مع جميع المؤسسات و"م.ت.ف" ومع الحكومة اللبنانية والأونروا لاستكمال إعمار المخيم، وتمكين الجميع من العودة إلى منازلهم المعاد إعمارها وفقاً للمواصفات التي اعتُمِدَت في مؤتمر فيينا. ولكن في الحقيقة تأخُّر عملية إعادة الإعمار ينغّص حياة الكثير من أبناء شعبنا، فبعد مرور 10 سنوات على الأزمة لم تتجاوز نسبة الإعمار 50%، ولكننا كمسؤولين متفائلون لوجود هبة سخية هذا العام لعملية الإعمار، كذلك يوجد في صندوق الأونروا نحو 36 مليون دولار بالإضافة إلى ما قدَّمه الصندوق الألماني للتنمية بقيمة 15 مليون دولار لاستكمال إعمار المخيم نهر البارد، وإذا استمرت الهِبات بهذا الشكل المتواصل حسب الخطة التي وضعتها الأونروا، وهي خطة مدَّتها 4 سنوات، فيمكننا القول أنه في العام 2021 ستكون عملية الإعمار قد اكتملت ويعود جميع أهالي المخيّم إليه".

وفيما يتعلّق بإيقاف الأونروا بدلات الإيجار عن العائلات التي ما زالت نازحة بانتظار بناء منازلها قال عبده: "توقّفت الأونروا عن دفع بدل الإيجار لـ1880 عائلةً تقريباً من العائلات النازحة المستحقّة بالفعل لبدل الإيجار والتي لا تمتلك أي مصادر لتغطية إيجارات مساكنها، لذلك قمنا بدورنا بعد دعم من الصندوق الألماني للتنمية والصندوق الأوروبي، وسيكون لنا لقاء مع المدير العام للأونروا بالوكالة في لبنان حكم شهوان لنطرح هذا الموضوع بالتفصيل وللمطالبة بإعادة دفع بدل الإيجار للعائلات، لأنه من غير المنطقي أن يتحمّل النازح الفلسطيني عبء توفير الإيجار على مدى سنوات إلى حين استكمال إعمار منزله وهو يعاني أصلاً من تردي الوضع المادي".

وحول موضوع عدم دفع بدلات الأثاث للعائلات التي ستتسلّم بيوتها في شهر آذار المقبل أوضح عبده: "ذريعة الأونروا هي نقص التمويل، علماً أنَّ موازنة إعمار المخيّم التي قُدِّرت بـ105 مليون دولار كان من ضمنها بدلات الأثاث، لذلك يجب على الأونروا أن تلتزم بما تعهَّدت به لجهة استكمال الأموال في برنامجها وخصوصاً مع ما جاء في كلام شهوان في بيانه الأخير قبل أكثر من أسبوعين حين أكّد التزام الأونروا بإعادة إعمار مخيّم نهر البارد وفق الخطة التي وضعت في العام 2008، وبالتالي نستنتج من ذلك بأنّ الإعمار يجب أن يكون من الألف إلى الياء، لذلك التسليم سيكون على المفتاح، إضافة إلى هبة بدل الأثاث".

أمّا عن الوضع المعيشي والاقتصادي لأهالي المخيّم بعد 10 سنوات من المعاناة فيقول: "للأسف بعد أن كان مخيَّمنا الجوهرة الاقتصادية لعاصمة لبنان الشمالي ولكل مخيمات لبنان بشكل عام، فإنَّ الحصار الأمني المفروض عليه جعل التجارة التي كانت ناشطة جداً في نهر البارد قبل لعام 2007 تتراجع إلى أكثر من 95%، لا سيما أن تجارتنا كانت تعتمد بشكل كبير على التعامل مع الجوار اللبناني، فمنذ عودتنا وحتى اللحظة حدّت الحواجز الموجودة على مداخل المخيم كثيراً من دخول الاخوة اللبنانيين إلى المخيم، لذلك أصبحت التجارة داخلية بين أبناء المخيم، صحيح أنَّ بعض التجار خرجوا إلى خارج المخيم غير أنَّ هؤلاء عددهم قليل فمعظم التجار فقدوا كل أملاكهم داخل المخيم، لكنَّهم بدؤوا يستعيدون نشاطهم على الاوتستراد وبجوار المخيم اللبناني، لذلك نحن نطلب دائماً من الاخوة اللبنانيين أن يتعاطوا معنا بشكل إنساني لا بشكل أمني وأن يعطونا حقوقنا الموجودة في الدستور اللبناني كاملة وعلى رأسها حق العمل وحق التملُّك، وما دام هذا الحصار الأمني موجوداً فإنَّ المواطن اللبناني الموجود في جوار المخيم يحجم من الدخول إلى مخيمنا، وبذلك نُحرَم من إعادة بناء العلاقة الأخوية والعائلية والاجتماعية والتجارية التي كانت قائمة قبل العام 2007 مع الجوار اللبناني، ونحن نطمح أن تعود إلى عهدها السابق".

