تحقيق: عدي غزاوي

قبل مئات السنين من احتلال فلسطين عملت المنظّمات اليهودية على تحديد أهم الموارد التي تتمتّع بها الأرض وعلى رأسها المياه، فابتعثت خبراء في المياه العام 1748 بهدف معرفة أوفر الأماكن التي تتركّز فيها المياه. وعند وضع مخطَّط "سايكس بيكو"، الذي قسَّم منطقة الهلال الخصيب، ضغطَ اللوبي الصهيوني على الفرنسيين والانجليز ليضموا مناطق من سوريا ولبنان تمتاز بوفرة المياه ليسيطروا عليها عند احتلالهم لفلسطين. ومنذ قيام دولة الاحتلال عكفت إسرائيل على السيطرة على مصادر المياه وتحويلها لمناطق نفوذها، وقلَّصت حصة المواطن الفلسطيني من المياه إلى ما لا يتجاوز ثلث ما يستهلكه الفرد الإسرائيلي المحتل حتى باتت قلّة المياه أزمة كبيرة يعاني منها المواطن الفلسطيني.

العجز المائي في منطقة الأغوار
مشكلة قلّة المياه وارتفاع سعر تكلفتها في منطقة الأغوار من أهم الأسباب التي أدَّت إلى هجرة العديد من المزارعين لأرضهم وتحويل المزارع الفلسطيني من منتِج للمزروعات إلى مستهلك لها. وحول تفاصيل المخطَّط الإسرائيلي في الأغوار الهادف للسيطرة على الأرض والزراعة وتهجير الناس من أرضهم، يقول أستاذ الجغرافيا والتخطيط الإقليمي في جامعة القدس د.فايز أبو ستة لمجلة "القدس": "منذ العام 1967 ومع بداية احتلال إسرائيل للضفة الغربية فرضت السيطرة على المياه في منطقة الأغوار بشكل كبير خصوصاً أنَّ الحوض الجوفي الشرقي هو أفضل حوض، وانتاجه السنوي يبلغ 178 مليون م3. فعليًّا الحوض الذي تستفيد منه الاغوار ينتج سنويًا 129 مليون م3، ويُعدُّ من أفقر الأحواض، وهو تقريبًا من أكثر الأحواض التي نستفيد منها نحن كفلسطينيين، صحيحٌ أن باقي الأحواض الموجودة في الشمال الغربي غنية، ولكن إسرائيل تسيطر عليها سيطرة كاملة، بل انها تشاركنا حتى في هذا الحوض من خلال سيطرتها على الآبار والينابيع الموجودة فيه، هذا بالنسبة للمياه الجوفية. أمّا المياه السطحية فحسب اتفاقية جونسون العام 1958 يحق لنا الاستفادة من ماء نهر الأردن بما يُقدَّر بـ250 إلى 350 مليون م3، للزراعة على مساحة الأغوار التي تقارب 300 ألف دونم، لكنّنا لا نحصل عليها، لأنَّ إسرائيل تحاول السيطرة عليها، علماً أنّ انتاج نهر الاردن يُقدَّر سنوياً بمليار م3 معظمها يحوَّل عبر الناقل الوطني الإسرائيلي من خلال سهل الباطوف إلى تل أبيب وإلى بئر السبع، وهناك يتم إجراء حقن جوفي لهذه المياه في الأرض. وبعض الدراسات تقول إن المياه في بئر السبع التي يتم حقنها في منطقة النقب تكفي الشرق الأوسط لمدة 50 سنة قادمة".
