خاص مجلة "القدس" العدد 329 اب 2016
تحقيق- وليد درباس


التربية المختصّة تقنيةٌ علميةٌ تربويّةٌ في العمل المجتمعي، وتقوم على أساس تدخـُّل ذوي الاختصاص، وبشكل مُبكـر، والتعاطي مـع أصحاب الاحتياجات والقصور في العديد من المناحي والصعـد، وتراعي بذات الوقت القـدرات وتنحو لتنميـة المهارات. ويمكن الاستدلال على ما سبـق ولمسه من خلال تدخُّل مـركـز الاستماع في تفاصيل برنامج التربية المختصّة داخـل رياض الأطفال التابعة بشكل خاص لفرع الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في لبنان.

تأسيس ومهـام مركـز التربية المختصـّة
يُعدُّ مركـز التربية المختصة الـذي أقامه اتحاد المرأة في تجمُّع المعشوق بضواحي مدينة صور في جنوب لبنان العام 2010 بتمويل مشكور من جمعية العون الطبي البريطانية للفلسطينيين "MAP- Uk" ترسيخاً وامتـداداً لنجاح برنامج مركـز الاستماع الذي افتتحهُ الاتحاد العام 2006 في مخيّم عين الحلـوة بـدعـم وتمويل من منظمة اليونيسيف مشكورة.
وتوضح مسؤولة برنامج الاستماع والتربية المختصة للاتحاد في لبنان السيدة "رانيا سليمان" أّن وجـود العديد من المخيمات والتجمّعات الفلسطينية في منطقة صور وفيها سبع دور رياض أطفال تابعة للاتحاد، موزّعة في كلٍّ من (القاسمية، شبريحا، البص، المعشوق، البرج الشمالي، الرشيدية) وتضم ما يزيـد عـن 800 طفل فلسطيني، هـم بدون شك بحاجة للرعاية والاهتمام والتوعية والإرشاد، وبينهم عشرات الأطفال بحاجة للتدخـُّل المبكر (34 طفلاً على المستوى النفسي التربوي، و27 على مستوى التربية المختصّة، و21 على مستوى صعوبات في النطق... الـخ)، إضافةً إلى حاجة باقي المكوّنات التربوية من مربّيات ومشرفات الرياض وصولاً حتى أُمّهات الأطفال الماسّة للتوعية والإرشاد، علماً أنَّ برنامج الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية وحتى حينه استهدف 1194 حالة نسوية على صعيد مخيمات لبنان، علاوة على حاجة آخـرين من أفراد المجتمع المحلي للرعاية والتوعية، أمـورٌ استدعت في مجملها وجـود مركـز التربية المختصة.
وتضيف: "كان من المفترَض أن يطال برنامج المركز أيضاً التدخُـل مع الأطفال على المستوى الطبي لقناعتنا التامـة بأنَّ العلوم والاختصاصات تتقاطع في نهاية المطاف لتوفير خدمة التدخُّـل الأنجـع عموماً وعلى صعيـد الرياض خصوصاً. ولكن لاعتباراتٍ مـا لـم يُفـرَد عنوان خاص بالتدخل الطبي  ضمن أجندة المركـز إبان تأسيسه في مخيم البص قُبيلَ نقل المركز فيما بعد إلى المعشوق، وباتَ من المتعـذّر بحينه إيجاد جهة تمويل الخدمة الطبية إيّاها، وترتّب على ذلك الحـد من مجال تقديمات المركز للأطفال".
هـذا وتسجّل سليمان ارتياحها لاضطلاع الأخصّائيّات والعاملات الاجتماعيات في المركز بالمسؤوليات المناطة بهن وأكثر رغـم الظروف الصعبة للعمل ومنها بحسب سليمان "وجود كمٍّ كبيرٍ من الأطفال بالرياض، وعـدد لا يستهان به من حالات القصور، وكون عـدد الأخصائيات دون الطموح ومتطلبات العمل، ناهيكم عن ظاهرة التوزع الجغرافي للرياض". وتردف "المركـز أيضاً قـدّم خدماتـه بالمجّان تماشياً مع السياسة الحمائية للطفل باعتبار أنّ البرنامج بات يتلقى مساندة ودعم منظمة اليونيسيف بعـد توقُّف قناة دعم الـ"MAP-Uk"، وإن بشكل جزئي ودون الطموح ومتطلّبات البرنامج".
وتختم مدربـة المهارات الحياتية السيدة رانيا سليمان حديثها بالقول: "لا شيء أقدرُ على تغيير الواقع من الوعي، ما يتطلَّب أن نعمل في المرحلة القادمـة على بـذل المزيد من الرعاية بهذا الجانب وإيلاء مكوّناته الاهتمام اللازم من تواصل مع الرياض، وتنظيم الدورات للمربّيات وحلقات الدعـم للأُمَّهات بذات المنحى التربوي لجهة تفهمهن للأطفال وتقبُّلهن وتعريفهن بالأساليب السليمة للتعاطي مع الأطفال وغيرها". ولا تنسى سليمان أن تلفـت نظر القيّمين على الاتحاد للنحـو باتجاه العمل على توفير قنوات الـدعـم والتمويل اللازم، ولكن بدون إغفال سـياسـة الاعتماد على الـذات.
