مجلة القدس العدد 328 تموز 2016

غادة اسعد

جاءَ قانون الإقصاء من الكنيست، بعد تمهيدٍ مِن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي جُنَّ جنونُه، حينَ زارَ بعضُ النواب العرب عائلاتِ الشهداء الـمُحتجَزة جثامين أبنائهم في برّادات الموتى تحت سيطرة الشرطة والمخابرات الإسرائيلية. وسعى نتنياهو، إلى محاسَبة كل فلسطيني، حتى لو كان عضو كنيست، يتضامن مع عائلات الشهداء الذين سقطوا بعد عمليات قنصٍ أو قتلٍ متعمَّد، بسبب السياسة الإسرائيلية التي لا تُبالي ولا تمنعها أيُّ قوةٍ مِن الضغطِ على الزِناد وقتلِ الفلسطينيين وبينهم مواطنون من القدس وشبانٌ يافعون بعمرِ الورد خسروا حياتهم، بلا ذنبٍ، اللهم إلا الحقد الدفين والمعزَّز بتربيةِ الكراهية مِن قِبَل الجنود الذين يستسهلون الضغط على الزناد، لأنّهم يخافون الفلسطيني ويخشون بحثه عن كرامته وحريته.

هكذا خطَّط نتنياهو وحزبه، فنجحَ هو وداعموه في فرض قانون "الإقصاء من الكنيست" الذي طرحَه، أي طرد أيِّ نائبٍ من مقعده داخل البرلمان، إذا ما أبدى مواقفَ داعمة لأعمالٍ تعدُّها إسرائيل عدائيةً ضدها.
من جهته قرأ النائب نيسان سلوميانسكي- من حزب البيت اليهودي المتطرّف- مشروع القانون أمام أعضاء الكنيست قبل التصويت ما أثارَ ضجةً عارمة في القاعة من قِبل المعارضة ومِن قِبل النواب العرب، وقال سلوميانسكي: "لا تقولوا إنّ هذا القانون يستهدف شخصًا ما أو فئة بعينها، فهو يستهدف كلَّ مَن يحرِّض على العنصرية ومَن يدعم الإرهاب بغضِّ النظر عن هويته وانتمائه".
وبالتالي نجح أعضاء الائتلاف الحكومي، بتمرير القانون بالقراءات الأخيرة، بأغلبية 62 صوتًا، بينما رأى أعضاء الكنيست العرب أنّ القانون يستهدف توجيه ضربةٍ للتمثيل العربي الضيّق والحيّز الخاص بهم، كفلسطينيين.
وصرّحت القائمة المشتركة بعد إقرار القانون قائلةً: "يأتي هذا القانون في هذا السياق أولاً لإخراج المواطنين العرب خارج دائرة الشرعية، وثانيًا لاعتبارهم طابوراً خامساً، وأعداء من الداخل لا يجب أن يكونوا في البرلمان، هذه هي العقلية التي تحكم نتنياهو. صحيحٌ أن تطبيق القانون كما يرى المراقبون لن يكون سهلاً إذ يحتاج إلى أغلبيةٍ ساحقة، قوامها تسعون صوتًا داخل البرلمان، لكنه سيكون بمثابةِ سيفٍ مسلَّط على رقاب البعض، بينما عارضَ القانون خمسةٌ وأربعون نائبًا من الكُتَل المختلفة، منهم من الأحزاب الصهيونية، ممَّن رأوا أنه يتنافى مع مقومات الديمقراطية التي تتفاخر بها إسرائيل".