 ويضيف "أيضاً المياه الجارية التي تنزل من الجبال لم تنجُ من سرقات إسرائيل، فالمياه الهاطلة على جبال فلسطين تمر من الضفة الغربية وتسقط جميعها بكميات هائلة في فصل الشتاء على جبال السلسلة الوسطى، جبال نابلس والخليل والقدس، لذلك تعمل إسرائيل على سحب المياه إمّا باتجاه الساحل عبر ممرات اصطناعية او إلى منطقة الأغوار ببرك وبحيرات واسعة، وبذلك يأخذون حق الفلسطينيين في هذه المياه، تماماً كما يفعلون بالنسبة للمياه الجوفية. فعين العوجا التي تُغذَّى من الحوض الشرقي يوجد حولها آبار عوجا 1، وعوجا 2، وعوجا 3، وهي آبار عميقة جدًا تحت سيطرة إسرائيلية، فنحن من الممكن أن نحفر بعمق لـ100 متر، أمّا الإسرائيليون فيحفرون لـ600 متر هذه الآبار الجوفية التي تسحب كل مياه عين العوجا، وتحوّلها إلى المستوطنات الموجودة في المنطقة".
ويتابع: "إسرائيل في العام 2010 احتفلَت بزراعة الشجرة رقم مليون من النخيل، ومعظم هذه المزروعات من المياه الجوفية الموجودة في المنطقة عن طريق الآبار المحفورة ما أثَّر على المخزون المائي. فالمعضلة الحقيقية أنَّ معظم العيون في المنطقة مثل عين السلطان تقع في الجزء السفلي للحوض، أمّا عين العوجا فعكس كل الآبار الموجودة بالمنطقة، ونحن مشكلتنا مع الجزء العلوي للحوض حيث يتم تسريب المياه عن طريق الآبار بهذه الطريقة، ونحن ممنوعون من حفر أي بئر في العوجا تقريبًا إلّا تحت خط 90 حتى لا نستفيد من مياه العوجا، ولو حفرنا على عمق 300 متر فهناك احتمال ضئيل أن نجد المياه، ومن الممكن أن تكون مالحة، كذلك فنحن نتأثَّر بهطول الأمطار سنوياً، حيثُ أن الأمطار التي تتساقط تغذي الحوض الشرقي، وبالتالي تستفيد عين العوجا، وأحياناً تكون الكمية كبيرة فوق استيعاب الإسرائيليين لأنَّ آبارهم وحصتهم من المياه كافية، فنأخذ المياه الفائضة عن حاجتهم كما الآن، ولكن في شهرَي أيار وحزيران تنفذ المياه الفائضة عن حاجتهم ونعاني قلّة المياه".

السيطرة على المياه وسيلةٌ لتهجير المزارع الفلسطيني
يقول الله تعالى في كتابه الحكيم (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، وفي هذا خير دليل على أهمية المياه التي تُستخدَم في كل المجالات من الاستهلاك والزراعة والصناعة والتجارة، ومن هنا ترى إسرائيل في احتكارها وسيلةً لإخضاع الفلسطينيين. وحول ذلك يوضح د.فايز أبو ستة: "حِصتنا من المياه 125 مليون م3 + 54 مليون م3 تشتريها السلطة من شركة موكوروت الإسرائيلية بسبب الزيادة السكانية، ولكن القضية ليست قضية مياه شرب، بل نحن نريد زراعة أرضنا، وبناء دولة فلسطينية، فالأرض هي محور الصراع بيننا وبين الإسرائيليين، وإذا لم نتمكّن من الزراعة نخسر الصراع".
ويضيف: "تقوم إسرائيل بالسيطرة على الأراضي التي لا يستخدمها أصحابها في منطقة الاغوار، وتُقدِّم إغراءات للمستوطنين ليسكنوا المنطقة، وقد سبَّبت الضغوطات الإسرائيلية على سكان الاغوار كوارث كبيرة، منها أنَّ معظم أهالي العوجا باعوا أراضيهم، وأصبح هناك بناء فاحش واغتصاب للأراضي الزراعية وإفقار للأهالي، إذ باتت الأرض عبئاً على الإنسان، وقُسِّمَت الوحدات بشكل لا يصلح للزراعة، والآن أصبحت الزراعة جزءاً صغيراً من ثقافة وحياة المزارع الفلسطيني، إذ أصبح أي بيت فلسطيني فيه المعلّم والطبيب والمهندس اعتمادهم الرئيس على الوظيفة، لا لأنهم لا يحبّون الأرض بالعكس، ولكن ذلك بسبب سيطرة الإسرائيليين على الأرض وعدم وجود دعم للناس".