طـاقـم المركـز وآلية العمل
يتكوّن طاقـمُ عمل المركـز من ست أخصّائيات وعاملات اجتماعيات تتوزّع  مهامهن ما بيـن (أخصائية علاج نفسي تربوي، مدرّبة مهارات حياتية، أخصائية نفسية، معالجـة نطـق، أخصائية تربية مختصة، عاملة اجتماعية، برمجة وتوثيق وإعلام) وجميعهن يحملن شهادات جامعية ومؤهلات في مجال التربية المختصة وكيفية تقديم الخدمـة الأفضـل استناداً لكل تخصّص.
ومـع بداية العام التربوي وبالتنسيق مع الرياض التابعة للاتحاد تجول الأخصائيات على الرياض، وتزوِّدها بالاستمارات الخاصة بالأطفال "البروفايل"، وتعرّف المربيات والمشرفات بأجنـدة وعناوين الاستمارة، وعبر المربّيات يتم التعاون والتنسيق لجهة حث ذوي الأطفال على المشاركة والمساعـدة بملء الاستمارات بالمعلومات المطلوبة عـن أحـوال أطفالهم العقلية، والجسدية، والنفسية والاجتماعية والسلوكية في إطار العائلة وخارج البيت، إلى جانب دور المربّيات بتدوين مشاهداتهن وملاحظاتهن عن الأطفال داخل الغرف الصفية وخارجها. وفي المرحلة التالية تطّلِـع أخصائيات مركز التربية المختصة على الاستمارات وعلى ضوئه يتم تشخيص ماهيـة القصور أو الصعوبات لـدى الأطفال (قصور في: النطق، السمع، النظر، الأعصاب، القراءة، الكتابة؛ قلق، اكتئاب، مشكلات علائقية، اضطراب نفسي...)، ويعمد المركز لوضع ذوي الأطفال بماهية القصور لدى أطفالهم، ويكون تدخُّلُ أخصائية المركـز لعلاج الطفل مشروطاً بموافقة ذوي الطفل، تحسُّباً من المساءلة حيث أنَّ بعض الأهالي لا يعترفون بوجود قصور لـدى أطفالهم، والبعض الآخـر يرفض حتى المساعدة بملء استمارة الطفل.
عـطـاءٌ وتفـانٍ رغـم الصعوبات
يتحلّى العاملون في الوسـط الخاص بالأطفال عموماً بخاصية إنسانية تميّزهـم عن سواهم، وينفـرد العاملون مع ذوي الاحتياجات الخاصة بخاصية الاندفاع والتحلّي بالتصميم والإرادة في مواجهة التحديات.
الأخصائية صابرين أبـو العينين (دبلوم تربية)
"يعاني ذوو الصعوبات في رياض الأطفال من نوعين من القصور. الأول، قصور طبيعي. والثاني قصور جرّاء تعرض الطفل لظـرف مـا وقتي"، تقول صابرين، وتضيف: "نتعاطى مـع الحالات عبر تقديم التوصية لمعلّمات الرياض وإرشادهـن إلى المنهجية والأسلوب السليمين كونهن على تماسٍ مباشـر مع الأطفال. ومن جهة ثانية كأخصائية تربوية أقوم أنا وزميلاتي من أخصائيات المركز بتنظيم جلسات فردية للعلاج مع الأطفال ذوي الصعوبات داخل الروضة، ونتابع حالات الأطفال، ونقيّم تقبُّلهم للعلاج.. وغالباً ما تأخذ الأمور منحى إيجابياً"، وتزيـد "مضى على عملي مع الاتحاد قرابة ثماني سنوات تعاطيت خلالها مع أكثر من 120 حالة قصور، والحمد لله النتائج مُرضية".
وتنوّه للتدخُّل الملموس في حالات من يعانون صعوبات في خاصية نقص الانتباه وفرط النشاط "ADHD"، فتقول: "نقوم بإدخال تغييرات في محيط الغرفة الصفية مصحوبةً بتغيير مكان جلوس الطفل إياه، ومع حالات أخرى نُدخِل للغرف الصفية ألعاباً محدّدة بعينها للفت الانتباه وتنمية خاصية الملاحظـة وإنعاش الذاكـرة أيضاً، ومع حالات القصور النظري نلجأ لاستخدام وسائل إيضاح معيّنة وملوّنة، ومع ذوي الصعوبات العصبية كصعوبة الإمساك بالقلم والكتابة نستخدم المعجون، وندفـع الأطفال لقص الورق والكورنيش الملوّن وما شابه... الـخ ما ينمّي بذات الوقت قدراتهم في الاكتشاف".
