خاص مجلة القدس العدد السنوي 322 تحقيق: ولاء رشيد
تعدُّ جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، التي أُسّست في 26\12\1968 إحدى أهم مؤسّسات منظمة التحرير الفلسطينية، وهي مؤسّسة وطنية فلسطينية مُعترَف بها رسمياً، وتمارس نشاطها في فلسطين، وفي مناطق تجمُّعات الشعب الفلسطيني، ومن بينها لبنان الذي تؤدي فيه دوراً هائلاً في التخفيف من معاناة شعبنا الصحية متجاوزةً امكاناتها المحدودة.

رسالتها وخدماتها

يعرّف مدير مستشفى الهمشري د.رياض أبو العينين جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني على أنّها "مؤسّسة وطنية إنسانية صحية اجتماعية تُعنى بالشأن الصحي للفلسطينيين في الوطن والشتات، وقد أُسّست نتيجة المتطلبات الصحية والاجتماعية للشعب الفلسطيني"، ويضيف "كان للجمعية دورٌ كبيرٌ في التاريخ النضالي الفلسطيني، وقدّمت العديد من الشهداء والجرحى والمعتقلين، ولا تزال حتى اللحظة تؤدي دوراً نضالياً يتجلّى خلال الهبّة الشعبية في فلسطين، حيثُ نشاهد طواقم الاسعاف والممرّضين على الجبهات الاولى في الاشتباكات مع العدو الاسرائيلي، وهناك العديد من الاصابات التي تقع  في صفوفهم نتيجة إخلاء الجرحى والمساعدات التي يقومون بها للمنتفضين خلال الأحداث الدائرة".

وحول تأسيس مراكز للجمعية في لبنان يقول: "نتيجةً للوضع الصحي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، أُنشِئت 5 مستشفيات مركزية، هي: مستشفى حيفا في بيروت، ومستشفى الهمشري في صيدا، ومستشفى بلسم في صور، ومستشفى صفد في الشمال، ومستشفى الناصرة في البقاع، و8 مراكز صحيّة تتوزّع في المخيّمات الصغيرة والتجمُّعات الفلسطينية، وجميعها تستقبل المرضى من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والمهجّرين الفلسطينيين من سوريا، إضافةً إلى الجنسيّات الأخرى نتيجة الأسعار الزهيدة التي تتقاضاها جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني".

ويشرح د.أبو العينين الخدمات التي تقدّمها الجمعية قائلاً: "أبرز الخدمات تشمل علاج الحالات الصحية من الدرجة الثانية (Secondary Care)، وبعض الحالات من الدرجة الثالثة (Tertiary Care) - وهي الحالات باهظة الثمن كالعناية الفائقة وعمليات الجراحة بالمنظار وعمليات العيون بتقنية "الفاكو"- إضافةً إلى  بعض الحالات والخدمات التي لا تغطيها الأونروا، كقسم غسيل الكلى، ونحن الآن بصدد إنشاء قسم لغسيل الكلى في مخيم البداوي، بالإضافة إلى عمليات الإغاثة للنازحين هرباً من المخيّمات خلال حدوث الاشتباكات، حيث نقدّم لهم الأغطية والفرش وبعض المواد الغذائية، ونقوم بعملية إحصاء لهم لتقوم الجمعيات المعنية بالأمر بتقديم بعض الخدمات لهم، وخلال الأحداث الأخيرة في عين الحلوة كانت عملية الإحصاء التي أجريناها مرجعاً للعديد من الجهات. كذلك هناك خدمة الاسعاف المتوفّر مجاناً 24 ساعة في اليوم لنقل المرضى من منازلهم الى أي مستشفى وبالعكس، وان لم يكن من مستشفيات الهلال الأحمر، وخدمة الصحة المجتمعيّة عبر تدريب الكوادر داخل المجتمع الفلسطيني وتنظيم محاضرات توعية صحية لأهلنا في المجتمعات الفلسطينية، والانخراط داخل المجتمع بهدف تعزيز الثقة بين الجمعيّة والمجتمع الفلسطيني".