المياه أساس في الأمن القومي الإسرائيلي وسلاح خطير
ضمَّت اتفاقية "سايكس بيكو" التي وُقِّعت عام 1916 مناطق سورية ولبنانية بينها أجزاء من منطقة جنوب لبنان ومزارع شبعا وأنهار القاضي والحاصباني وبانياس لحدود فلسطين، وذلك بضغط من اللوبي اليهودي لأنّهم كانوا يخططون لأمنهم المائي حتى قبل احتلالهم فلسطين، كونها مناطق وفيرة بالمياه، فاستغلوا "سايكس بيكو"، وسيطروا على مصادر المياه لتحويل المياه التي تأتي من أنهار بانياس والقاضي والحاصباني، وهي ثلاثة موارد لنهر الأردن تكمل طريقها للبحر الميت وإلى تل أبيب، ومن ثُمَّ إلى الناقل الموجود منذ العام 1958 ويضخ بالنقب تغذية جوفيّة، لأنَّهم بحسب التخطيط الاستراتيجي للحركة الصهيونية يسعون لتوطين 13 مليون إسرائيلي يهودي في النقب، لذا يجب توفير مياه لهم، ولا ننسى أنَّ إسرائيل هدفها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض عبر طردنا. ولكن هدف إسرائيل ليس فقط مياه فلسطين والأردن وسوريا ولبنان، بل هي تستهدف أيضاً مياه الدول الأخرى كمياه تركيا واثيوبيا والصومال، فقد ساعدت إسرائيل ببناء السد في اثيوبيا لاستغلاله بالضغط المستمر على مصر لأنَّ لها الحصة الكبيرة، وتركيا ينطبق الأمر ذاته عليها، حيثُ أنَّ معظم مشاريع المياه فيها مع إسرائيل، وتستطيع إسرائيل إيقاف دجلة والفرات التي تخرج من تركيا، أي أنّهم يحاصرون الوطن العربي باستغلال مورد المياه، وهذا بالتحديد ما يُقصَد به في المعنى السياسي سياسة المياه وما يقال عن أنها أقوى من سياسة البترول".

السنوات القادمة ستشهد حرباً على المياه
يرى د.فايز أبو ستة أنَّ محدودية الموارد الطبيعية في فلسطين ستؤدي إلى حدوث كارثة كبيرة، ويضيف شارحاً ذلك "لو أخذنا بعين الاعتبار عدد السكان الموجودين من غير تمييز بين يهودي وعربي، لوجدنا أنّ 12 مليون إنسان يعيشون على هذه الأرض بخلافاتهم وصراعاتهم، فهل تكفي الموارد الطبيعية الموجودة لهذا الكم من السكان؟! الإسرائيليون لا يدركون أنّنا متجهون نحو انفجار، فهم عنصريون متطرّفون يرون أنّنا لسنا بحاجة للمياه، وأنا أرى أنّنا في النهاية سنتصارع معهم على كأس الماء. فالمياه في المستوطنات لا تنقطع أبدًا، وهم يضعون خزّاناً واحداً للمياه لأنّها تأتيهم مباشرة، ونحن نضع عدداً كبير منها على أسطح منازلنا لتخزين المياه وقت انقطاعها، هذا عدا عن الآبار المنزلية التي يُقدَّر انتاجها سنوياً بـ15 مليون م3. نحن نخزّن على مستوى الضفة، والآن وزارة الحكم المحلي تجبر أي شخص يريد بناء منزل بإنشاء بئر بجانب البيت لشح المياه، أمّا الإسرائيليون فلا يفعلون ذلك، هم مدلّلون. وبقراءة الواقع نحن بلا شك مقبلون على صراع مع الإسرائيليين على الأرض والمياه وكل شيء، خاصةً أن الفلسطيني تعب من تجربته في الخارج ومعاناته مع الغربة والتشرد والهجرة، وبتنا نفضلُ الموت على أرضنا على الهجرة لمخيمات ودول الشتات، فقد تعلّمنا أن لا كرامة للفلسطيني إلا على هذه الأرض، والآن هو سيقاتل من أجل البقاء عليها".

