خاص مجلة القدس العدد 332 تشرين ثاني 2016
تحقيق:  محمود عباس

بالرغم من الإمكانيات المحدودة تواصل مستشفيات جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطيني بذل الجهود الجبّارة في خدمة المرضى ومعالجتهم. ونظراً لصعوبة الوضع الصحي الفلسطيني في لبنان، تسعى مستشفيات الجمعية، وخاصةً مستشفى الهمشري، لتوفير شتى السبل للنهوض بالخدمة الطبية، ومن بينها استضافة الوفود الطبية المتطوّعة من الخارج لتقديم خبراتهم وخدماتهم الطبية لأبناء شعبنا في لبنان. وفي هذا السياق جاءت زيارة وفدَين طبّيين من جمعية إغاثة أطفال فلسطين وتجمُّع (PalMed)  لمستشفى الهمشري مؤخّراً.

جمعية إغاثة أطفال فلسطين
التأسيس وأبرز المشاريع
يوضح منسّق جمعية إغاثة أطفال فلسطين – لبنان محمود الحاج أنَّ الجمعية تأسّست العام 1991 في الولايات المتحدة الأمريكية من قِبَل مجموعة أطباء فلسطينيين، وهي جمعيةُ مستقلةُ تُعنَى بتأمين العلاج للأطفال في الشرق بدون تمييز لنحاية الجنس أو الدين أو الجنسية او  غيره.
ويشير إلى أنَّ أبرز مشاريعها في لبنان تتضمّن: استقدام بعثات طبية تعاين المرضى مجاناً، وخاصة الأطفال الذين يعانون من عوارض متشابهة (شفّة أرنبية، أسنان، جراحة يد،...) كون هذه الأمراض يصعب علاجها فردياً؛ ومساعدة المرضى على مستوى فردي لحالات خاصة يصعب على ذوي الطفل تحمُّل نفقات علاجها كونها تحتاج إلى مراكز علاج تخصُّصية (سرطان أطفال، مسالك بولية...) حيث يتم تقديم العلاج للطفل في لبنان أو تسفيره للعلاج في الخارج إذا اضطّر الأمر؛ وكفالة الطفل طبياً، وتنقسم لنوعين. كفالة شهرية، وهي لعدد معين من الأطفال، حيث يكون لهم كفيل في الخارج يؤمّن لهم الدواء بشكل دائم وخاصّة لأصحاب الأمراض المزمنة، أو وكفالة لمرة واحدة عندما يحتاج الطفل لجهاز طبي أو أيَّة أداة أخرى لمرة واحدة فقط، إضافةً لمشاريع إنسانية تُؤمَّن عبرها لوازم وقائية لحماية الأطفال من العديد من الأمراض (ملابس للشتاء، أجهزة ، أدوية،...).
ويلفت الحاج إلى أنَّ الجمعية تتأكّد من حاجة الطفل الحقيقية للعلاج وعدم قدرته على تأمينه بنفسه عبر زيارات يقوم بها أعضاء الجمعية إلى منزل الطفل، علمًا أنَّ للجمعية مكتباً في بيروت.
وحول مشاريع الجمعية في المدى المنظور يقول: "لقد توجت الشراكة بين كل من: جمعية إغاثة أطفال فلسطين، الهلال الأحمر الفلسطيني، Islamic Relief، هيئة الرعاية الصحية Welfare، الأونروا، بتجهيز مركز لغسيل الكلى في مخيم البداوي على أن يُفتَتَح قريبًا.كما أنَّ للجمعية أنشطة مع مرضى السرطان، لكن بشكل محدود بسبب ارتفاع تكاليف العلاج".
ويؤكّد الحاج أنَّ من أساسيات عمل الجمعية أن لا يدفع المريض أي تكاليف، كون الأطباء يتطوعون بأتعابهم والجمعية تقوم بتغطية باقي التكاليف. وعن الصعوبات التي تواجه الأطباء في أداء مهمتهم يقول: "الوفود الطبية التي تحضر تكون من أصحاب الخبرات والكفاءات العالية لكي يتسنّى لهم نقل خبراتهم إلى أطباء الهلال الأحمر الفلسطيني، إلّا أنّنا عانينا بسبب نقص في الأجهزة اللازمة لإجراء العمليات، لكنَّ الوضع الآن أفضل، فقد تأمّنت بعض الأجهزة ضمن الأولويات، وقُدِّمت التسهيلات الكافية من مستشفيات الهلال للنجاح بمهام البعثات الطبية".
وفي سؤال حول الرسالة الإنسانية التي يتم نقلها إلى الخارج عن معاناة اللاجئ الفلسطيني في لبنان، أجاب الحاج: "معظم الأطباء، وبعد رؤيتهم للحالات الإنسانية الصعبة ينقلون الصورة إلى زملائهم في  الخارج لحثّهم على المساعدة، وكثيرًا ما يتم التجاوب معهم، وإرسال تمويل للعلاج من خلالهم، فمؤخّراً قدَّم طبيب من استراليا، بعد سماعه عن الوضع الإنساني الصعب للاجئين في لبنان، التمويل لإحضار عددٍ من المعدات الطبية خاصة في مجال اختصاص العيون".

