بقلم:بكر ابو بكر
خاص مجلة "القدس" العدد 329 اب 2016

من السهل أن يعدّد الكثيرون مجموعة من الأسباب يحددون بها مواقع الزلل والخلل في أمر ما أو مسار شخص أو جهة ما، أو يشيرون بأصابعهم إلى مواضع الخطأ والتراجع والخسران، وذلك لطبيعة هذا الإنسان الذي يلبس النظارة السوداء فلا يرى إلا اللون الواحد، وعندما تفاجئه أنت بالقول: نعم، هناك نواقص وأخطاء و"لكن"، يقول لك: رجاء أن تعدم هذه "اللاكن"! حيث لا يريد أن يرى من الصورة إلا السلبي منها فقط، فيريح ذاته من عناء التفكير والعمل الجاد للتطوير.
حركة فتح
نحن وبلا هذه ال"لكن"، على يقين من عديد الأسباب التي تجعلنا لا نضع على بطاقة التعريف السياسية لنا إلا اسم حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح، وأن كنا قد مارسنا بحسب المسؤولية التاريخية التي نتحملها حريتنا في النقد والاعتراض والديمقراطية والإشارة لمواطن الخلل في كل مناسبة، وللموقف الذي نخالفه، وفي كل محفل، وحيث لكل مقام مقال فإننا أيضا لم نغمط أحدا حقه على وجه العموم، فكيف لنا أن ننتقص من حق حركة فتح على الثورة العالمية وعلى المحيط العربي برمته وعلى فلسطين... وعلينا!؟
بلا لكن
ألسنا حين نُنكِر الفضل نكون بذلك أبناء قساة عاقين؟ وكما دأب أحدهم يتطاول مؤخرا بقسوة على هذه الحركة العملاقة لحقد دفين في ذاته وأسانيد خرافية في أحلامه، يمزج فيها بين فهمه المتعطل للدين وبين دفائن بُغضه، فيعبّر بما نهى الله ورسوله عليه السلام عنه من شدة خصومه شتما ولعنا وطعنا وبذاءة؟.
نحن وبلا (لكن) نستطيع وبكل ثقة أن نحدد ملامح إيماننا والتصاقنا الحر بحركة فتح، حركة فتح الفكرة الناهضة والصاعدة والابداعية والمتجددة، وحركة فتح التضحيات الجسام.
حركة فتح الشعب الواحد بلا تصنيف، وحركة فتح الفكر المدني والمنهج المستنير، حركة فتح العمل والبناء والتنمية لا تريد حمدا ولا شكورا، ولا تمن على أحد بثقل انجازاتها المشهودة.
حركة فتح المحبة والديمقراطية، حركة فتح الثورة والجهاد والنضال بكافة أشكاله، وحركة فتح الشيوخ والشبيبة والمرأة الحامية، وحركة فتح الصدر الرحب المتسامح حتى مع ألد الخصوم، وحركة فتح التي لم توجه بندقيتها أبدا إلا في وجه العدو الصهيوني الذي يحتل أرضنا السليبة فلسطين.
فلسطين القدس
يتقدس أسم فلسطين ويعلو بحيث لا يطاله اسم آخر، بل ولا يجرؤ أن يقترب منه، عندما تتحدث حركة فتح عن فلسطيننا، عن قدسنا، عن حيفا ويافا والناصرة ورام الله وغزة ورفح وطبريا فلست بوارد أن أضع في أولوياتي رقم 2 ورقم 3 ورقم 4 سوى تحرير فلسطين، وهكذا هي "الوطنية" في حركة فتح لا تقبل شريكا ولا منازعا ولا منافسا، ومن هنا جاء "التخصيص" في العمل لفلسطين و"التركيز للجهد" من أجلها فقط و"الأولوية" حتى لا ثاني لها.
شعب غير منقسم
حركة فتح هي حركة الشعب الواحد الذي لا يصنف استنادا للضمائر والظن، ولا يقسم هذا الشعب بين مؤمن وغير مؤمن، أو مسلم فئة (أ) و مسلم فئة (ب) هو مرتد أو علماني أو كافر أو ضال ألا ساء ما يصنعون! كما لا تقسم المسيحيين على ذات النمط، فالكل فلسطيني والكل مؤمن، ومهما كانت درجة ايمانه فهذا مقياسه عند الله سبحانه وتعالى، بلا حصرية لفئة أو إقصاء لأخرى، وحركة فتح حركة الإيمان في مسار حضارتنا العربية الإسلامية دون غلو أو تطرف، وبلا تهاون أو تزلّف.
