كنا وما زلنا نخاطب العالم ونقدم اليه نموذجاً فريداً في ثقافة السلام ، ونسعى لحل صراع مع اسرائيل على أساس حل الدولتين المتضمن في المبادرات الدولية والمبادرة العربية، وانهاء حالة الصراع ، لكن اسرائيل لا تكترث مطلقاً لصوت السلام بل تقوم بشن الحروب على منطقتنا في أكثر من مكان وخصوصاً في فلسطين ، ومنذ انهيار الامبراطورية العثمانية وبين سايكس بيكو ووعد بلفور نشأت الدول العربية التي قامت على اساس التحرر والقومية والحكم الوطني ، ونشأت خلالها اسرائيل برعاية بريطانية أمريكية استعمارية. إلا إن هذه الدول  فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق اهدافها المعلنة ، وانكفأت الى داخل كياناتها مستخدمة العصا الغليظة في البطش والاستبداد، ما أدى الى خلافات ونكسات وحروب مدمرة بين اهل البيت الواحد من ناحية ، وبينها وبين اسرائيل من ناحية أخرى ، وما زال انعكاس هذه السياسات يتجلى قتلاً وتدميراً في منطقتنا ، بينما اسرائيل تنعم بالراحة والاطمئنان والاستفادة من الواقع العربي المتردي مستغلة الامكانيات المادية والمعنوية لترسيخ كيانها في قلب أمتنا . واشتغلت على هذا الموضوع منذ ما قبل النكبة بزمن طويل ، احياء لفكرة التخلص من الشتات والمجيء الى أرض السمن والعسل في فلسطين . وانبرى شعراء يهود صهاينة يروّجون لهذا الموضوع، فهذا اليهودي الروسي الشاعر " يهودا ليف جوردن يقول: استيقظْ يا شعبي استيقظْ / فإلى ما سيطول بك النوم . ويقول أيضاً : هل حقاً قد وقف الزمن / واسترخت ابداً أجنحته/ من يوم خرجت الى انحاء الارض ". ان الدعوة السافرة التي يوجهها الى أبناء جلدته لكي يتوحدوا ويتوقفوا عن التشتت، وليتجمعوا في مكان واحد محاولاً ايقاظ الصحوة القومية اليهودية فيهم والمجيء بهم الى ارض الميعاد التي تُرجمت في وعد بلفور لاحقاً.
 وكذلك كان لرواية ابراهام مابو (محبة صهيون)، في منتصف القرن التاسع عشر مساهمة فعّالة في تهيئة الظروف لظهور حركة ( أحباء صهيون)، في روسيا والدول المجاورة مكان عيش الجاليات اليهودية.  وفي الرواية هذه وصفٌ لفترات الازدهار اليهودية في ظهور ملوك اسرائيل، ووصفٌ لواقع القدس والمناطق المحيطة بها أدّت الى التأثير على قرائها اليهود ونالت صيتاً واسعاً، وتم ترجمتها الى عدة لغات أوروبية لضمان وصولها الى الجاليات اليهودية الناطقة بهذه اللغات، وتم الاستفادة منها بنشر رواياتٍ أخرى شبيهة بها، أثارت الحماس في قلوب اليهود الراغبين والمستعدين للعمل لتحريك النشاط الاستيطاني في فلسطين. كذلك الشاعرة الصهونية (هدفه مركابي) تقول: رباه../ الظلم الى هذا المدى موحش / أفق أسود كلوحة على جبيني../ كم عليّ أن أسقط / كم عليّ أن أتراجع/ فما أكثر الكواكب ضدي. وتقول: لم يعد لي ما أرجع اليه / لا مدينة أبعث فيها حياتي/ ولا رقعة أرض لدفني في مماتي". وهكذا كان يظن اليهود أنهم معرضون للسقوط كيهود اذا لم يعودوا الى ارض فلسطين. ان فكرة احياء الروح المعنوية واستنهاض الذات كان السلاح الادبي القوي الذي لا يقل خطورة عن اي سلاح آخر. واشتدّ التركيز في الادب العبري على موضوع اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، واقتلاع الشعب الفلسطيني من ارضه حينها، وكان لتخبط العالم العربي في ذلك الوقت وافتقاره الى اي مقومات للمواجهة والصمود في وجه هذه الحملات التي كانت تنشط في الغرب. الشاعر العبري (دان عومر) يقول: "في سن الثلاثين / أنا كالبيت المهجور / تصفر بين احلامي رصاصات الحرب واسمال بالية/ تجفف في داخلي قطرات الدم/ دم عزتي/ مشاعري، مدافع عديمة الإرجاع/ في سبطاناتها تنمو اشواك صفراء/ تقصفني الى الداخل".
استخدم الصهاينة كل وسائل الحرب لخداع الرأي العام العالمي، ولإنزال أنواع النكبات بالشعب الفلسطيني . فهم لم يدّخروا سلاح المال والسياسة والاعلام والتدليس والكذب ، ودعموا موجة التمرد الادبي لتحقيق اطماعهم . وأظهر شعراؤهم ردود فعل عنيفة في قصائدهم، فالشاعر الصهيوني (منير شيلاف) يقول: "ويل للمحاربين من على الكراسي/ وجنود الورق والقلم/ وللراقدين للكُمْين في السرير الدافئ / ولممثلي الاهداف على المكاتب/ وللصارخين (الى القتال) المندثرين بالعباءة / يا شعراء الدم والعنصر / يا كالحي الوجوه/ في قبور عينكم العميقة يتجدد موتاي".
