خاص مجلة القدس- حوار/ عدي غزاوي


على شكل كتابٍ مفتوح بُنيَ متحف الشاعر الفلسطيني محمود درويش، هذا الفارس الذي ترجّل عن حصان الشعر وترك وراءه إرثاً كبيراً من المخزون الثقافي والأدبي يُروَى بقصيدة ومتحَف بُنيَ لتخليد ذكراه. وللتعرُّف عن كثب على هذا الصرح الثقافي الكبير باسمه ومضمونه زارت مجلة "القدس" متحف الشاعر محمود درويش في رام الله.

المتحف وزواياه
يشير مدير متحف محمود درويش السيّد سامح خضر إلى أن المتحف افتُتِح رسمياً في 9/8/2012 في الذكرى الرابعة لوفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش. ويضيف "بُنِي المتحف على مساحة 9 دونمات وصمّمه المهندس الفلسطيني جعفر طوقان، وهو ابن الشاعر ابراهيم طوقان، وكل نبتة مزروعة بالمتحف أُخِذت من مدينة  فلسطينية.كما روعي في تصميم المتحف أن يكون ملائماً لذوي الاحتياجات الخاصة لاتاحة وصولهم لأي مرفق من مرافق المتحف بكل سهولة، وقد صُمّم المتحف على شكل كتاب مفتوح بدفتين عنوانه محمود درويش".
وحول أبرز أهداف المتحف وزواياه يقول: "نحاول المساهمة في بناء مشهد ثقافي فلسطيني من خلال مجموعة من الزوايا التي خصّصناها للجمهور مثل زاوية المنبر الحر، وزاوية مخصّصة لدعم حرية التعبير عن الرأي، والمسرح المفتوح المصمَّم على الطريقة اليونانية القديمة والذي يتّسع لنحو 500 شخص، وهناك أيضاً قاعة الجليل لاستضافة الامسيات والنشاطات، وقد اسميناها تيمُّناً بمنطقة الجليل مسقط رأس محمود درويش، بالإضافة للضريح الذي دُفِنَ فيه درويش، وقاعة المتحف التي نعرِض فيها عدداً من المتعلّقات الخاصة به، وهي مصمّمة من الداخل من قِبَل مجموعة من الفنانين الفلسطينيين، وقد اعتمدنا في التصميم الداخلي للقاعة على أحرف اللغة العربية التي شكّلت  تراث وانتاج محمود درويش، وبالجزء الاعلى مقطتفات من أبرز أعماله الشعرية على شاشة فيديو داخل المتحف، كما نعرض الامسيات الشعرية المتاحة لمحمود درويش وقراءته لمديح الظل العالي التي ألقاها في اجتماع  المجلس الوطني في الجزائر في العام 1983، وكانت آخر أمسية شعرية له في رام الله قبل 40 يوماً من وفاته، وفيلماً عن حياة محمود درويش انتجه وقدّمه لنا هدية التلفزيون الفرنسي، إضافةً لواجهة زجاجية تُعرَض خلفها متعلقات محمود دوريش، تبدأ بالحقيبة التي استخدمها عندما انتقل من كفر ياسيف الى حيفا، وشهاداته في الصفَّين الرابع والخامس بمدرسة ذكور دير الاسد، وبطاقة هويته الاسرائيلية التي صُودِرت منه، وجواز السفر الفلسطيني الدبلوماسي الذي حصل عليه، وأوامر الاقامة الجبرية التي فرضتها عليه قوات الاحتلال، ورسالة كتبها لعائلته من سجن معسياغو، وصور مع شخصيات وخلال مناسبات كان يعتز بها، وغيرها من متعلّقاته، كطاولة الزهر التي كانت إحدى هواياته، والتي أوحت له بآخر قصيدة كتبها "لاعب النرد"، بالإضافة إلى الراديو الذي كان يستمع إليه خلال حصار بيروت، والمكتب الخاص به وقد تمّ تظليله بالكامل بحيث يحمل مخطوطات شعرية له من خلال انعكاس الضوء على الزجاج، ووضعنا آخر سترة ارتداها الشاعر على ظهر المقعد إشارة الى انه لم يُغادر بشكل مطلَق او نهائي. وفي زاوية أخرى من المتحف نعرض مجموعة من الجوائز التي حاز عليها محمود دوريش حيث وضعناها على طين من قرية البروة - مسقط رأس محمود دوريش- جلبناه من تراب القرية، جزءٌ منه غطّينا فيه محمود درويش في قبره،  وجزء آخر صنعنا منه شكلاً يشبه الخابية في البيوت القروية الفلسطينية، ووضعنا عليها عدداً من جوائزه بالإضافة إلى نسخة من لافتة ميدان محمود دوريش الذي سمّته باسمه بلدية باريس بعد وفاته تكريماً له، وأهدانا اياها رئيس بلدية باريس، كما زار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند المتحف قبل سنتين. وهناك ايضاً زاوية لأغلفة الكتب التي تُرجِمت الى لغات متعددة، حيثُ أن أعمال دوريش تُرجِمت الى 22 لغة، وفي زاوية اخرى من المتحف نجد المخطوطة الأصلية لوثيقة اعلان الاستقلال الفلسطيني التي كتبها محمود درويش بخط يده، والتي القاها الرئيس الشهيد "ابو عمار" باجتماع المجلس الوطني بالجزائر بدورته الـ19 العام 1988".

