في خطابه التاريخي بامتياز امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحادية والسبعين، يوم الخميس الماضي، فإن الرئيس ابو مازن قد اثار الإنتباه بقوة الى الحقائق الأساسية للقضية الفلسطينية في المئة سنة الأخيرة، ابتداء من وعد بلفور المشؤوم الذي اعطته بريطانيا العظمى في ذلك الوقت للحركة الصهيونية فكان الجذر لما حدث من مآسي لشعبنا منذ ذلك الوقت حتى الآن، مرورا بقرار التقسيم رقم 181 الصادر عن مجلس الأمن ومسؤولية مجلس الأمن الحالية في العودة الى تحمل مسؤولياته تجاه هذا القرار، وصولا الى الرد الواضح والحاسم على هرطقات نتنياهو التي يكررها الآن كما لو انه يتحدث امام النخب السياسية الإسرائيلية التي يضعها على يمينه وقت ما يريد ويحولها الى اصفار على الشمال حين يشاء، وادعائه الذي يدخل في باب الهرطقة العبثية بأن القيادة الشرعية الفلسطينية تمارس التطهير العرقي ضد اليهود حين تطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن ارض دولتنا الفلسطينية، أو إدعائه المفضوح أن المستوطنات الإسرائيلية المفامة فوق ارضنا لم تكن مشكلة ولا تشكل عقبة في طريق الحل، منكرا أن الاستيطان هو ابشع تجليات الاحتلال، بل ان الاستيطان هو الاحتلال نفسه.

والخطاب من أوله لآخره من اهم الوثائق السياسية العربية التي قدمت أمام الجمعية العامة في العقد الأخير، وخاصة في السنوات الست الأخيرة التي غرق فيها العرب بمشاكلهم وخصوماتهم واحقادهم التاريخية لدرجة افقدتهم كل وزن واصبحوا معرضين الى تهديد وجودي لدولهم وبدأ كثير منهم يتسابق للتطبيع المجاني مع اسرائيل تحت وهم تأمين هذا الوجود، وانجراف بعضهم الأكثر هشاشة الى تعميق الانقسام الفلسطيني وتشجيع الانشقاقات الفلسطينية متناسين أن القيادة الفلسطينية تراهن دائما على يقين شعبها البطل، وان الانشقاقات التي جرت قبل ذلك سقطت جميعها بينما كانت مدعومة من أقوى الأنظمة العربية، فكيف الآن وسماسرة الانشقاقات مكشوفون تماما يعملون باستسلام كامل مع الاحتلال الاسرائيلي ولا شيء سيحميهم من الطوفان حين يجيء.

وشعبنا الفلسطيني الذي يتقدم بقضيته رغم كل الصعوبات لديه دائما خيار الحد الأقصى ضد هؤلاء اللاعبين الصغار! فحذاري من الانجرار الى الوهم وحذاري من السقوط في مستنقع الخيانة المجانية.

أما نتنياهو فهو بارع جدا في خداع شعبه وتطويع النخب الإسرائيلية لصالح هرطقاته، ولكنه لا يستطيع ان يخدع العالم ولا يستطيع ان يتبرأ من جرائمه الفادحة ضد الشعب الفلسطيني.