عنصريةٌ لإقصاء العرب خارج العملية السياسية
في حديث لمجلة "القدس" مع النائب د.عبدالله أبو معروف من القائمة المشتركة، أجاب ردًا على سؤال حول رأيه وموقفه من قانون الإقصاء: "هذا القانونُ عنصريٌّ بامتياز، هدفه ليس فقط إقصاء جميع المواطنين العرب عن القرار السياسي، وعن البرلمان كوسيلة للعمل السياسي ضمن وسائل أساسية في النظام الموجود، بل أيضًا هو رسالة واضحة إلى جميع العرب أن ليس لكم مكان في البرلمان والعملية السياسية لا تخصُّكم، وأنتُم يجب أن تكونوا خارج هذا الإطار وخارج القرار السياسي شِئتم أم أبَيتم، حسب مفهوم أيام الحكم العسكري، لكن بطريقة أخرى، قانونية، ونحنُ نرفضُ هذا القانون جملةً وتفصيلاً، وقد حاولنا بكل الوسائل منع إقرار القانون وتفريغه من فحواه، ومَن يذكر عند تحضير القانون للقراءة الأولى في شهر آذار، وبناءً على مواقفي، أُخرِجتُ من الجلسة، وحاولوا تجميد القانون، وكان القرار أنّ 61 عضوَ كنيست يستطيعون الاعتراض، إلا أنّهم رفعوا العدد إلى 70 عضو كنيست، ولم نستطع وقف تشريع القانون، لكننا نريد اليوم أن نُفرِغه من فحواه، ونعملُ على إفشال إمكانية أي حزب متطرف أو غيره، تقديم عضو كنيست عربي للإقصاء".
وأكَّد د.أبو معروف الخطورة التي يحملها هذا القانون كونهُ "جاءَ في ظلِّ الجو الهستيري التحريضي الديماغوجي الفاشي والعنصري على الجماهير العربية، الذي يقوده نتنياهو وحكومته، وسط جوٍ تحريضي على كل ما يُسمَّى الصوتَ الآخر".
أمّا عن توقعاته من الحكومة، فقال: "حاولنا ليلة الثلاثاء عرقلة تشريع القانون، وكان بالإمكان إفشال القانون، لكنّ طريقة إدارة يولي ايدلشتاين للجلسة، لم تكن موضوعيّة، وكان من الممكن أن تحدث مفاجأة، لولا معرفته بالتكتيك والتنسيق مع المعارضة، لذا تجنَّدت جميع الأقطاب العنصرية في الكنيست بشكلٍ أعمى لتمرير القانون. واضحٌ أنَّ اليمين والحكومة يسيطرون بشكلٍ كبير على العمل البرلماني وأداء الكتل الأخرى، ناهيك عن موقف المعسكر الصهيوني المتذبذِب".
وأضاف "هم يتعنّتون ويسعون طوال الوقت لتمرير قوانين عنصرية، مناقضة للديمقراطية، وليس فقط باتجاهنا كأعضاء كنيست عرب وعاملين في المجال السياسي، بل بشكلٍ عام من خلال قوانينهم غير الديمقراطية، وفي أغلب الأحيان نلمس الخنوع مِن قبل المعسكر الصهيوني، لكن هذه الأحزاب التي خشيت أن يطالها هذا القانون، قرّرَت أن تعترض قليلاً، لأنّ ما يفعله نتنياهو هو أنه يحرق الأخضر واليابس".