لذا نحن فرسان العقل في حضارتنا العربية الاسلامية.
فتح السلاح المُشرَع
إن حركة فتح هي حركة السلاح الموجه فقط نحو العدو ، فهي الحركة التي  أدارت ظهرها طويلا للحرب مع الشقيق حتى سبقتها مدافع الجيش السوري إلى طرابلس (عام 1983)، ولم تواجه الانقلاب الدموي لفصيل "حماس" عام 2007 حقنا للدماء ورفضا لقتال المسلم للمسلم والفلسطيني للفلسطيني والعربي للعربي.
حركة فتح حامية الشرعية الفلسطينية تسيدت خنادق المواجهة ضد العدو في كل المجالات العسكرية والسياسية والاجتماعية والقانونية والثقافية والتاريخية، ولم تهمل الدفاع عن القرار الوطني الفلسطيني المستقل  ضد تجار الدم والشعارات في أمة العرب.
فتح رفضت الاقتتال كما يتقاتل الأكباش من التنظيمات الاسلاموية المتطرفة في مواجهة بعضهم البعض لا يعرفون حُرمات الله اليوم لا في العراق ولا سوريا ولا ليبيا ولا سيناء ولا اليمن...، ويحلّلون قتل بعضهم البعض ما سبّب لهذه الأمة ولمدعي الانتساب لهذا الدين العظيم الخزي والعار، هو ذاته خزي وعار الانقلابيين في غزة الذي سيلاحقهم إلى الأبد.
حركة فتح امتشقت السلاح منذ الفجر، ورصاصاتها موجّهة لقلب العدو الصهيوني المحتل فقط، فهي لا تعرف عنوانا آخر لذلك، يخشونها فلا يردع عاصفتها إلا تحرير فلسطين، كل فلسطين أمنا وتاريخنا وروايتنا الحقيقية، مهما كان سياق الفهم السياسي المرحلي.
في دروب السياسة
حركة فتح عندما تتسلق درج أودروب السياسة الصعبة لا تداور ولا تكذب ولا تمالئ ولا تتزلف أحدا أو دولة أو قوة خارجية بل تتجه مباشرة إلى الهدف، فتضرب حيث وجب، وتفاوض بكل أمانة وثقة وليس كما يهرف ويخرّف ذاك الهزيل الفكر.
وعندما تتوقف حركة فتح لتتبصر وتتأمل وتنتقد نفسها وتصحح وتخطط وتتعلم فهي تعلم أين تضع أقدامها ، وعندما تصبح البندقية أوالانتفاضة أوالهبّة أو الغضبة خيارها تجف الاقلام وترفع الصحف فيرتفع علم الفتح علم فلسطين فقط.
وفتح المرحابة إلى الدرجة التي يتسلق على أكتافها الكثير من الانتهازيين تصارع ولا تهدأ حتى تنفض عنها غبار استغلالهم فلا يصبحون إلا في خبر كان ولو بعد زمن.
سيارة ياسر عرفات والعودة والبناء
أعادت حركة التحريرالوطني الفلسطيني-فتح مئات الآلاف إلى وطنهم، الذي لن يفارقوه ولو غاب بعضهم عنه جسديا مقدار ألف عام، أو ألف حلم أوألف أمنية، في أمل تحقق كان قد راود هذه الجموع، فإذ به مع سيارة الخالد فينا ياسر عرفات التي تخترق شوارع غزة الحبيبة عام 1994 يعودون زرافات وجماعات مهللين مكبرين.
يعودون والعودة حق ناجز لكل فلسطين ولكل فلسطيني، ومن عادوا كانوا يقبّلون تراب هذا الوطن، ويضربون مع الصامدين بمعاولهم في عمق الأرض يزرعون ويحصدون، ويبنون آلاف المدارس والمستشفيات والشوارع والمؤسسات والمساجد والكنائس والمشاريع العملاقة من مطار ومعابر وميناء ومدن جديدة، وطرقات وحدائق وآلاف الانجازات المادية والنفسية والعملية والعلمية والفنية دون أن تنتظر الحركة من أحد قول (شكرا لحركة فتح) إذ تُحسب كل الانجازات لغيرها، ومع أول مثلبة تُتّهم بكلّها عند حافر الحصان المتعثر.