الفئة المستهدفة بالخدمة الطبية
يضم طاقم الجمعية عدداً من الأطباء بينهم د.مينا ساويرس، وهو طبيب أميركي من أصول مصرية، تخرّج في العام 2010 في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن تخصّص في طب الأسنان. إلا أن المميّز في سيرته المهنية، أنّه يعمل سنويًّا مدة 6 أشهر في عيادته في العاصمة الأمريكية واشنطن، فيما يمضي الـ6 أشهر الأخرى متطوّعاً لمعالجة مرضى في أنحاء مختلفة من العالم منها على سبيل الذكر (مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مخيم الزعتري في الأردن، مخيمات اللاجئين في اليونان، غرب افريقيا، الهند، أميركا الجنوبية).
ويوضح د.ساويرس أنَّ الفئة المستهدفة من الخدمة الطبية الخاصة بمعاينة ومعالجة  الأسنان هي الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، نظراً لصعوبة معاينتهم في العيادات العادية، لصعوبة امتثالهم لتعليمات الطبيب مما يعيق عملية علاجهم، ويضيف: "لذلك نلجأ إلى وضعهم تحت تأثير بنج كامل، لنتمكّن من إجراء جراحة الأسنان لهم، ولهذه الغاية حضرنا كفريق أنا وطبيبي بنج (الدكتور دانييل، والدكتور ليسنل) بالإضافة إلى المساعدة التي يقدمها لنا أطباء مستشفى الهمشري. ولا بد من الإشارة إلى أنّنا لا نميّز بين أي طفل وآخر، بل نقدِّم المساعدة لكل طفل وبنفس المعايير التي نستخدمها في أميركا، بحيث يتلقى الطفل الفلسطيني نفس نوعية العلاج التي يتلقاها الطفل الأميركي، ويتم علاجه بنفس المعدات".
وعن تقييمه للوضع الصحي للاجئين الفلسطينيين في لبنان يقول: "التوعية الصحية متدنية جداً، ولو أنّ هناك توعية صحيحة لما وصلت حالة المرضى إلى ما هي عليه الآن، وأعتقد أن دور المنظمات مهم جدًا لأنها تحضر الأطباء من الخارج ليقوموا بتقديم ما يلزم، لذلك أرجو دعم هذه المنظمات".