ردنا على إقرار القانون هو اللجوء لمحكمة العدل العُليا
أشارَ عضو الكنيست من القائمة المشتركة د.يوسف جبارين في حديث لمجلة "القدس" إلى أنَّ قانون الإقصاء قد أُقرَّ رسميًا مِن قِبَل الكنيست وأنَّ إمكانية الرد الرسمية التي تبقّت في الفترة القريبة هي التوجُّه إلى محكمة العدل العُليا، مضيفاً "في الفترة الأخيرة نقومُ بإجراء اتصالات وتشاورات مع حقوقيين، وخاصةً في مركز عدالة القانوني، الذي يقوم بالدفاع عن الأقلية العربية في البلاد، ونحنُ بصدد توجيه التماس ضدّ دستوريّة مثل هذا القانون، ولدينا ادعاءٌ واضح أنّ القانون يمسُّ بحرية التعبير والعمل، وبحقوق أساسية في البلاد، وتحديدًا بحقوق مجموعات أقلية، مثل الأقليّة العربية الفلسطينيّة، وبالتالي نحنُ نأمل أن تتدخّل محكمة العدل العُليا، وأن تُقِرَّ بعدم دستوريّة هذا القانون، الذي يُعطي لأول مرّة صلاحيةً للكنيست بأن يُطيح بأعضاء من داخله مِن قِبَل أعضاء آخرين".
وتابع "المحكمة العُليا لديها الصلاحية للقول إنَّ هذا القانون يُناقض قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته، ويمسُّ بحقوقه وكونه مواطنًا في البلاد، وإذا وصلت إلى هذه النتيجة يمكنها فعلاً أن تشطُب هذا القانون وتقول إنّه ملغى ولا يمكن العمل به، إلّا أنّنا نعلمُ أنّ المحكمة العُليا تتعرَّض في الآونة الأخيرة لنقد وهجوم كبير من قِبَل اليمين في إسرائيل، لذا نتخوَّف أن تذهب المحكمة إلى عدم التدخُل بقرار الكنيست، لكن هذا الأمر غير مضمون، وطبعًا تبقى الإمكانية أنَّه حين يتم استعمال القانون فعليًا ضدَّ عضو كنيست عيني، فعضو الكنيست يمكنه الاستئناف للمحكمة العُليا بخصوص هذا القرار".
وعن إمكانية التوجُّه لأطرافٍ أو محاكم دولية للمساعدة في وقف هذا القانون قال د.جبارين: "كان لي لقاء مع المقرّر الخاص للأمم المتحدة لشؤون الأقليات، وتوجهتُ برسالة عاجلة إلى السفارات الأجنبية، وإلى الاتحاد الأوروبي، واتحاد البرلمانيين الدوليين، وحاليًا نهدف إلى تشديد الضغط السياسي على الحكومة الإسرائيلية للامتناع عن استعمال القانون، أمَّا بالنسبة للمحكمة الدولية، فهذا الأمر ما زال قيد المشاورات والبحث".

قانونُ الإقصاء مناقضٌ لأيِّ نظام ديمقراطي
أثارَ القانون الجديد الذي صادقت عليه الكنيست الثلاثاء 19/7/2016 ضجةً، فهو ينُص على إقصاء أعضاء كنيست من قِبَل زملائهم، وأكدت القائمة المشتركة أنها ستتوجّه للمحكمة العُليا وأيضًا لجهات دولية لفضح اسرائيل. وصادقت الكنيست بأغلبية 62 عضواً مقابل معارضة 47 على القانون الذي يتيح فصل عضو البرلمان المتَّهم بالتحريض على العنصرية أو النضال المسلّح ضد إسرائيل بموافقة 90 عضواً من أصل 120 عضواً في البرلمان الإسرائيلي.
ولمسَ النواب العرب في الكنيست تشريعًا قالوا فيه أنه يلائم أنظمة استبدادية وقانون ابرتهايد حيثُ أصبحت عضوية البرلمانيّ مشروطةً، ويستطيع اليمين المتطرّف أن يبادرَ لطردِ أي عضو كنيست لا يسير على أهوائهم، كجزءٍ من سحبِ شرعية العمل السياسي والجماهيري للنواب العرب.
وقالَ النائب مسعود غنايم: "إنّ إقرار قانون الإقصاء يدل على مدى إصرار حكومة اليمين المتطرّف التي يقودها نتنياهو للمضي قدماً في إقصاء العمل السياسي العربي الفلسطيني في البلاد وكتم الصوت العربي ومنعه من التعبير عن نقده لممارسات الحكومة العنصرية الاحتلالية والتصدي لها".
وتابع: "هكذا سيتحوّل كلُّ عضو كنيست الى قاضٍ وشرطي يعاقب عضوَ كنيست آخر بسبب مواقفه السياسية، وبسبب انتمائه القومي لأنَّ القانون موجَّه ضد النواب العرب فقط، والقانون مناقضٌ لمبدأ فصل السلطات ويجعل الكنيست -كسلطة تشريعية - سلطةً قضائية أيضاً تحاسب وتعاقب عضو الكنيست العربي على مواقفه الشرعية ضد سياسات التمييز والاستيطان والاحتلال".