تفانٍ وعطاء رغم محدودية الامكانات

ينوّه د.أبو العينين إلى أن مستشفى الهمشري على مدى عمله استقبل العديد من الحالات الطبية التي لم تستقبلها مستشفيات أخرى، إمّا بسبب العائق المادي أو لصعوبة علاج الحالة، ويردف "مؤخّراً استقبلنا عدداً من الحالات الحرجة، ومنها حالات الحروق الشديدة حيثُ لم تستقبلها أكبر المستشفيات في صيدا لعدم توفُّر قسم متخصّص للحروق، وعملنا على علاجها، حتى أن بعض المرضى خرجوا مشياً على أقادمهم بعد أن كانت حالاتهم مستعصية، كما استقبلنا الطفلة المرحومة تالا رشدي التي كانت مصابةً بالتليُّف الرؤي وعجز ذووها عن ادخالها الى مستشفى بسبب صعوبة وضعهم المادي، ولكن في الفترة الأخيرة تدهورت حالتها الصحية وأصبحت تحتاج لتنفس اصطناعي وعناية فائقة للأطفال وهي غير متوفّرة في الهمشري، فوضعناها في العناية الفائقة الخاصة بالكبار، وقدّمنا لها الخدمة الطبية المتاحة، ولكن قدّر الله وما شاء فعل. وفي الواقع اليوم مستشفيات جمعية الهلال تنافس أكبر المستشفيات والجمعيات في لبنان وخارجه، ولكن الضوء لا يُلقى دائماً على حالات النجاح".

مزيد من الدعم لمزيد من العطاء

في حين يتوفّر الاستعداد والنشاط والنزعة الإنسانية لخدمة شعبنا فإن هناك معيقات تحد دون قدرة الجمعية على تقديم عطاءات أكبر، حيثُ يقول د.أبو العينين: "حالياً نفتقر لبعض المعدات الطبية، وقد عانينا في الفترات السابقة عدم تمكّننا من تدريب كادرنا بما يواكب التطور العلمي الحديث، ولكن مؤخّراً نقوم بتدريب طواقمنا وأطبائنا ليواكبوا التطور العلمي بالاضافة لاحضار بعض الاجهزة الطبية المتطوّرة، وهناك دورة مهمة بدأنا بها منذ منتصف شهر كانون الأول المنصرم، وهي تدريب الجرّاحين في مراكز الجمعية على العمليات الجراحية بالمنظار، وقد أشرف بروفيسور متخصّص بجراحة المنظار في الجامعة الامريكية وبروفيسور حضر من النرويج إشرافاً دقيقاً وشبه يومي على تدريب أطبائنا، وأحضروا أحدث جهاز منظار لاجراء العمليات، والآن غادروا بعد اجراء امتحانات للاطباء، وسيعودون بعد 3 أشهر لتدريبهم على عمليات أخرى، وسيقومون كل فترة 3 أشهر بالمجيء إلى مستشفى الهمشري لتدريب هؤلاء الاطباء ليكونوا على أهبّة الاستعداد لاجراء العمليات الجراحية بهذه الأجهزة".

ويشير د.أبو العينين إلى أن العلاج في مراكز جمعية الهلال عموماً مجاني، باستثناء حالات نادرة يدفع فيها المريض ثمن العلاج، موضحاً أن ايرادات مراكز الجمعية مما تدفعه الأونروا كتغطية او الحالات الخاصة يوزّع على الموظّفين من أطباء وممرضين مما يضيف ولو دخلاً اضافياً بسيطاً على الراتب المتواضع الذي يتقاضاه موظفو الجمعية، ويتابع "نظراً لانخفاض رواتب موظّفي الجمعية لطالما طالبنا بزيادة رواتبهم بما يتناسب وظروف العيش في لبنان، والقرار الأخير الذي أتى بنقلنا الى جيش التحرير الفلسطيني كان جيّداً لجهة منحه الموظّف ضماناً صحياً يشمله ويشمل عائلته، وأصبح بإمكان الكادر عند وصوله لسن الستين التقاعد والاستفادة من راتب تقاعدي، وبذلك نستطيع احضار كوادر شبابية بدل الكادر القديم مما من شأنه تنشيط المؤسسة وتوفير فرص عمل جديدة للشباب".