المزارعون يرزحون تحت وطأة الخسائر والديون
خلال جولتنا في أراضي العوجى القاحلة التقينا المزارع حسّان محمد صعايده الذي كان يزرع هذه الأرض بالحمضيات والموز يوم كانت جنةً خضراء. ومعاناة صعايده هي جزءٌ من معاناة المزارعين اليوم التي يلخّصها قائلاً: "كمزارعين نحن محكومون بكمية المياه التي يمدنا بها الإسرائيليون لنسقي مزروعاتنا، ولكن الكميات متذبذبة، فأحياناً تكون كبيرة وأحياناً قليلة بحيث لا تصل. هذا الموسم زرعنا الأرض ذرة وقرعاً وقبل حصاد المحصول وباقي المزروعات قُطِعت المياه لنحو 20 يوماً عنا، فتضرَّر معظم المحصول ويبس، وليس لدينا مصادر بديلة تمدنا بالمياه، ونتيجة ذلك أُجبِرنا على كتابة شيكات على أنفسنا كمزارعين في منطقة العوجا، وأنا مثلاً ديوني وصلت لما يقارب 250 ألف شيقل هذا العام فقط، وذلك بعد أن بعت جزءاً من المحصول سددتُ بثمنه جزءاً من الديون". ويضيف: "تبلغ مساحة مشروعي نحو 500 دونم، ويُعدُّ من أكبر المشاريع في العوجا من ناحية الزراعة، وأواجه مشكلة رئيسة بعدم وجود بئر لأنه لم يعد هناك تراخيص للآبار في العوجا منذُ أكثر من سنة لوقوعها في المنطقة "ج" الخاضعة لسلطة الاحتلال، وبسبب قلّة المياه أصبحت العوجا منطقة للبناء فقط إذ لم تعد للزراعة ولا للسكن، حتى أنَّ أصحاب الأراضي يأتون فقط لتفقُّد أراضيهم لبضع ساعات ثُمَّ يغادرون، علماً أنَّ المنطقة كانت مركزاً للعمل صيفًا شتاءً، وكان العمال يأتون للعوجا موسم قطف الموز والخضار في الصيف حيث أنّها لا تتوقّف، ولكن ذلك لم يعد ممكناً بسبب قلَّة المياه. أمّا المزارع الإسرائيلي القريب منا فوضعه ممتاز، واذا أتيت من منطقة أريحا فسترى الأرض السهلية يزرعونها كلها، فالعوجا كانت سهلاً فارغاً أحاطه الإسرائيليون بزراعة البلح على الحدود مع الأردن، وذلك بتوفير المياه للمستوطنين عن طريق خط 90، والمياه المقرّرة لنا لم تكن كافيةً أبداً".

