خاص مجلة "القدس" العدد 326 تحقيق: نادرة سرحان
ليس دائماً ما تنحني الأمم أمام رصاصة بندقية فربما تكسر شوكتها رصاصةُ قلم أو صفحة من كتاب. ولطالما كان مفتاح العودة الذي يُطوّق رقبة أجدادنا دعوة إلى الشباب الفلسطيني على مر السنين للعلم والجهاد معاً. غير أن اللافت اليوم هو انجرار الشباب الفلسطيني وراء ثقافة السلاح متناسين ثقافة الكتاب الذي لطالما كان رفيق درب كبار الثوار والأحرار، في الوقت الذي تستدعي فيه قضيتنا الوطنية وجود جيلٍ واعٍ ومثقف وقادرٍ أن يحارب بالكلمة، مدركٍ لكافة جوانب قضيته، مطّلع على ثقافته، وقادر على إظهار هويته للعالم بأحسن صورة. فهل ما زال الطالب الفلسطيني يرى في المطالعة ضرورة لخدمة قضيته؟ أم أنه باتَ يعدُّ الكتاب موضة فاتَ أوانها؟


المطالعة أصبحت على حافة الهاوية
قيل في الدلالة على أهمية الكتاب والقراءة: "أنا من بدّل بالكتب الصِحابا ...لم أجد لي وافياً الا الكِتابا" و"نِعم الأنيس إذا خلوت كتاب، تلهو به إن خانك الأصحاب.. لا مفشياً سراً إذا استودعته وتفاد منه حكمة وصواب". غير أن ثقافة الكتاب لم تتأسّس في مجتمعنا على تقاليد تجعل منه جزءاً أساسياً من حياة الفرد. وبالتالي فعندما فرضت وسائل التواصل الاجتماعي نفسها على الساحة، كانت تلك اللحظة الفعلية للتحدث عن موت الكتاب رغم أن هذا السبب ليس سوى ذريعة تُستخدَم لتكريس الأمية، والعزوف عن المطالعة التي باتت تنحدر رويداً رويداً نحو التلاشي ولا سيما في صفوف الشباب. ولعل الطالب الفلسطيني هو المتضرّر الأكبر من ذلك كونه أكثر شخص وجب عليه المطالعة لأنه صاحب قضية وطنية بامتياز تحتاج الى جيلٍ واعٍ ومثقف يقدّمها بأفضل صورة.
وبالتوجّه إلى مكتبة الشهيدة هدى شعلان في مخيم عين الحلوة ومديرتها هدى سليمان وبسؤالها عن أهمية القراءة بالنسبة للشباب الفلسطيني وعن عدد الوافدين كل شهر للمكتبة، أجابت: "أُنشِئت مكتبة الشهيدة شعلان بغية تعزيز القراءة في صفوف الطلاب الفلسطينيين لما للقراءة من دور في توسيع الآفاق، وتنظيم المفردات وتهذيب النفس وتحفيز المخيلة. ويوجد في مكتبتنا اليوم نحو ثلاثة آلاف كتاب في مختلَف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية، إلى جانب كتب لها علاقة بتاريخ فلسطين ومسار القضية الفلسطينية. ولكن، للأسف، نسبة المطالعة في المخيم منخفضة جداً، ويعود ذلك لأسباب عديدة أهمها الظروف المعيشية والضغوطات الحياتية والعائلة نفسها، فالطفل إن نشأ منذ صغره في عائلة تمجّد المطالعة سيكبر ويضع المطالعة نصب عينيه، إلّا أن الفرد، وتحديداً الطفل، دائماً ما يربط المطالعة بكتاب المدرسة. وحالياً تتوافد إلى المكتبة فئات من الشباب الجامعيين ومن المدارس ولكن بنسبة لا تُذكَر، فحسب إحصاء شهر شباط مثلاً لم يتجاوز عدد الأشخاص الذين استعاروا كتباً من المكتبة 8 أشخاص، وهذه النسبة تُهدِّد بواقع مرير".
 أمّا بسؤال معلمة اللغة العربية في مدرسة صفد التابعة للأونروا يسرى كريم، والتي تزاول المهنة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، حول أسباب تدني نسبة المطالعة عند الشباب الفلسطيني، فقالت:" أيُّ مطالعة هذه ونحن نعيش في زمن السرعة، زمن التكنولوجيا هي من  تتكلم فيه، الآن اذا طلبنا من التلميذ قراءة كتاب يقدّم لنا مئة حجة وحجة، في حين أننا في زماننا كنا نقضي أوقات فراغنا بقراءة الكتب ولم يكن لدينا هذا الكم من وسائل التواصل الاجتماعي".
 وتضيف "نحن في المدرسة نعمل قدر استطاعتنا على إعداد الطالب وتشجيعه على المطالعة ولكن الدور لا يقتصر علينا فقط بل يقع على عاتق الأهل أيضاً، بالإضافة الى غياب لمادة المطالعة في مدارس الأونروا بالرغم من اعتمادها مادةً تُحتسَب عليها درجات تماماً كاللغة العربية أو العلوم في المدارس الرسمية، أمّا في مدارسنا فيمر في الشهر مثلاً أسبوع مطالعة كنوع من التشجيع والتحفيز عليها لا أكثر ولا أقل".