فاطمـة دقمـاق (أخصائية علم نفس تربوي)
ترى بالقصور نتاج عوامل وراثية وبشكل خاص حالات التأخُّر الذهني، وتحتل الأخيرة وفـق مشاهداتها وملموساتها الحيّز الأوسع في حالات القصور، تحدّياً أساسيّاً للتعاطي مع حالات القصور، ومن جهة أخـرى ترى بالتّموضع الجغرافي الواسع للرياض مصحوباً بعدم تمكُّن الأهالي من اصطحاب أطفالهم لتلقي العلاج في المركز بسبب سـوء أوضاعهم الاقتصادية مبرِّراً موضوعياً يدفع بالأخصائيات لجدولة برامج عملهن بما يمكّنهن من التواصل مع كافـة حالات القصور بهذه الروضة أو تلك، الأمـر الـذي يحـد ويقلّص عـدد الجلسات المطلوبة للتعاطي مع هذه الحالات، ويتسبّب بـذات الوقت بإطالة الفترة الزمنية بين الجلسة والأخرى، ويترتّب عليه أن تتحمّل المربّيات مسؤوليات إضافية في متابعة الحالات داخل الرياض كونهن على تماسٍ مباشر مع الأطفال حتى وإن وفـق التوجيهات وإرشادات الأخصائيات، وعطفاً عليه تؤكـد لـزوم توفير كافـة مقومات التوصيف الصفي في الرياض. وتقول "رغـم الصعوبات عموماً نحقّق نتائج تتراوح ما بين الجيّـد والجيّد جـداً. نحن ننظِّم ورشات تدريبية للمربّيات في الرياض كافة بهدف إرساء أساليب ومفاهيم علم النفس التربوي السليمة وتمكينهن من ضبط وإدارة الغرف الصفية بجدارة من جهة، كما ننظِّم ورشات توعية للأُمّهات من جهة ثانية، وهناك تفهُّم وتفاعل واهتمام من قِبَل الأهالي، ونلمس رغبتهم في حضور الحلقات واكتساب المعرفة.. والمسموعات ايجابية"، ودليلها إلى ذلك تزايد إقبال الأُمّهات على المشاركة وطرح الأسئلة والاستفسار بل والتباهي بين الأُخريات بمشاركتهن. كما تنوّه إلى أنَّ بعض حالات القصور بحاجة للمتابعة من قِبَل العيادات التخصصية الخارجية، وتستشهـد بحالة طفل يعاني إعاقـة عقلية وبمستوى متقدّم وبحاجة ماسّـة لفريق تخصُّصي كامل.
من ناحية أخرى، تتمنّى دقماق، والتي مضى على عملها في مجال التربية والتعليم 23 عاماً وتتهيّأ لتقديم الدكتوراه، تفعيل العمل الدعائي للتعريف والترويج للمركـز وإن كان بإطار الاستعانة بالوسائل الإعلامية المتاحة.
سـوزان السعـدي (أخصائية عـلاج النطق)
تُتابعُ الأطفال ذوي الصعوبات في النطق داخل المركز، وتبرمجُ زياراتها العلاجية داخـل روضات الاتحاد السبع في منطقة صور استناداً لمبـدأ الدورية وبالتنسيق مع المربّيات.
العاملـة الاجتماعية ريهام خليل
تسهر على مراقبـة وتقييم السجل التراكمي لأطفال رياض الاتحاد السبع في منطقة صور، وبينهم ذوو الصعوبات، وتبـدي توصياتها استناداً لجميع التطورات الحاصلة على حالة الطفل، وفق حديثها، وبالاتجاهين السلبي والايجابي، وتتولّى أيضاً مسؤوليات التوثيق وملف الإعلام.
وتنقـل خليل ارتياح العاملين في المؤسسات التربوية في الجوار اللبناني تجاه آليـة عمل المركز مع الأطفال وتقديرهم لعلو المسؤولية ودقة التنظيـم التي يقدِّمونها لأطفال المركـز، وتختـم بالقول: "نشكّل في المركز كأخصائيات وعاملات اجتماعيات فريقَ عمل واحـد كامل متكامل، وغياب أحـد ما لسبب طارئ لا يؤثّر على انتظام سير العمل".
العاملة الاجتماعية دلال المصطفى
واكبت عمل المركز منذ تأسيسـه، تساعـد الأخصائيات في تنظيم ومتابعة "بروفايلات" الأطفال عبر الحاسوب. وترد المصطفى أهمية المركز لاستهدافـه أطفال المخيمات الذين يتعرّضون لأصناف عديدة من الصعوبات والعذابات ومنها الفقر والخوف وغيرها، وتستشهـد بالتحسُّن الملحوظ الذي طرأ على حالة أحد الأطفال من أهالي القاسمية (أ.ش، سبع سنوات) ممن يعانون من صعوبة "ADHD".