حوار:ف. ابو ياسر

يُعدُّ التعليم أهمَّ الخدمات التي تقدّمها الأونروا للاجئين الفلسطينيين في أقطار عملها الخمسة ومن بينها لبنان انطلاقاً من التزامها بالتنمية البشرية للاجئين الفلسطينيين وتمكينهم من المساهمة في تنمية مجتمعهم والمجتمع العالمي. وللإطّلاع على الواقع التربوي لمدارس الأونروا في لبنان بصورة عامة كان لمجلة "القدس" حوارٌ مع الخبير التربوي السابق في المكتب الإقليمي للأونروا في لبنان مسؤول الملف التربوي في اللجان الشعبية الفلسطينية في البقاع الباحث أحمد عيسى.


ما تقييمك الأولي للوضع التربوي في مدارس الأونروا في إقليم لبنان؟
الوضع التعليمي التعلُّمي في مدارس الأونروا في لبنان مازال يعاني من سياسة تقليص الخدمات التي أقرَّها المدير العام للأونروا في لبنان ماتياس شمالي الأمر الذي انعكس سلبيّاً على التحصيل العلمي للطلاب الفلسطينيين في مختلَف المراحل التعليمية وخصوصاً في الشهادات الرسمية المتوسّطة والثّانوية العامّة بكل فروعها، حيثُ أنَّ هذه السياسة التقليصية أدَّت إلى:
1. الاكتظاظ في الصفوف حتى وصل عدد الطلاب لأكثر من 50 طالباً في الغرفة الصفيّة الواحدة وهو ما انعكس بدوره على عدة صُعد إذ أفقدَ المعلِّم سلطة الإدارة الصفيّة من حيث متابعة عمل التلاميذ من فروض تعليمية وتصحيحها وتوجيه الطالب للإجابة الصحيحة بسبب ضيق الوقت وازدحام الطلاب على المقعد الواحد
2. نسف كل الخطط التدريبية التي وضعتها الأونروا للمعلِّمين والطلبة من تعليم وتعلُّم فاعل وتعلُّم نشط بحيث أصبح همُّ المعلِّم بالدرجة الأولى ضبط الحصة التعليمية وقياس مخرجات التعلُّم بحدوده الدنيا
3. إغراق الإدارة التربوية والمدارس والمعلِّمين بالعمل المكتبي التقريري بحيث أصبح العديد من مدراء المدارس يشكون من عبء العمل الإداري وضعف الإشراف التربوي للمدير كمشرف يقوّم أداء المعلّمين وتحصيل التلاميذ
4. بروز ظاهرة التذمُّر داخل الغرفة الصفية وفي ملعب المدرسة بسبب اكتظاظ الطلاب ما أدى في كثير من الأحيان الى ظاهرة التسرُّب المدرسي
ورغم الوضع المتردي نتيجة التقليصات عملت اللجان الشعبية على تجنيب المدارس حركة الإضرابات والاعتصامات لأنَّ كل يوم من التعطيل أو الإقفال يسبّب تدني مستوى التحصيل العلمي المطلوب من التلاميذ في الشهادات الرسمية إلى جانب الاستحقاق الكبير الذي ينتظر طلبتنا للدخول الى الجامعات بعد انهائهم الامتحانات الرسمية بنجاح، وهذا ما أدى لتفوّقٍ كبيرٍ لأبنائنا الطلاب بنسب عالية حيث كان طلابنا من الأوائل في الامتحانات الرسمية.