الوضع المائي الفلسطيني
يعدُّ الوضع المائي في فلسطين في دائرة الخطورة الشديدة وخصوصًا في الضفة وغزة، وفق حديث مدير دائرة تطوير المصادر المائية العامة في سلطة المياه المهندس ذيب عبد الغفور، إذ يقول لمجلة "القدس": "تُقسَّم الأحواض المائية الرئيسة في الضفة الغربية إلى ثلاثة أحواض وهي: الحوض الشمالي الشرقي، والحوض الشرقي، والحوض الغربي، ولا تتعدّى نسبة الحصة الفلسطينية فيها 20%، بينما تصل حصة الجانب الإسرائيلي لـ80% وذلك حسب اتفاقية أوسلو. فإذا نظرنا للحوض الشرقي فحصتنا فيه كفلسطينيين تبلغ 54 مليون م3 مقابل 40 مليون م3 للجانب الإسرائيلي، وهو الحوض الوحيد الذي نجدُ فيه أنَّ حصتنا أكبر من حصة الإسرائيليين، أمّا لو نظرنا إلى حصصنا في الأحواض الأخرى فسنجد أنَّ الفرق شاسع في الحصص، حيث تبلغُ حصتنا في الحوض الشمالي الشرقي 42 مليون م3 بينما تبلغ حصة اسرائيل 103 م3، وتكمن المأساة في الحوض الغربي الذي يمتاز بمياه أوفر وذات جودة أعلى إذ لا تتجاوز حصتنا 22 مليون م3 فيما حصتهم تفوق 340 مليون م3 سنويًا، أيّ أنّ مجموع الحصص الفلسطينية من الأحواض الثلاثة مجتمعة لا يتجاوز 118 متراً مكعباً سنويّاً، وهذا تمَّ ضمن اتفاقية اوسلو التي كان من المفترض أنّها اتفاقية مؤقتة تمتدُّ من العام 1995 إلى العام 1999، لكنّنا للأسف وصلنا العام 2016 وما زالت هذه الاتفاقية سارية إلى الآن، بل إنّنا حتى لا نأخذ من الـ118 إلّا 104 إلى 107 مليون م3، والتي لم تكن تكفي الاحتياجات الفلسطينية في ذلك الوقت أصلاً فما بالك بعد 20 عاماً؟! وها نحن بانتظار مفاوضات عادلة تضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وضمن الشروط التي وضعتها القيادة لاستئنافها لنأخد حقوقنا المائية في الأحواض المائية الجوفية في الضفة الغربية والحوض الساحلي في قطاع غزة والبحر الميت ونهر الأردن حيث لا تقل حصتنا التاريخية فيه عن 300 مليون م3 سنويًا، وهي حقوق ثابتة للشعب الفلسطيني تضمنها القوانين والأعراف الدولية".
ويتابع "في الماضي كان نهر الأردن الشريان المائي لمنطقة الأغوار بالنسبة للمزارعين، ولكن بعد احتلال إسرائيل لمناطق العام 1967 لم يعد المزارعون يستخدمون أي قطرة منه، بل منعوا من الوصول إليه إذ قامت إسرائيل بتحويل جميع مياهه عبر ناقل قطري ضخم للمياه إلى منطقة النقب ليُستخدَم جزء منها في الزراعة والباقي للتخزين، ومَن يراقب تدفق نهر الأردن تاريخيًا يلحظ تدني انتاجه من 1300 مليون م3 سنويًا في أربعينيات القرن الماضي إلى 150 مليون م3 اليوم، هذا ويتم تحويل أكثر من 500 مليون م3 من جهات بحيرة طبريا حيث بات الآن رافداً لا نهراً، عدا عن نسبة التلوث فيه بسبب المياه العادمة التي تتدفّق عليه من المستوطنات في منطقة الشمال".