المطالعة في صفوف الجامعيين بين الاقبال والاحجام
بسؤال الطالبة تهاني حسين من الجامعة العربية حول الوقت الذي تقضيه في المطالعة والدور الذي تؤديه المطالعة في خدمة القضية الفلسطينية أجابت: "أؤمن بأهمية القراءة ولكن للأسف ليس لدي وقت لها، لانشغالي بدروسي الجامعية، إضافةً إلى أنني طالبة اقتصاد ولا أظن أن الكتب أو الروايات ستفيدني. أمّا بالنسبة للقضية الفلسطينية، فإن ما نعرفه عن فلسطين ليس سوى ما سمعناه هنا وهناك ومن أهلنا، وللأسف نحن نعيش في الشتات وتثقيفنا منذ الصغر بمعلومات عن فلسطين لم يكن بالشكل الكافي، لذا أقول أننا فعلاً مقصّرون تجاه قضيتنا في هذا الصدد، علّنا نعوّض بجانبٍ آخر".
وكذلك الأمر بالنسبة للطالبة جمانة محمد التي تدرس الأدب الانكليزي في الجامعة اللبنانية، حيثُ تقول: "أنا لا أحب مطالعة الكتب، ولكن في بعض الأحيان اضطر لقراءة البعض منها بحكم الدراسة ككتب لشكسبير وروائع الأدب الإنكليزي، ولكن أكذب عليكِ إن قلتُ لك أنني محبّة للكتب لأنني اعتقد بأنها صبغة من الزمن الماضي. فالآن أصبحت أي معلومة متاحاً الحصول عليها عبر الانترنت ووسائل التكنولوجيا ولن نحتاج أبدًا للكتاب".
ولكن طالبة العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية فاطمة سرحان كان لها رأي آخر حول أهمية الكتاب ودوره في خدمة القضية الفلسطينية، إذ ترى سرحان أنّ "الكتاب هو أقوى سلاح ممكن أن نحارب به العدو، فقوة الكلمة كقوة الرصاصة، كقوة الصورة، فعندما يحتل عدو ما بلداً معيناً أول ما يفكر في اتلافه هي المقومات الفكرية والحضارية والثروة الشبابية للشعب لما لها من أهمية في قيادة الفكر نحو النصر". وأضافت قائلةً: "مثال آخر على قضيتنا الفلسطينية لماذا اغتيل غسان كنفاني وناجي العلي وغيرهم من الأدباء والفنانين، الجواب واضح لأنهم أصحاب فكر، فكُتُبُ غسان كنفاني عن فلسطين كانت تهزُّ الرأي العام، وكلماته الرنانة عن الثورة والمقاومة كانت كفيلة بأن ترعب قلب العدو، لذلك لا أحد ينفي وينكر أهمية الكتاب بالنسبة للقضية الفلسطينية. وعلينا جميعا كطلاب فلسطينيين أن نتثقّف ونقرأ لكي لا نصبح أمة نائمة راكدة، تعيش في التيه".
من جهته، يقول طالب الإخراج في الجامعة اللبنانية الدولية وفيق عبدالغني: "لا يمكنني أن أتصوّر حياتي من دون مطالعة فحتى عندما لا أجد الكتاب بنسخته الورقية أقوم بتحميله عبر الانترنت، المهم أن اقرأ، وكوني طالباً فلسطينياً فهذا يجعلني أحمل عبئاً أكبر، إذ لا بدّ للطالب الفلسطيني أن يقرأ كي يدافع عن قضيته، وعليه أن يتعلّم لغة عدوه وطباعه لكي يعي كيف يواجهه، وهذا كله لن توفّره له لا وسائل التواصل الاجتماعي ولا غيرها سوى الكتاب. ولا أحد يضع اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا، فأنا مثلاً أحمل الكاميرا في يدٍّ وكتابي في اليد الأخرى، لذا فالموضوع مرتبط بالشخص نفسه. فقد تمسّكتُ بقضيتي أكثر من خلال مطالعتي لكتب الشاعر الراحل محمود درويش، وعشقتُ وطني أكثر، وحننتُ لأرضي أكثر وأكثر، ودافعت ومازلت عن أعدل قضية في الوجود بكلمات وثقافة تليق بهذه القضية. فالدفاع لا يكون فقط بالسلاح والذخيرة ونحن كطلبة واجبنا ان ندافع بعِلمنا وثقافتنا وأن نمحي صورة الإرهابي المأخوذة عنا في العالم".

قيل لأرسطو "كيف تحكم على إنسان؟ فأجاب: أسأله كم كتاباً يقرأ وماذا يقرأ"، ونحن كشعب فلسطيني لا يُحكَم علينا بأعدادنا، بل بفكرنا وحضارتنا التي نغذّيها من خلال مطالعتنا للكتب التي تساعدنا على محاربة الاحتلال بسلاح الفكر والثقافة. فالمطالعة هي فعل يساعدنا على اكتشاف ذواتنا والكتاب هو النافذة التي ننظر من خلالها إلى العالم. وللكتاب الورقي لذة خاصة لا تتوافر بالكتب المحمّلة عبر الانترنت. فكيف يمكننا أن نتخلّى عن النافذة التي يعبر منها الغذاء المفيد لفكرنا؟ وهل سيتخلّى الطالب الفلسطيني عن ثقافة الكتاب متبعاً ثقافات أخرى في الدفاع عن قضيته؟