بسم الله الرحمن الرحيم

كانَ خطاب الرئيس أبو مازن قائد حركة "فتح"، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ورئيس دولة فلسطين مميّزاً من حيث الجرأة، والموضوعية، ووضعَ النقاط على الحروف بعيداً عن المجاملات أو العبارات الإنشائية. ونستطيع القول أنَّ خطاب الرئيس فنَّد وفضحَ كافة المزاعم والادعاءات والأكاذيب "الإسرائيلية" فالسلام والاستيطان ضدّان لا يلتقيان، والاحتلال اختار الاستيطان لأنَّه يؤمن بالعدوان.

والشعب الفلسطيني الذي أعلن التزامه بقرارات الشرعية الدولية، لن يقبل باستمرار سياسة الإعدامات اليومية، وهدم المنازل، وانتهاك المقدسات، وهو يمتلك القدرة على تغيير الواقع، وقلب المعادلة.

 ولا شكَّ أنَّ الاحتلال الصهيوني الذي دمَّر اتفاقَ اوسلو، وحلَّ الدولتَين، وأصرَّ على الاستيطان يدرك تماماً أنه ينسف قرارات الشرعية الدولية.

 وجاء الرد واضحاً من الرئيس أبو مازن بأنَّ معركتنا الحالية هي ضد الاستيطان والمستوطنين، وأنّنا سنُجنِّد القوى والمؤسّسات الدولية لدعم مشروع القرار الفلسطيني القاضي بوقف الاستيطان، لقد باتَ واضحاً في الرؤية المستقبلة الفلسطينية بأنَّ ما تمَّ في اتفاق اوسلو من اعترافات متبادَلة لن تستمر في ظل غياب الاعتراف الإسرائيلي بالدولة الفلسطينية التي اعترفت بها (138) دولة مقابل معارضة (9) دول فقط. ونحن نفهم بأن ترجمة الاعتراف الإسرائيلي بدولة فلسطين يعني إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية، كما أنَّ جرائم العدو الإسرائيلي ومستوطنيه لن تمرَّ بدون عقاب، وعلى المجتمع الدولي أن يتحمَّل مسؤولياته كاملة وخاصة تأمين حماية الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلَّة بقرار أُمَمي واضح لوقف نزيف الدم الفلسطيني.

قمةُ الجرأة والواقعية كانت في تحميل بريطانيا المسؤولية التاريخية والقانونية والسياسية والمادية والمعنوية لنتائج الوعد المشؤوم الذي تبنّته بريطانيا بإقامة الكيان الصهيوني على أرضنا التاريخية، وهي التي قدَّمت الدعم العسكري والسياسي والإعلامي للعصابات الصهيونية كي ترتكب الجرائم بحق أهلنا في فلسطين.

 كما أكّد ضرورة قيام بريطانيا بتقديم الاعتذار من الشعب الفلسطيني جرّاء النكبة التي أصابته بسبب تداعيات النكبة ومآسيها. كذلك ذكَّر بأنَّ بريطانيا عليها تصحيح الخطأ الجسيم والتاريخي الذي ارتكبَتهُ وذلك من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية.

أمّا رسالة الرئيس إلى الكيان الصهيوني فهي واضحة كل الوضوح بأن مفتاح الحل في المنطقة وإنهاء الصراع الحالي في الأراضي المحتلَّة يستوجب المواقف الواضحة من الاحتلال وأهمها الاعتراف الرسمي بأنه هو الذي سبَّب النكبة للشعب الفلسطيني بكل أضرارها المدمِّرة والتي ما زالت مستمرة منذ تسعة وستين عاماً.

وإذا لم يحصل هذا الاعتراف، والاستعداد لتصحيح الخطأ، فإنَّ الوضع سيبقى متفجّراً، ولن يكون هناك استقرار أو سلام طالما شعبنا يدفع الثمن باهظاً في الداخل والشتات بسبب الهيمنة الصهيونية والامبريالية على قرار الأمن والسلام المفقود في المنطقة.

 إنَّ أبرز مواقف الرئيس أبو مازن الحاسمة والجريئة تجسَّدت في حشر المجتمع الدولي في زاوية الإحراج والفضيحة السياسية، واستبعاد كافة التبريرات العرجاء، وكان ذلك من خلال جملة قصيرة "إنَّ مَن يؤمن بحل الدولتَين عليه أن يعترف بهما وليس بدولة واحدة"، أي أنَّ المجتمع الدولي منحازٌ إلى الاحتلال الإسرائيلي، وهو يخون القيَم والمبادئ التي كرَّست العدالة والشرعية الدولية. والطّامة الكبرى أنَّ مجلس الأمن يتناسى أن هناك شعباً شُرِّد من أرضه، وما زال مشتّتاً وأرضهُ محتلَّة، وهو آخر احتلال في العالم. فهل يمتلك العالم الجرأة ليعترف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس؟ أم أنّه سيظل أسير الرغبات والإملاءات الإسرائيلية؟

الرئيس أبو مازن وجَّه الصفعة القوية إلى الأمم المتحدة والهيئات الدولية عندما ذكَّرهم بجريمة التقسيم، والقرار (181) العام 1947، عندما تواطأت مجموعة من دول العالم النافذة والاستعمارية، وقرَّرت منحَ الصهاينة الذين جاؤوا مهاجرين من الخارج كياناً عدوانياً، واقتلاعياً، ودموياً، وعنصرياً على أرض فلسطين، وتهجير أهلها منها، وتشريدهم في كل مناحي الأرض. هذا الوعد الظالم للحركة الصهيونية من قِبَل بريطانيا على حسابنا مازال قائماً.

أمَّا الرد الوطني الفلسطيني على مُجمَل هذه المؤامرات، وعلى عملية العدوان والتواطؤ، والغدر، ومسلسل الجرائم والاعدامات، والعذابات فقد تجسَّد في  إصرار الرئيس أبو مازن على اعتماد العام 2017 عاماً لإنهاء الاحتلال الإسرئيلي لأرضنا وشعبنا، ولتبنّي قرار جديد بعد قرار رفع مكانة فلسطين، وقرار رفع عَلم دولة فلسطين، وهو إزالة الاحتلال.

نستطيع القول أنَّ خطاب الرئيس أبو مازن في الجمعية العمومية شكَّل خطة طريق واضحة، وجريئة مع تناول كافة المحطات التاريخية والبارزة، والتداعيات الخطيرة عبر سنوات النكبة، ثم اعتماد الأُسس المطلوبة لمعالجة مأساة الشعب الفلسطيني، وانتشاله من وحل الاحتلال إلى رحابة الاستقلال، ليعيش كباقي الشعوب حراً في دولة ذات سيادة.

كل التحية لك سيادة الرئيس فأنت اليوم رجل الثوابت الوطنية، وأنت رجل القرار المستقل، وأنت صاحب الرؤية الوطنية، ترفض المساومة، وتصرُّ على التحدي، ثقتنا بكم كبيرة، ونحن خلفكم كلنا إيمانٌ وثقة بمدرسة ياسر عرفات التي لم تساوم عبر تاريخ الثورة، ولن تساوم، والنصر آتٍ بإذن الله.

كل التحية لشعبنا الفسطيني في الداخل والشتات،كل التحية لقوافل الشهداء، وأهالي الشهداء. وكلنا  فخر واعتزاز بأسرانا البواسل في الزنازين والمعتقلات، والنصر لإرادتهم الثورية وصبرهم الذي لا ينفد، وإنها لثورة حتى النصر.

قيادة حركة "فتح" إقليم لبنان

23-9-2016