خاص مجلة "القدس" العدد 326 تحقيق:  منال خميس
ثمانيةٌ وستون عاماً منذ النكبة الفلسطينية، وقيام ما يسمّى بـ(دولة إسرائيل)، تلك النقطة التي غيَّرت اتجاه ومنظومة الحياة في منطقة الشرق الأوسط وقلبَت الموازين رأساً على عقب، وما زالت النكبة شاهدةً على آلاف المجازر، وآلاف جرائم الحرب التي ارتكبتها وترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكلٍ شبه يومي ضدَّ أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، وخاصةً في مناطق الضفة الغربية المحتلّة وخطوط التّماس الحدودية لقطاع غزة. وبينما يعاني شعبنا تداعيات هذه النكبة، فإن الانقسام البغيض يأتي بدوره ليزيد وطأة الأوزار التي أثقلت كاهل الفلسطينيين.
الآغا: 68 عاماً وما زال شعبنا قابضاً على الجمر!
إحياءً للذكرى الثامنة والستين للنكبة، خرج مئات الفلسطينيين من مدينة غزة بتظاهرات دعت إليها القوى الوطنية والإسلامية لإحياء الذكرى المشؤومة التي ما زال الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات يجني ثمار بؤسها. وأكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس اللجنة الوطنية العُليا لإحياء الذكرى الـ68 للنكبة الدكتور زكريا الآغا التمسُّك بحق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هُجِّروا منها قسراً على يد العصابات الصهيونية العام 1948، ومواجهة التحديات التي تحيق بشعبنا ومشروعه الوطني، حيثُ قال"ثمانية وستون عاماً على النكبة وشعبنا لا يزال قابضاً على الجمر، ولم تغيّر هذه المعاناة المتواصلة، وهذا الواقع المؤلم من إرادته وإصراره على مواصلة الصمود والنضال على أرضه".
وأضاف"إن هذه الذكرى الأليمة وهذا الواقع المرير الذي يعيشه شعبنا مازال ممتداً ومفتوحاً على مدار محطات التاريخ، ولكنه رغم ذلك يزيد من صلابة شعبنا وصموده على هذه الأرض لتبقى قضية اللاجئين متّقدة تُحرِق بنيران عدالتها كل محاولات التوطين والتهجير والمشاريع التصفوية"، مُطالباً بأن يعلو صوت الأجيال الشابة في معركة الثبات والصمود على أرض فلسطين في مواجهة كافة ممارسات الاحتلال.
وحيّا الآغا أبناء شعبنا في داخل الوطن وفي مناطق الخط الأخضر واللاجئين في مخيمات الشتات، خاصة في سوريا بمخيم اليرموك المحاصر، مُشيراً إلى أن شعبنا لن يضل الطريق ويعرف طريق التحرير جيّداً ومازال يقاوم هذا المحتل.
وتابع "نحن صامدون متجذّرون بأرضنا وعلى ثقة بالوصول إلى أهدافنا، هذه الثقة نستمدها من عدالة قضيتنا وتصميم شعبنا على مواصلة نضاله ومقاومته في مواجهة الاستيطان والتهويد واستمرارنا بالاشتباك السياسي والدبلوماسي مع الاحتلال الإسرائيلي في كافة المحافل الدولية، وفي مقدّمها محكمة الجنايات الدولية لتجريم الاحتلال ومعاقبة قادته على ما ارتكبوه من جرائم بحق أبناء شعبنا مع تأكيدنا على أن أي تحرُّك دولي أو مبادرة دولية، ومن ضمنها المبادرة الفرنسية، يجب أن يستند إلى تحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال والتأكيد على حقوق شعبنا في الحرية والاستقلال والدولة المستقلة وحل قضية اللاجئين وفقاً للقرار194، وان يكون ذلك في إطار مؤتمر دولي بعيداً عن الهيمنة والاستفراد الأمريكي بالمنطقة والقضية".
واستطردَ "أمام مواجهة هذه الأخطار المتصاعدة والتحديات، التي تواجهنا وأمام هذا التعنُّت الإسرائيلي وعربدة المستوطنين دُعاة القتل والتهجير لشعبنا علينا جميعاً أن نكون حريصين على وحدتنا الوطنية التي هي أساس قوتنا وقوة هذا الوطن، وأن نسعى إلى ترسيخ هذه الوحدة بكل قوة لأنها سبيلنا الوحيد لمواجهة كل هذه التحديات ولتحقيق مشروعنا الوطني وأهدافنا المشروعة وهي حقنا المقدس في العودة وتقرير المصير وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس".