تأثير المتحف على المشهد الثقافي في فلسطين
ينوّه خضر إلى أن المتحف قدّم الفرصة وساهم في ظهور عدد كبير جداً من الروائيين والكُتّاب والفنانين والشعراء للمرة الأولى، ويضيف "كان المتحف حلقة وصل بينهم وبين المجتمَع والجمهور والقرّاء، وأحدثَ حراكاً ثقافياً كبيراً جداً في ظل تراجع بعض المؤسّسات لأسباب مُختلَفة، ولكن المتحَف استطاع خلال ثلاث سنوات أن يكون في ريادة العمل الثقافي في فلسطين، وشجّع الفنانين والشعراء الشباب على التوجّه للمتحف لترتيب الأمسيات أو المعارض، لعدم وجود فكرة المحسوبيّة".
ويتابع "بدأنا أُمسياتنا بثلاثة أشخاص، واليوم عندنا قائمة تجاوزت 4 آلاف شخص، بالإضافة الى نشاطات جزء كبير منها له علاقة بتسليط الضوء على المواهب الفلسطينية في مجالات فنية وأدبيّة متعدّدة، وتقديم هذه المواهب إلى الجمهور، وعبر بعض هذه الأمسيات والنشاطات أصبحنا نأخذ المتحف خارج مدينة رام الله من خلال شراكات مع مؤسّسات ومراكز ثقافية في مدن الضفة الغربية، وفي قطاع غزة، وفي الوقت ذاته تساهم هذه النشاطات في إعادة فلسطين إلى واجهة المشهد الثقافي العربي من خلال تغطية الإعلام لكل ما يجري في المتحف ودعوة عدد كبير من الكتاب والادباء العرب الى المناطق الفلسطينية المحتلة العام 1967، وتنظيم لقاء معهم او لقاء مع جمهورهم ومحبّيهم، ومناقشة افكارهم وتجاربهم الادبية والانسانية، والاطلاع على ما يجري على الارض لأن فلسطين اكبر من تقرير مدته دقيقتين في نشرة اخبار، ففلسطين فيها حياة وفيها طاقات هائلة جداً وابداعات كثيرة ومتعددة، لذلك استضفنا عدداً كبير من الشعراء والكتاب والأدباء العرب بينهم واسيني الاعرج، وسعود السنعوسي، وابراهيم نصرالله، والمنصف الوهايبي، ومحمد الصغير أولاد احمد، ومفلح العدوان، وليلى العثمان، وغيرهم، حتى نحاول إعادة فلسطين لرأس القائمة قائمة العمل العربي وقائمة الفعل الثقافي العربي من خلال هذه الزيارات والنشاطات".

رسالة المتحف
حول رسالة المتحف يقول سامح خضر: "محمود درويش شخص ينطبق عليه كل شيء مر به الشعب الفلسطيني، فقد هُجِّر من قريته العام 1948، واعتُقِل، وتعرّض للاقامة الجبرية، وأُبعِد، وعاد بعد قيام السلطة الفلسطينية العام 1995، لذا فهو نموذج نحاول من خلاله تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني. كذلك هناك جانب ثقافي مهم كثيراً بالنسبة لنا هو أننا شعب ينبض بالحياة، ومتحف محمود درويش هو الهيئة الثقافية لفلسطين ولكل صاحب فكرة وكل مُبدِع حيث يجِد فيه نافذةً يمكنه من خلالها أن يطل من على المجتمع، وأن يقدم افكاره وابداعاته للجمهور، وهذا جزء من صميم عمل نشاطاتنا".
ويضيف "رسوم الدخول إلى المتحف رمزية لا تتجاوز دولاراً ونصف الدولار، وبالطبع توجد قائمة طويلة جداً للفئات المعفية من الرسوم كطلاب المدارس، والوفود الرسمية، والجرحى، وأُسَر الشهداء، علماً أن الرسوم تُخصّص لدعم المؤسسة والحفاظ على المكان نظيفاً ولائقاً ولصيانة المتحف، وهذا مكتوب على خلفية التذكرة، كما نقدّم الهدايا التي لها علاقة بفلسطين ومحمود درويش كدواوينه المترجمة للعديد من اللغات وغيرها من المقتنيات".
وحول تجربته في العمل مديراً للمتحف يقول خضر: "لأنني ادير مكاناً له اسمه الكبير جداً فمسؤوليتي كبيرة، ولدي شعور شخصي دائم أنني مهما عملت وانهكت نفسي بالعمل سأظل اشعر بأن عظمَة الاسم تتطلب مني العمل أكثر، وفي العادة الشخص الذي يعمل في اي مؤسسة اخرى يعمل لكي يبرز اسمه، لكن حين تعمل في مكان له اسم كبير جداً ليس فقط على المستوى الفلسطيني والعربي ولكن على المستوى الدولي أيضاً، تحاول ان تعطي كامل تركيزك لعملك ونشاطك وأن يكون جهدك لائقاً بصاحب الاسم محمود درويش، وبضيوفه وزواره، وهذا يستهلك طاقة وجهداً كبيرين جداً، وبرأيي فقد حقّق المتحف النجاح ورسخ في وجدان كل فلسطيني".
ويختم بالقول: "أود اغتنام الفرصة لتوجيه التحية لأهلنا في بيروت التي أحببتها شخصياً من خلال محمود درويش وكتباته المطولة عنها لا سيما في كتاب ذاكرة النسيان حيثُ كتب عن يومياته خلال حصار بيروت، ومن أمام ضريح محمود درويش نقرأ السلام لبيروت، ولأهلنا في بيروت، آملين أن تزول الغمة ونراهم ضيوفاً في المتحف قريباً".