ما رأيك بالمناهج التعليمية المعتمَدة في مدارس الأونروا في لبنان؟
من المتعارَف عليه أنَّ إدارة الأونروا تلتزم بمناهج التعليم المقرَّرة في الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين ومنها لبنان، لكننا نجدُ مثلاً أنَّ مادة التاريخ المقرَّرة رسمياً من قِبَل وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان ضمن المنهاج المعتمَد في كل المدارس الرسميّة والخاصة ولكل المراحل التعليمية لا تُدرَّس في مناهج الأونروا كما هو مطلوب إلّا في صفوف الشهادات وذلك لأنّ الطلاب يمتحنون فيها في الامتحانات الرسمية، أي أنَّ هذه المادة التي تشكِّل ذاكرةً للشعوب والتي تؤسِّس لبناء جيل مثقّف ينتمي إلى وطنه وتاريخه لا تُدرَّس في المرحلتَين الابتدائية والمتوسطة ما عدا الصفَّين الثامن والتاسع وذلك استعدادًا لامتحانات الشهادة المتوسطة "البريفيه" علماً أنَّ مادة التاريخ في المرحلة الابتدائية للحلقة الثانية (صفوف الرابع والخامس والسادس) هي التي تُمكِّن الطالب من التعرُّف على الحضارات والشعوب والأقوام التي مرّت واستقرت في بلادنا، وغياب هذه المعلومات الأساسية بالتالي يشكّل ثغرةً منهجية كبيرة في ذاكرة الطلاب الفلسطينيين مقارنةً مع زملائهم التلاميذ في المدارس الخاصة والرسمية اللبنانية الذين يدرسون مادة التاريخ التي تشكّل قاعدة معلومات يستند إليها الطالب في المراحل التعليمية الأعلى.
من جهتها، تبرّر إدارة التعليم في الأونروا ذلك بعدم وجود كتاب رسمي صادر عن مركز البحوث والإنماء التابع لوزارة التربية والتعليم العالي في لبنان، ولكن المدارس الخاصة والرسمية في كل لبنان تدرِّس مادة التاريخ للمرحلتَين الابتدائية والمتوسطة وإذا كانت تعتمد كتباً غير صادرة عن مركز البحوث والإنماء لأسباب تتعلّق بعدم الاتفاق على إصدار كتاب تاريخ موحَّد صادر عن جمهوريّة لبنان فإنَّ هذا لا يُعفي إدارة التعليم في الأونروا من شطب وإلغاء مادة التاريخ ما يشكِّل ذاكرة عرجاء بل عمياء للطالب الفلسطيني. فلو أنّنا سألنا تلاميذنا في الصف الخامس الأساسي مثلاً عن العثمانيين والمعنيين والشهابيين وفخرالدين الثاني والسياسة العمرانية للأمير بشير ونظام القائمقاميتَين والمتصرفية ولمحة سريعة عن الحرب العالمية الأولى والثانية والاستقلال اللبناني، الخ، سيُصدمون بهذه المعلومات التي لا يملكون أدنى فكرة عنها في حين أنهم سيواجهونها في الصف التاسع الأساسي والصف الثاني عشر كونها مقرّرة للامتحانات الرسمية للصفَّين المذكورين، ولا داعي للدخول في التفاصيل لما هو مقرّر لمنهاج مادة التاريخ لكل سنة من السنوات السابقة التي تشكّل البنية الأساسية للمادة التاريخية والتي تشكّل الوعي التاريخي للطالب. ومن هذا المنظار فإنَّ إدارة الأونروا ملزَمة بتطبيق تدريس مادة التاريخ المقرّرة في وزارة التربية والتعليم العالي لإعداد تلاميذ يتمتعون بذاكرة تاريخية وطنية وقومية ومعرفية متوائمة مع بقية طلاب البلد المضيف، وهذا يتطلّب تزويد طلابنا في كافة السنوات المنهجية بكتُب التاريخ المقرَّرة رسمياً. وهنا تواجهنا مشكلة قديمة جديدة هي تكليف التلميذ بشراء كُتُب التاريخ المقرَّرة للصف التاسع الأساسي والثاني عشر على نفقته وهو الذي يشكو بالأساس من ضائقة مالية كبيرة، علماً أنَّ هذه الكتب كانت تُوزَّع سابقاً من قبل الأونروا.