وأشار الآغا إلى أن "جميع القوى الفلسطينية مدعوةً للوقوف أمام مسؤولياتها والعمل على إعادة اللُّـحمة لشعبنا وإنهاء حقبة الانقسام المدمّر والبدء الفوري بتنفيذ اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضمُّ كافة القوى والفعاليات الوطنية تعمل على إعادة وحدة المؤسسات والوزارات بين شقَي الوطن، وتحل كافة الأمور العالقة، وتبسط سيطرتها الكاملة على أرجاء الوطن، وتعِدُّ لانتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني لنعيد بناء مؤسساتنا على أساس الديمقراطية والشراكة الحقيقية بين الجميع، ولتكون منظمة التحرير بيتنا المعنوي كما كانت دائماً ننضوي جميعاً تحت لوائها".
ومن الجدير بالذكر أن عدداً من المواطنين الفلسطينيين أُصيبوا بحالات اختناق خلال مواجهات اندلعت قرب الحدود الشرقية لقطاع غزة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي ضمن فعاليات إحياء الذكرى، حيث أطلقت قوات الاحتلال قنابل الغاز والرصاص الحي باتجاه المتظاهرين، في حين شهدت معظم المدن الفلسطينية في الضفة الغربية مواجهات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وفي إطار فعاليات إحياء الذكرى، رسم فنانون تشكيليون، قرى الآباء والأجداد التي هُجِّروا منها العام 1948، حيث جاءت هذه الفعالية بمشاركة ثلاثين فناناً وفنانة رسموا لوحاتٍ لقُراهم ومدنهم الأصلية التي هُجِّر أجدادهم منها قسراً، بينما أقيم معرض للصُوَر بعنوان "لاجئ" لعدد من المصوِّرين الذين جسّدوا معاناة اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة.


في ذكرى النكبة الأصوات تتعالى مطالبةً بانهاء الانقسام
أكّد المشاركون في التظاهرة حق اللاجئين بالعودة إلى أراضيهم من خلال رفع أعلام فلسطين ومفاتيح العودة وخارطة كبيرة لفلسطين، ولافتات أخرى تؤكّد التمسُّك بالثوابت الوطنية، مُطالبين الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال للانصياع لقرارات الشرعية الدولية.
وقال المواطن يوسف حسين للـ"قدس": "على الجميع أن يقف أمام مسؤولياته، المجتمع الدولي يجب أن يقوم بدورٍ أكبر في دعم القضية الفلسطينية والضغط على سلطات الاحتلال، وكذلك على الفصائل والأحزاب الفلسطينية أن تقوم بحل أزمة الانقسام من أجل تعزيز صمودنا على أرضنا".
فيما رأى المواطن خليل عليوة، في حديث للـ"قدس"، أن "الانقسام الفلسطيني البغيض يُعزّز من قوة الاحتلال ويقدِّم له خدمات مجانية، حيث يفسح المجال لتمرير وتنفيذ المخططات الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلَّة، إلى جانب إحباط عزيمة وصمود أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة".
ومن جانبه شدَّد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش على أن الفلسطينيين بكل أطيافهم الفكرية والسياسية متوحّدون خلف الثوابت الوطنية، وأضاف "في هذه الذكرى نقول إن فلسطين،كل فلسطين لنا، وأنه لا يمكن لنا أن نقبل شريكاً في هذه الأرض".
من جانبه جدّد حزب الشعب الفلسطيني تأكيده أن الطريق الوحيد لمواجهة ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني وقضيته من مخاطر وتحديات، يتطلّب الحفاظ على مكتسبات الشعب الوطنية واحترام حقوقه الاجتماعية والديمقراطية، وسرعة استئناف مسيرة المصالحة الوطنية بوضع آليات إنهاء الانقسام موضع التنفيذ بعيداً عن كل أشكال المماطلة والعمل على معالجة كافة الملفات التي تمَّ الاتفاق عليها بما يضمن تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية والقيام بدورها في قيادة الشعب الفلسطيني، والبدء بتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولّى معالجة كل الأزمات الداخلية.

وعلى مدار عشر سنوات يبقى الانقسام الفلسطيني البغيض، نقطةَ العسل في حلق الاحتلال، والشوكة في حلق أبناء الشعب الفلسطيني، فهو السلاح الأسمى الذي نجحت إسرائيل منذ احتلالها فلسطين، بزرعه بين أبناء الشعب الفلسطيني لتمزيق الجسد الوطني الواحد وتطويع قواه، فيما تظل الآمال متجهة بين الفينة والأخرى، نحو إمكانية استعادة اللُّحمة بين شطرَي الوطن الجريح، من أجل تمكين صمود وثبات المواطن الفلسطيني في وجه المحتل.