بدأت نكبة الفلسطينيين منذ بدأ التأسيس لفكرة لمّ شمل اليهود في الشتات بداية على الورق وبين كلمات القصائد التي لم ينتبه الى خطورتها في ذلك الزمن الحكام والمثقفون العرب الا بعد فوات الاوان، بعدما تشكلت دولتهم في هذه النصوص وفي النفوس قبل أن تحقق على أرض الواقع. وبحسب تعبير الروائي العبري (عاموس عوز) الذي يدّعي بأن الانسان العربي يشكل تهديداً مباشراً لاسرائيل انطلاقاً من أفكاره المستقاة من التوراة والاساطير اليهودية، يقول: "إن من الضروري ان يستعد اليهود لدحر العرب في عقر دارهم بصفتهم أمّة (أي اليهود) متحضرة تصارع أمة متخلفة، ومن الملاحظ ان هناك قواسم مشتركة تجمع بين افكار الشعراء والادباء اليهود في فلسطين وخارجها، ومن هذه الافكار التي التقى عليها هؤلاء هي فكرة الابادة. فهي مسألة اساسية لاثبات وجود اسرائيل. يقول الاديب اليهودي (حانوخ برطوف): فوق ركام المحازر والجثث العربية ستستمر اسرائيل بالبقاء والتمددّ." لم يكتفِ هؤلاء الظَلَمة بالترويج لإقامة دولتهم وإحلال النكبة بابناء الشعب الفلسطيني بل هم يلاحقونهم بالقتل والتدمير والتهجير بصور مستمرة، وهذه أبيات تمثل النزعة الصهيونية المتوحشة بعد احتلال جنوب لبنان عام 1982 تقول هذه الكلمات: أطردوا كل ( الخونة ) من البلاد اليهودية/ لا نريد هنا.. الا كل صهيوني حقيقي/ يصرخ امام الملأ/ يهوذا والسامرة لنا/ وأنتم سكان يهوذا والسامرة / اجلسوا بصمت بهدوء/ وقولوا شكراً/ لأنكم لم ترحلوا بعد الى ما وراء البحار ". وتعبّر الشاعرة العبرية ( نعمي شمير) عن الغطرسة الاسرائيلية ونزعة التفوق معتبرة أن الدبابات الاسرائيلية لن تكون أبدا رمزاً لحمل البرتقال طالما انها المركبة الجهنمية التي تحمل الموت والخراب وتزرعه في كل مكان فتقول: "ربما سنبحر غداً في سفن/ من ساحل ايلات حتى ساحل العاج/ وعلى المدمرات القديمة سيشحن البرتقال. "ولم يقتصر موضوع العنف اليهودي على ابناء الشعب الفلسطيني بل نجد أن هناك متخصصين في أدب الطفل العبري يكّرسون نزعة الحقد والكره والاجرام في نفوس أطفالهم ويعملون على احياء الادب العبري الطفولي ودسّ السموم العنصرية في نفوسهم وجعل أطفالهم في المستعمرات اليهودية يرددون (الاغنية التي وضعها لهم "لابين") التي تقول كلماتها: "سوف نهاجم الاعداء/ خلال الظلام بكل قوة لأنه لا يوجد لدينا لذة / غير لذة الجريمة ".
 وهذه الجريمة تتمثل  بالمجازر السابقة والارتكبات اللاحقة على ارض فلسطين منذ كانت النكبة عام 1948 وحتى اليوم  والغد ، هذه المجازر التي يرتكبها الاحتلال كل يوم ، وليس آخرها جريمة قتل الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير والاغتيالات اليومية التي يتعرض لها الشبان والشابات تحت ذرائع واهية محمية بقوانين مجرمة عنصرية وكذلك التطاول على الارض والمقدسات وبناء المستوطنات والتطهيرالعرقي. تحل الذكرى الثامنة والستون في ظروف بالغة القسوة والتعقيد حيث الحروب الدموية تجتاح الوطن العربي والوضع الاقليمي ذاهب الى المزيد من التدهور تحت أعباء هذه الحروب المدمرة وتبرز من خلال كل ذلك المعضلات الناتجة عنها وتجلياتها الدولية وقضية اللاجئين السوريين من جهة اخرى كإحدى المشكلات الاساسية الدولية ما يشكل انتكاسة كبيرة في تقدم مسيرة القضية الفلسطينية ، أضف اليها عامل الانقسام في البيت الفلسطيني وفقدان الاتزان في المواقف الدولية بسبب هذا الانقسام .  فلعل هذه الذكرى تدعونا للوقوف والتأمل أمام هذه المخاطر وتدفعنا الى استخدام كافة الوسائل المشروعة في هذه المعركة الوجودية حتى نستطيع انقاذ حقوقنا من الضياع وتغيير هذا الواقع المتردي.