يغيب تدريس جغرافية وتاريخ فلسطين أيضاً عن مدارس الأونروا، ما رأيك بذلك؟ وما هي تداعيات هذا الأمر؟
إذا كان هذا التهشيم للذاكرة التاريخية للطالب الفلسطيني يحدث عبر إلغاء تدريس مادة التاريخ في مدارس الأونروا فما بالك بتغييب مادة تاريخ وجغرافية فلسطين التي تشكِّل الذاكرة الوطنية والقومية لتلاميذنا في مدارس الأونروا؟! إنَّ أهمية تدريس مادة تاريخ فلسطين ومتابعة تحصيل التلاميذ لها ليس ترفًا فكرياً بل هو بناء شخصية فلسطينية تتمجّد بتاريخها. ولا بدَّ مِن شكر بعض الزملاء المدرّسين والمدراء والمشرفين التربويين الذين قاموا بجهد شخصي خاص لتدريس هذه المادة في مدارسنا رغم أنَّ إدارة التعليم في الأونروا لم تشر صراحة إلى تدريس هذه المادة في مدارسها، وكانت هذه المادة تُمرَّر تهريبًا وعنوة وتُتابَع من قِبَل اللجان الشعبية في المخيمّات. ولكن المطلوب من مدراء التعليم وإدارة التعليم في الأونروا ومركز التطوير التربوي التابع للأونروا بشكل خاص إعداد مادة تعليمية متخصّصة بتاريخ وجغرافية فلسطين (كتاب موحّد) بما يتناسب مع كل سنة منهجية من المراحل التعليمية الثلاث، ليُوزَّع بشكل رسمي على كل مدارس الأونروا في لبنان، بحيث يتم بناء فكر منهجي حول تاريخ وجغرافية فلسطين عبر العصور التاريخية المقرَّرة، ويتم تقويم هذه المادة عبر الامتحانات الشهرية والفصلية والنهائية. ومن واجب منظمة التحرير الفلسطينية عبر اللجان الشعبية في كل المخيمات وعبر أُناس يتمتعون بالمهنية والاحتراف تقييم تدريس هذه المادة بعد أن تكون قد أُعِدَّت ومتابعتها فعلياً، لأنّ من يلغي تاريخ القضية الفلسطينية يمحو وجودك ويدمِّر أجيالاً بإبعادها عن واقعها وتاريخ قضيتها. مع الإشارة إلى أنَّ بعض المشرفين في مركز التطوير التربوي الذين أشرفوا على تأليف كتاب تاريخ وجغرافية فلسطين عملوا على متابعة تدريسها في الأونروا إلا أنَّ تدريس هذه المادة حاليًا ليس كما هو مطلوب ويخضع لاستنسابيّة البعض في وضعها في البرامج المدرسية.


ما المقصود بمدونة السلوك؟ وما الفرق بين مدونة السلوك وقواعد السلوك؟ وكيف تُطبَّقَان في مدارس الأونروا؟
سعياً إلى تطوير الانضباط في المدارس أصدرت إدارة الأونروا ما يُعرَف بالتعليمات الفنية ET1/2008  التي عُرِفت فيما بعد بمدونة السلوك.
ووفق دراسة حديثة حول العنف ضد الأطفال تتطلَّب المنهجية المبنية على الحقوق والتي مركزها الطفل، فيما يتعلّق بالانضباط أن تكون هناك مدونة مقبولة من قِبَل جميع الأفراد الذين ينتمون الى مجتمع المدرسة، (تقرير "UNSG" (الأمانة العامة للأمم المتحدة) حول العنف ضد الأطفال 2008 الصفحة 108)، وبناءً عليه فإنَّ مدونة السلوك في مدارسنا هي وثيقة أساسية تحدِّد ما يلي: السلوكيات التي ترغب المدرسة بتشجيعها، السلوكيات غير المرغوبة والمخِلّة بالنظام والتي لا تقبلها المدرسة، الإجراءات الانضباطية التي ستُتَّخَذ عندما يتصرف أحد الطلبة بطريقة غير مقبولة سلوكياً.
 أمّا الفرق بين المدونة والقواعد فهو أنَّ مدونة السلوك تشجّع على تبني مجموعة من القيَم المشتركة، وتركِّز على أنواع السلوكيات المرغوبة والأعمال الواجب القيام بها وتهدف إلى تشجيع الانضباط الذاتي من خلال تبني السلوكيات المرغوبة، بينما تركّز القواعد السلوكية على السلوكيات السلبية أو غير المرغوبة لتحدّد الأمور التي لا يجب القيام بها والإجراءات المتّخَذة تجاه مرتكبيها، وتشجّع على الالتزام بسبب الخوف من العقوبة.