أسباب قلّة حصة الفلسطينيين من المياه
يشير المهندس ذيب عبدالغفور إلى أنَّ السبب الرئيس لقلّة حصة الفلسطينيين من المياه هو تحكم الاحتلال الإسرائيلي بالمصادر المائية واستغلاله لأكثر من 85% منها بالإضافة إلى العوائق الإسرائيلية، حيثُ يوضحها قائلاً: "هناك لجنة فلسطينية إسرائيلية تختص بموضوع المياه انبثقت بناء على أوسلو ونُسبَت اليها مهمة الموافقة وإصدار التراخيص اللازمة للمشاريع المختصّة بالمياه من إنشاء خزّانات وخطوط للمياه وحفر الآبار وتأهيلها وتطوير البنية التحتية المائية الفلسطينية، ولكن هناك العديد من المشاريع المائية الفلسطينية العالقة في هذه اللجنة منذ سنين لأسباب واهية. فعلى سبيل المثال حصتنا من الحوض الشمالي الشرقي هي 42 مليون م3 سنويا تأتي من الآبار والينابيع، لكن ما نأخذه فعليًّا لا يتعدى 17 إلى 20 مليون م3 سنوياً بسبب العوائق التي تتمثّل بمنع حفر الآبار إلا بموافقة اللجنة المشتركة علماً أنَّ أعمال اللجنة المشتركة مجمَّدة منذ العام 2010 لأسباب تتعلَّق بفرض شروط ابتزازية من قِبَل الإسرائيليين، كما أنَّ الأعذار الإسرائيلية كثيرة وتعجيزية بخصوص حفر الآبار، كالابتعاد لمسافات معينة للحفر، والحفر في مناطق غير واعدة مائياً وغير مُجدية للحفر فيها بحجة عدم التأثير على مصادرهم المائية بدعوى أنها تستهلك كميات كبيرة، وهذه ادعاءات باطلة كونها لا تؤثّر على المياه الجوفية. كما أنَّ تعطُّل العديد من الآبار بسبب انخفاض منسوب المياه فيها هو أحد المعيقات لنا في تأمين المياه، علاوةً على تعطيل الإسرائيليين للعديد من الطلبات التي قدَّمناها بخصوص حفر آبار أُجِّلت منذ العام 1999 او عدم الرد بحجة عدم الترخيص او أنها مناطق عسكرية مغلقة او أنّها تؤثّر على آبارهم وأعذار كثيرة لا تنتهي".
ويضيف "لو أخذنا الحوض الشرقي مثلاً والذي يقع 95% منه ضمن المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية فقد حاولنا حفر آبار في أماكن تناسبنا من ناحية فنية وجيولوجية وطبعاً قوبل طلبنا بالرفض من قِبَل الاحتلال خصوصاً في المناطق المصنفة (ج) كونها تبلغ 64% من أراضي الضفة الغربية، حيث كانت أي معاملة تستغرق سنوات لتتم الموافقة على الحفر من قِبَل اللجنة المشتركة لأنها خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، لنخوضَ بعدها معركة ثانية مع الإدارة المدنية الإسرائيلية للحصول على موافقة ثانية لحفر نفس البئر، وهذه عمليات أخذت سنوات طويلة امتدّت للآن فهم يرغموننا على الحفر بمناطق غير واعدة مائيًا، ونحن كفلسطينيين لا نسيطر على أي قطرة مياه، وإنما نستخدم مصادر مائية محدودة بموافقة الاحتلال، ومن العوائق الأخرى المفروضة علينا موضوع استيراد المعدات لحفر وتطوير الآبار أو حتى صيانتها لأنَّنا مجبَرون على أخذ الموافقة الإسرائيلية من أجل الحصول على المعدات الميكانيكية".

سياسات سلطة المياه في إدارة الأزمة المائيّة
حول أهم المشاريع التي نفَّذتها والمشاكل التي تواجه سلطة المياه يقول م.ذيب عبدالغفور: "كسلطة مياه نحن قطاع حكومي منظّم لقطاع المياه، ونعمل على إدارته بالتعاون مع كافة الشركاء، ومسألة توزيع المياه تتداخل فيها العديد من الجهات كالبلديات والمصالح الإقليمية التي تمتلك آباراً وتوزّع المياه على المواطنين، حيث نحاول جاهدين بأن تتم عملية التوزيع بشكل عادل ومنصف بين كافة المواطنين، لكن المياه تأتينا من عدة مصادر، إمّا من الآبار والعيون الجارية او من شركة المياه الإسرائيلية (موكوروت) التي تقطع المياه عن بعض المناطق، فنقوم بإعادة توزيع الحصص المائية لسد العجز الحاصل، ومن هنا نواجه مشكلة أنّنا كسلطة مياه لا نسيطر على كافة مواردنا الذاتية ونقوم بإدارة أزمة مياه بما يُتاح لنا من وسائل".