ويختم بالقول: "رغم كل الغيوم الملبّدة ورغم كل الظروف الصعبة فإنّنا متفائلون ولا نملك إلّا التفاؤل لأَّننا بهذا التفاؤل نصمد ونبقى نجاهد ونناضل من أجل البقاء لحين عودتنا إلى بلادنا، فالشهيد أبو عمار عندما خرج من لبنان سألوه إلى أين أنت ذاهب؟ فقال إلى فلسطين، وقد تحقَّق بالفعل هذا الحلم، وعاد إلى أرض الوطن وأسَّس لبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، لذلك نحن متفائلون وإن طال الزمن وإن ضاقت علينا الحياة بأننا سنبني مخيمنا بسواعدنا وسنعود إلى تجارتنا وسنعود إلى نضالنا السياسي من أجل عودتنا إلى فلسطين، ونحن دائماً نسعى لنزرع الأمل في طلابنا وفي شعبنا أننا لم ولن ننسى فلسطين، لقد مضى على تهجيرنا من فلسطين نحو 70 عاماً وما زلنا متفائلين وسنبقى لحين العودة إلى وطننا، ونعاهد آباءنا وأجدادنا بأنّنا سنحمل رفاتهم لندفنها في بلدهم في وطنهم فلسطين إن شاء الله".

 

الأوضاع تزداد صعوبةً ولا حلّ يلوح في الأفق

اثر الأحداث التي وقعت في نهر البارد تضرّرت القطاعات الموجودة داخل المخيّم وبجواره، ولكن المفارقة أنَّ القطاعات المجاورة للمخيّم تمَّ التعويض عليها، أمّا تلك الموجودة داخل المخيّم فلم يتم التعويض عليها أسوةً بالجوار اللبناني، وفي هذا الصدد يقول الأستاذ أبو خالد، وهو أحد الفعاليات في الحي الجديد على طرف المخيم المعروف بالقطاع "ب" ، "بالفعل البعض أخذوا تعويضات على الأبنية التي تهدَّمت كلياً أو جزئياً، لكن هناك آخرون أبنيتهم كان عليها إشارة هدم كلي بمسح شركة خطيب وعلمي، لم يستفيدوا حتى الآن بقرش، ونسمع أحيانا أخباراً عن وصول تعويضات لكن هذه المعلومات لا تلبث أن تختفي. وفي الواقع فور دخولنا المخيّم أصبح كل واحد يصلح بيته بما هو موجود، وهناك منازل مثل منزل زياد ليلى مثلاً الذي كان من أوسع واكبر المنازل لم يتم تعويضها بشيء، صحيح أنَّ النرويجية ساعدتنا إلى حد ما في بعض الأمور، لكن مع ذلك بقي البيت غير قابل للسكن، وقد قمنا ببنائه على نفقتنا. أمّا الهبة الإيطالية، فكنا عقدنا الآمال بخصوصها، ولكن السنوات مضت ولم يصلنا شيء، وقد رفعنا مذكرة ووعدونا خيراً لكن الأمور تأخرت كثيراً".

وينوّه أبو خالد لرداءة وضع البنى التحتية للمخيّم وطرقاته حيث يقول: "ما تمَّ تقديمه بالنسبة للبنى التحتية يعد قليلاً جداً، فقد أعطوا بعض المسافات والمساحات القصيرة للصرف الصحي وهذه معاناة شبه يومية، ففي كل أسبوع نشهد طوفاناً لمياه الصرف الصحي، فيعمل على إصلاح الموضوع بعض عمال الصحة بالأونروا عن طريق المونة والاخوية، ولكن البنى التحتية بصراحة تحتاج إلى إعادة هيكلتها، خاصةً أنه في بلدة المحمرة مياه الصرف الصحي تمر عبر المخيم فيتأذى منها سكان المخيم".

وعن معاناة أهالي الحي الجديد الذين مازالوا مستأجرين يقول: "هذه مأساة كبرى، فالكثير من الأهالي لم يُعاد إعمار بيوتهم وما زالوا يسكنون بالإيجار علماً أن عدداً كبيراً منهم لا قدرة له على دفع الإيجارات خاصةً أنَّ الوضع المعيشي صعب والإيجارات عالية عموماً، كذلك فرخص البناء متوقفة، وحجم العائلات مع الوقت من الطبيعي أنه يكبر فأين ستذهب هذه العائلات؟! لذا نتمنّى على المسؤولين النظر في هذا الموضوع، فنحن لا نطلب شيئاً سوى منزل يؤي العائلات بكرامة، خاصةً أنَّ لا حلَّ يلوح في أفق المدى المنظور خلال بضع السنوات المقبلة".