القانون يسري على معارضة "الدولة اليهودية"
ذكرت تقارير صحافية إسرائيلية أنَّ رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء، نيسان سلوميانسكي، من كتلة "البيت اليهودي"، أنهى صياغة "قانون الإقصاء" بناءً على طلب نتنياهو، قبل طرحِهِ في اجتماع اللجنة، الاثنين 18/7/2016.  وتبيّن من الصيغة الجديدة لمشروع القانون أنَّه يسمح بإقصاء عضو كنيست بسبب تصريحات يطلقها أو معارضته لمقولة أنَّ إسرائيل هي "دولة يهودية وديمقراطية". كما أنَّ الصيغة الجديدة لا تحدِّد الفترة الزمنية للإقصاء.
ويدعو "قانون الإقصاء" إلى تعديل البند السابع في قانون أساس: الكنيست، الذي يحدِّد الذرائع التي تسمح للجنة الانتخابات المركزية بشطب مرشَّح أو قائمة ومنعها من الترشُّح في الانتخابات. ويوسِّع مشروع القانون الجديد ذرائع شطب مرشَّح أو قائمة، وينص على أنه يكفي أن يعبِّر المرشح أو القائمة عن دعمٍ للكفاح المسلَّح، الذي لا يقترن بالضرورة مع "تنظيم إرهابي" أو "دولة عدو".
كذلك ينص مشروع القانون الجديد على أنه لدى اتخاذ قرار الشطب، سيكون بإمكان لجنة الانتخابات المركزية التطرُّق إلى تصريحات مرشّحين وليس فقط لأهدافهم المعلَنة أو أفعالهم.
وفيما يتعلَّق بإقصاء عضو كنيست، ينصُّ مشروع القانون على أنه يصبح ساري المفعول بعد عشرة أيام من اتخاذ القرار، وأنَّ النائب الذي يتم إقصاؤه يحلُّ مكانَه المرشَّح الذي يليه في قائمة حزبه. لكنَّ مشروع القانون ينص أيضاً على أن هذا الإجراء لا يسري على نشاط لأعضاء الكنيست جرى قبل دخول "قانون الإقصاء" حيّز التنفيذ، أي أنَّه لن يكون بالإمكان إقصاءُ نواب التجمُّع الثلاثة بسبب لقائهم مع عائلات شهداء القدس. وبحسب نصِّ مشروع القانون الجديد، فإنّ بإمكان الكنيست إقصاء نائب بسبب التحريض على العنصرية أو نفي وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.
من جهته أصدرَ رئيس لجنة المتابعة محمد بركة، بيانًا بعد فرض قانون الإقصاء الهادف إلى تقويض حرية العرب في البلاد؛ وجاءَ فيه: "تحذِّرُ لجنة المتابعة العُليا لقضايا الجماهير العربية، مما باتَ يُسمَى "قانون الاقصاء"، الذي أقرّته الكنيست هذا الأسبوع"، وقال إنه "قانون ليس لإقصاء عضو كنيست فحسب، بل الهدف منه إقصاء جمهور بأكمله: جماهيرنا العربية الباقية في وطنها". مضيفًا أنّها "محاولة لليمين المتطرّف المنفلت، لاختلاق خطاب جديد، مهادن ومتخاذل أمام العنصرية الصهيونية، ولكنّنا نحن الشعب الذي انتصرَ في معركة البقاء، وفي المعركة على هويته الفلسطينية، ولن يرضى أن نكون دواجن تصيح في أقفاص الصهيونية".
وتابع بركة: "إنّ هذا القانون يندرج ضمن وابل القوانين العنصرية، التي تهدف لقمع الحريات وحقوق الانسان، وإسكات أصوات المعارضة والمناهضة للسياسات الصهيونية وجرائمها، وهي مستمرة منذ أكثر من عشر سنوات على وجه الخصوص، ولكنّها في العام الأخير تُسجّل ذروة بعد ذروة، وسط تواطؤ واضح من كُتلتَي المعارضة، (المعسكر الصهيوني) و(يوجد مستقبل)، اللّتين اعترضتَا على قانون الاقصاء، إلا أنَّ هذا لا يعفيهما من المسؤولية المباشرة عن التشريعات العنصرية المتزايدة".