ويُردف "نفَّذنا العديد من المشاريع التي تساعد في حل مشاكل تتعلّق بالمياه سواء أكان في مناطق مهمَّشة ام تابعة لبلديات، وقد رفعنا كفاءة التوزيع بنسب عالية، فغالبية التجمعات الفلسطينية مشمولة بشبكات مياه، ومعظم المشاريع كانت بدعم من مؤسسات دولية مشكورة على دعمها للمواطن الفلسطيني وتأمين المياه ولكن لا توجد عندنا كميات كافية ونواجه نقصًا حادًا في المياه المتوفرة".
ويوضح م.عبدالغفور أنَّ معدل الاستهلاك الشخصي اليومي للفرد الواحد في الضفة وغزة لا يتجاوز 79 لتراً من المياه في حين نصّت المعايير الدولية على أن يبلغ معدّل استهلاك الفرد من المياه نحو 100 لتر يوميّاً، وهناك مناطق لا يتعدّى استهلاك الفرد فيها 50 لتراً وأخرى 25 لتراً، وخصوصًا مناطق جنوب الخليل التي تعاني من شح في المياه، بينما تبلغ نسبة استهلاك الفرد الإسرائيلي نحو 300 لتر في اليوم، أمّا المستوطنون فيزيد استهلاكهم عن 450 لتراً في اليوم.
ويرى أنَّ الوضع كارثي بشكل كبير في غزة مشيراً إلى أنَّ 97 % من الحوض الساحلي في غزة مدمّر وغير صالح للاستهلاك الآدمي بسبب ارتفاع نسبة التلوث والملوحة الناجمة عن تداخل مياه البحر معه، ولافتاً إلى أنَّ حصة المواطن في غزة لا تتعدّى 79 لتر مياه يوميًا، جزءٌ منها مياه مالحة!

حلول سلطة المياه
عن الحلول المطروحة من قِبَل سلطة المياه لمعالجة تردي الوضع المائي الفلسطيني يقول م.ذيب عبدالغفور: "بالنسبة لغزة فالحل الأمثل هو بناء محطّة تحلية بقدرة 55 مليون م3، وسلطة المياه تعكف على تنفيذها بالتعاون مع شركاء ومموّلين، ونحن الآن في مرحلة التصميم، وسيتم البدء قريبًا لأن الخزَّان الجوفي في غزة يحتاج إلى سنوات ليسترد عافيته. ومن وسائل سلطة المياه لتعويض النقص فيما يتعلّق بالزراعة بناء محطات معالجة مياه الصرف الصحي، فهناك العديد من محطات المعالجة الموجودة في الضفة الغربية منها واحدة في مدينة البيرة، وأخرى جديدة يتم العمل عليها في رام الله، وهناك محطة في نابلس الغربية، ومحطة اريحا التي أُنشئت حديثًا، كما يتم العمل على محطة لنابلس الشرقية، وأيضاً في طوباس وفي جنوب الخليل وبيت لحم".
ويتابع: "كذلك سنعمل في أريحا على دمج المياه المعالَجة بدرجة عالية بمياه الوديان ليتم حقنها في خزّان أريحا السطحي، وهناك مشاريع تختص بالحصاد المائي مثل بناء السدود لاستغلال مياه الامطار بالتعاون مع وزارة الزراعة، وقد تمَّ بناء أول سد فلسطيني في اريحا بطاقة استيعاب تُقدَّر بنصف مليون م3 سنويًّا، وعملنا على بناء بركة في منطقة الفارعة بطاقةٍ تخزينية تصل إلى 30 ألف كوب، ونعمل بالتعاون مع وزارة الزراعة على بناء مجموعة من برك التجميع والسدود الصغيرة، ويجب أن ننوّه لصعوبة تطبيق هذه المشاريع، فنحن نعاني صعوبة في ترميم بئر، فما بالك ببناء سد؟! وقد واجهنا مؤخّرًا صعوبات حيث قمنا ببناء مجموعة من البرك التجميعية للمزارعين إلا أنَّ الاحتلال قام بتدمير جزء منها، ومع هذا لم نيأس، وما زلنا نعمل على زيادة الكمّيات المتاحة فهي حقنا".