ويختم بالقول: "نناشد كل المؤسسات الدولية والداعمة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لزيادة الدعم لها نتيجة الحاجة الملحة بعد تقليصات الاونروا لخدماتها في لبنان، مما سيُلقي على عاتق الجمعية مسؤولية كبيرة وسيزيد عدد المرضى بشكل ملحوظ في مراكز الجمعية، لذا فالعبء كبير ونأمل من المعنيين تحمُّل مسؤولياتهم والعمل على تطوير مراكز الهلال في لبنان".

الرعاية الصحية على أكمل وجه رغم الامكانات المحدودة

لعلّ أبرز الحالات الصحية التي استقبلها مستشفى الهمشري مؤخّراً هما حالتا الطفلة المرحومة تالا رشدي، والشاب كامل حسين.

فتالا ابنة الأعوام العشرة، التي هربت برفقة عائلتها إلى لبنان بفعل الأحداث الدائرة في سوريا، لم تستطع الهرب من الموت الذي كان لها بالمرصاد، فتوفيّت جرّاء اصابتها بمرض التليف الرئوي.

وفي التفاصيل يقول جميل رشدي، والد تالا، وهو سوري متأهل من فلسطينية سورية،: "بعد إصابة تالا بالمرض، توجّهت للعديد من الجمعيات والمؤسّسات لمساعدتنا، وبحكم أنني سوري فإن الاونروا لم تقدّم اي مساعدة لنا كون مفوضية شؤون اللاجئين "UNCHR" هي المسؤولة عنا، وبدورها لم تقدّم لنا الأخيرة شيئاً، بيدَ أنَّ مستشفى الهمشري استقبل تالا على الفور، وجرت معاينتها وتقديم الخدمات الطبية المتاحة لها بالمجان، لكنّ حالتها كانت تستدعي عناية خاصة بالأطفال غير متوفرة في الهمشري، وقد ناشدنا كافة المؤسسات والجمعيات والمرجعيات لتغطية تكاليف نقلها وعلاجها لمستشفى آخر مجهّز للعناية بالاطفال، ولكن أي جهة لم تقدم لنا المساعدة، ونحن بلا شك نتوجّه لمستشفى الهمشري بكل التحية والتقدير إدارةً وطاقماً لأنهم بذلوا كل ما يمكن ضمن امكاناتهم المتاحة ووضعوها في العناية الفائقة الخاصة بالكبار، ولكن كانت مشيئة رب العالمين أن فارقت تالا الحياة في غرفة العناية في مستشفى الهمشري".

أمّا الشاب الفلسطيني كامل حسين، فقد تعرّض لحروق داخلية وخارجية بالغة بنسبة 70% إلى 80%، إثر احتراق سيارته وهو بداخلها، وحول علاجه في مستشفى الهمشري يقول: "نظراً للحالة الحرجة التي وصلَت بها رفضت جميع المستشفيات في صيدا استقبالي، ومن بينها إحدى أكبر المستشفيات، وذلك ليس بسبب العائق المالي، بل بذريعة عدم وجود قسم خاص بحالات الحروق. وحده مستشفى الهمشري فتح لي بابه، فأُدخِلت الى العناية الفائقة، ولاحقاً وُضعِت في غرفة عزل، وقُدِّم لي العلاج والخدمة الطبية والرعاية التمريضية اللازمة على أكمل وجه طوال فترة علاجي الطويلة".

ويضيف "لم تساعدني أي جهة باستثناء "م.ت.ف"، وتغطية الأونروا نفقات العمليات التي أُجريَت لي ولكن بدون العلاج لأنها لا تغطي إصابات الحوادث".

 ويختم بالقول: "وقوفي اليوم على قدمَي وأنا بكامل صحّتي معجزة بعد أن كنتُ في عداد اﻻموات، وكل الفضل في ذلك لله تعالى ولمستشفى الهمشري بكامل طاقمه الطبي والإداري الذين أخذوا على عاتقهم توفير الرعاية الطبية والعلاج لي على نفقة المستشفى".