(PalMed) تجمُّع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا
يشمل كل العاملين الفلسطينيين في المجال الطبي في معظم دول أوروبا وتركيا، تأسس عام 2008 وله مكاتب تمثيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبحسب د.بلال موسى، القادم من السويد، فإنَّ المساعدات التي يقدّمها التجمع تهدف لرفع مستوى الخدمات الطبية المقدمة للمريض الفلسطيني في فلسطين وفي مخيمات الشتات بكل شرائحهم، بالإضافة إلى رفع مستوى الطبيب الفلسطيني من خلال بعثات إلى أوروبا أو العكس.
ويشير د.موسى لعقد التجمّع اتفاقية شراكة مع الهلال الأحمر الفلسطيني، لاستقدام وفودٍ بشكل منتظم ودائم، ويردف: "نحن الآن الوفد الثالث من ضمن برنامج إدخال جراحة التنظير في المسالك البولية، ومهمتنا هي نقل الخبرات الأوروبية إلى أطباء مستشفيات الهلال، فقد سبقَنا وفدان وسيتبعنا وفدٌ رابع لاستكمال هذا البرنامج الذي سيتوّج بختامه بتمكن مستشفيات الهلال من استخدام المنظار في علاج المسالك البولية".
هذا ويضم الوفد الحالي كلاً من: د.بلال موسى، د.فؤاد يعقوب، د.جهاد صعيدي، د.معمر الموعد، د.صابر حسون، د.خليل نصار.
وحول أبرز الصعوبات التي واجهت عمل الوفود يقول د.موسى: "واجهنا صعوبات بعدم توفر أجهزة متقدِّمة لإجراء العمليات، وقد تجاوزناها بإحضار أجهزة لاستخدامها وإبقائها لتُستَخدَمَ في المستشفى لاحقًا، وكنا أحياناً نحضر بعض الأجهزة لنستخدمها، ثُمَّ نعيدها معنا في طريق العودة".
وحول نظرة الخارج إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين، يقول: "يُبدي أبناء الدول التي نعيش فيها تعاطفاً كبيراً مع معاناة أبناء شعبنا، بالإضافة إلى شعور أبناء الجاليات الفلسطينية بالمسؤولية تجاه أبناء شعبهم في المخيمات، مما يحتّم عليهم تقديم ما يستطيعون تقديمه لأبناء شعبهم".  

جهود حثيثة لتطوير الخدمة الطبية رغم محدودية الإمكانيات
بالرغم من الإمكانيات المتواضعة لمستشفى الهمشري في صيدا، التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، من اللافت أن المستشفى بات يشهد تطوراً ملحوظاً في الخدمات الطبية، وفي هذا الصدد يقول مدير مستشفى الهمشري د.رياض أبو العينين: "منذ بداية عملنا في إدارة المستشفى سعينا لتنفيذ خطتين، خطة سنوية وخطة بعيدة الأمد لتحسين مستوى المستشفى، ورفع مستوى الكادر الطبي داخل المستشفى، وذلك عبر استضافة الوفود من أوروبا والخارج لتُجري العمليات الجراحية بمشاركة كادرنا الطبي مما يتيح الفرصة لتدريب كادرنا واطلاعه على التقدُّم الحاصل في المجال الطبي. وبالتأكيد فهذه الوفود تأتي تطوعًا، فهم يملكون الكفاءة العالية ويقدّمون جزءاً من وقتهم لعلاج أبناء شعبهم وتدريب الكوادر الطبية لما يصبُّ في مصلحة خدمة أبناء الشعب الفلسطيني".
ويضيف: "بالطبع بعض العمليات تجهيزاتها متوفرة، والبعض الآخر غير متوفر. فاليوم أصبحنا نملك أجهزة المنظار التي تجرى من خلالها معظم عمليات المسالك البولية، بالإضافة إلى جهاز الفاكو (Phaco)، أي الليزر، والذي تُجرى من خلاله معظم عمليات العيون. ولكن هناك نقص في بعض أجهزة المسالك البولية، فالوفد أحضر معه بعض هذه الأجهزة، ووعد بإحضار أجهزة أخرى في الزيارة القادمة، ليصبح لدى المستشفى قِسمٌ قادر على إجراء عمليات متطورة جدًا".
ويلفت د.أبو العينين لسعي جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني للارتقاء بالواقع الطبي الفلسطيني في لبنان عبر خطة تدريبية تشمل ثلاثة مجالات طبيّة، ويوضح ذلك قائلاً: "لقد بدأت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بالفعل بتنفيذ هذه الخطة، وهي تقوم على: التعاون مع النرويجيين والجامعة الأميركية في بيروت لإجراء العمليات بالمنظار (المرارة والفتاق) لمدة سنتين، وما زالت قائمة وستنتهي هذا العام؛ وتنظيم دورة مع تجمع (PalMed) لتدريب أطباء العظام لإجراء عمليات العظام للركبة بالمنظار، من خلال إجراء 6 زيارات مع تدريب للأطباء؛ وتدريب لأطباء المسالك البولية من خلال زيارات وإمداد بأدوات متطورة".