ما الفوائد التي تجنيها المدرسة من المدونة؟ ومَن يشارك في إعدادها؟
أبرز فوائدها:
أ‌. تُعلِّم الطلبة تحمُّل مسؤولية أعمالهم
ب‌. تُنمّي لدى الطلبة الإحساس بالانتماء للمجتمع من خلال ممارسة الاحترام المتبادَل للحقوق والمسؤوليات
ت‌. تسهم عبرها كافة المجموعات في المجتمع المدرسي في تأسيس بيئة آمنة ومنضبطة وتعمل في بيئة ذات أهداف نافعة ومفيدة وتساعد على تشكيل بيئة تعلُّم فاعلة
ث‌. تدفع الطلبة لتبني سلوكيات ايجابية تساعدهم على النمو ليصبحوا راشدين لديهم الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية
ج‌. تعمل للمحافظة على حقوق الآخرين، وإعداد مجتمع تعليمي تعلمي فاعل يشجِّع الانضباط الداخلي لدى الطلبة وبيئة المجتمع المدرسي
 ويتم وضع مدونة السلوك في مدارسنا بعد قيام مدير المدرسة بمراجعة كافة المواد المرجعية الموجودة في حزمة أدوات مدونة السلوك، ثُمَّ يعقد اجتماعات لأولياء الأمور والمجتمع المحلي للمدرسة شارحاً أهمية الوعي لمضمون المدونة وتشكيل لجنة لصياغتها، ويتم تقديم تقرير تفصيلي حول تشكيل لجنة الصياغة للمدونة الخاصة بالمدرسة لمدير التعليم في المنطقة في مدة زمنية لا تزيد عن الشهرين من تاريخ البدء.
أمّا المشاركون في وضعها فهُم مدراء المدارس والمدراء المساعدون والمعلِّمون وأولياء أمور الطلبة وممثّلون عن المجتمع المحلي بالإضافة إلى القادة الدينيين واللجان الشعبية وأصحاب الكفاءة والاختصاص، وهنا لابد من الإشارة الى أمور يجب أخذها بعين الاعتبار وهي رؤية الأونروا حول موضوع الانضباط والغرض من مدونة السلوك وأهمية وجودها وتطبيقها في المدارس وأهمية معرفة الطلبة والمجتمع المحلي بالمضمون الحقيقي لمدونة السلوك، وهذا طرحَ تساؤلات حول تحديد الأدوار والمسؤوليات وعلى مَن تقع مسؤولية تعزيز الانضباط داخل حرم المدرسة وتوقعات المدرسة بالأدوار في حال توفر الدعم للمدونة السلوكية، ومن خلال ما تقدَّم ومن خلال الوضع التعليمي في مدارسنا على الأرض هل تُطبّق مدارس الأونروا مدونة السلوك كما يجب أم أنها تعود لتطبق القواعد السلوكية في مدارسها (العقاب)؟


ما هو تقييمكم للعام الدراسي الحالي في ظل التقليصات والفوضى الإدارية؟
بدأت مدارس الأونروا عامها الدراسي الحالي في 1/9/2016 متلازماً مع سلبيّتَين لهما فعلهما على سير العام الدراسي كما يجب. السلبية الأولى هي النقص الشديد في توظيف المدرِّسين لملء لشواغر في مدارسنا، والسلبية الثانية أنَّ بعض المدارس ما زالت تخضع لأعمال الصيانة والترميم ومستلزمات البناء بقيت في ملاعب المدارس ما أدّى لحدوث بعض الإصابات بين التلاميذ، وكان الأحرى بالإدارة التعليمية في لبنان والموارد البشرية تأمين كادر تعليمي كفؤ قبل بداية العام الدراسي وإنهاء ورش الصيانة خلال العطلة الصيفية، وعلاوةً على ذلك كيف يمكن تطبيق مدونة السلوك في المدرسة وكيف يمكن للمدير والمعلِّم القيام بواجباتهم الوظيفية والتعليمية في ظل اكتظاظ التلاميذ الذي يصل لـ50 طالباً في الغرفة الصفية الواحدة؟! وهناك حالة من الضياع ما بين تعليمات إدارة المدرسة والتخلّي عن الانضباط والسلوك السليم للتعاون مع الطلبة مما يوجد جوًا وبيئة غير محفّزة للتعليم والتعلُّم، ويتسبّب بسياسة تسرب الطلاب وغربلتهم وخصوصًا في المرحلتَين المتوسطة والثانوية، والسبب عدم اعتماد الانفتاح الإيجابي بين الإدارات المدرسية والمعلِّمين من جهة والتلاميذ وأولياء الأمور وأعضاء المجتمع المحلي من جهة أخرى، وهذا يفرض علينا أن نطالب إدارات المدارس والمعلّمين بعدالة التعامل بين التلاميذ وعدم التمييز بين التلاميذ داخل المدرسة.