ماذا تفعل الكلمة أمام رصاصة تغزو حمامة. لا نملك شيئاً خارج حدود الشكوى، لا نملك شيئاً ندندن به على اطلال القدر في حضرة الجريمة.
تسقط الابنة وشقيقها في لحظة من الزمن.
 لا أحد يعرف لماذا اخترق صدرهما الرصاص.
 صدعتني مرام، كيف وقعت على الموت بسرعة، وكل شيء فيها له اسم ورائحة وشامة.
 صدعني شقيقها ابراهيم الذي دنا من زهرة الارض في لحظة فراغ مهولة، لحظة سيلان الدم في خط منحرف تعتريه شهقات الوجع والحزن الصامت.
 في هذا العصر الذي يترافق فيه العجز مع الافكار الظلامية فتزداد شروخ المكان، ما يجعل الشهيد أكثر نصاعة وصدقاً وتضحية من ضمائر هؤلاء ونواياهم الخبيثة. كأنّ قدر الفلسطيني أن يبتلع النار باسم الدفاع عن أرضه وبيته ومقدساته.
مرام تلك الحمامة البيضاء التهمها الثعلب على عجل، واسترعت حكاياتها المؤلمة شقيقها، فحمل حجراً وعصى ليفتح نافذة الاحلام المفقودة على مصيرهما الخشن.
 اقتبست الكاميرا صورة العمر المكسور على درج الأمل. بأن يوماً ما سيتناثر دمهما وينبت عشباً أخضر. لكن المستغرب الذي ليس مستغرباً من وحشية هؤلاء، كيف يمكن أن تتحرك يد القاتل في هذا الاتجاه لتقتل، كيف يمكن للمجرم أن يطبطب على قلب المقتول بخنجر مسموم بعد أن حولّ أوجاعه  الى بحر أحمر.
 يقطع الظلاميون جدائل الأمهات على طريق الغياب في يوم حزن طويل، كأن الموت شيء عادي لم تقرص يده خدود الشهداء، وكيف لنا أن نفرك أصابعنا على أسى الفراق وفي دواخلنا جدارية كبيرة لصور الشهداء منذ حطت أقدام الغزاة في حاراتنا وقرانا.
 في فترة الهدوء يقعقع صوت البنادق على صدور جنود الاحتلال ذوي الانياب الطويلة يثرثرون بألفاظ حاقدة تمهيداً لاقتناص أرواح جديدة في ساعات الفراغ.
 على خيط الموت في قلب النهار مشى الشقيقان يتتبعا شحوب الطريق المؤدي الى حاجز قلنديا المعزّز بكثبان الحقد والاحجار الصماء، عبرا كضوء تفاحة في عين العاصفة. في القدس المتعجّلة نهوض الأشجار على كتف التلال، في القدس التي غسلت بالزيت جدران الساعات منذ هطل مطر مؤلم على جسدين مترعين بفاكهة الغضب.
 مازال المشهد كقطع زجاج بداخلي، لا مكان للمنطق والمفاهيم أمام الرصاص المنهمر على العيون واللاءات المبحوحة في حناجر الطيور المدغدغة لوجوه العرائس الصغيرة بعد أن ضاقت بها الحياة. لهذا تصبح السياسة كلاماً فارغاً، وتسقط أمام حقيقة تقرع روح العالم الظالم الذي يرى ويشاهد ويخرس، ويغرق في أسفل مكان اسمنتي حيث هناك يرقد الموتى. حبل الظلم وصل الى الرئتين، وصل الى اصابع العميان وقلوب المرضى، وصل القبح الى قتل ارتعاشة في رموش العيون. ليس أسوأ من سكوت عواصم العالم أمام جرائم جنود الاحتلال الا الاحتلال نفسه، فكلاهما غارق في برودة خيانات كثيرة.


محمد سعيد