أحب حركة فتح المتعطّرة
أحبُّ حركة فتح لأنني استطيع بعطرها أن أشم روائح متعددة ، مختلفة لكنها طيبة ، متباينة أحيانا، لكنها جميلة مهما حملت من شوائب في بعض الأحايين، وتجد في غالبها مؤشراً واحداً يشير إلى فلسطين ، ولأنني فيها أتنفس الحرية هواء نقيا، وقدرة حرة على التعبير والنقد والممارسة العفيّة حتى لو اقتضى الصراع مني حول أمر ما طول الأمد.
في حركة فتح لست أخشى سيف التكفير أو التخوين أبدا ذاك السيف المشبوه الممرّغ بالدم يحمله أصحاب الفكر الأسود يلوحون به في الإعلام وفي المساجد أو المحافل، أو يستخدمونه حيث التسلط والطاغوتية والاستعباد في مرحلة "التمكين" الظلامية.
حركة الطلاب والخريجين والثوار
حركة فتح التي تعاملت مع الكوادر والجماهير فخرّجت عبر بعثاتها حول العالم-ثم في فلسطين- مئات الآلاف من الطلاب الخريجين بمختلف التخصصات، ودربت في حياضها عسكريا (ثم سياسيا) الآلاف من الثوار الفلسطينيين والعرب ومن الإيرانيين والآسيويين والأفارقة والأوروبيين ما لا يحصى من أبطال حركات التحرر، هي حركة فتح التي مدت اليد لأصدقائها فما خذلوها، لأنها لم تنسهم في محنتهم فقدمت لهم أكثر مما تستطيع، ولم تقصّر مع أسر الأسرى والشهداء والجرحى فعاملتهم كفلسطينيين من كافة الفصائل ومن العرب على قدم المساواة، وجعلت من الدم الزكي المسفوح لأجل فلسطين مقدسا فأعلت من شأن الشهداء لم تفرق بين أحد منهم بجنة أو نار أو دعوة أو صلاة فالله خير الحاكمين.
 وعاء فلسطين يجمعنا
لم تكن الحركة التي ولدت ولادة عسيرة لتنهض، لو استندت لفكرانية (=لأيديولوجية) شعاراتية فارغة، أو لو استندت لفكرة متحجرة تقترِن بالجمود والتكلس والانغلاق حيث لا هواء يتجدد، كما في (الاسلاموية والشيوعية والقومية العنصرية) وهي التنظيمات التي سبقتها بالتأسيس، ولحقها بعضها متأخرا بالفهم وبالعمل بعد سبات عميق.
فتح بدلا من التيه الأيديولوجي آثرت أن تجعل من وعاء فلسطين متسِعا لكل لون، فرفضت التصنيف واللون الواحد، فكان علم فلسطين هو علم حركة فتح الذي يجمع الكل الفلسطيني على اطلاقه، ويجمع حوله كل الأمة العربية والإسلامية، بل وباعتباره علم الثورة العالمية يجمع أحرار العالم.
حركة بلون التراب
في حركة فتح –وبدون ولكن- لم أشعر بالغربة أبدا بين الأجيال رغم المواجهات الصحية بين الأفهام أحيانا، ولم أشعر بالغربة بين اختلاف التجارب (التنظيم والقاعدة الثورية والمعتقل، والداخل والخارج)، وما كنت غريبا بين فئات الشعب والجماهير الغفيرة من عمال وموظفين ومهندسين وأطباء.....
فتح حركة بلون تراب الأرض، يتشابه فيها الطالب والمهندس والميكانيكي والنجار ومصمم المواقع الالكترونية والفنان وصاحب القلم....، فلا تكاد تميزهم عندما يسيرون متأبطين كتاب التربية الوطنية التي تشير لفلسطين النظيفة والشقية واللطيفة والغاضبة والجذلى، والمتحررة قريبا بنصر الله، وما ذلك على الله بعسير.