د. خليل التفكجي

فتح ميديا/ لبنان، تعتبر البلدة القديمة والتي تضم داخلها أقدس المقدسات للديانات الثلاث ، من أهم المناطق في العالم حساسية ، ونتيجة لهذه الأهمية تم الإعلان عنها كمنطقة أثرية محمية عالمياً . ووضعت في قائمة التراث الحضاري الذي يجب حمايته. وقد جاءت الأهمية الكبرى لهذه المنطقة، كونها تحمل بصمات التاريخ الأثري، والفكري، والحضاري، فهنا نرى الآثار البيزنطية، والإسلامية، حتى العثمانية مروراً بالصليبية، والمملوكية، والفاطمية والأموية. ونظراً لهذه الأهمية وضعت المدينة في دائرة الهدف بعد احتلالها، فكان الاستيلاء على البيوت والمنازل وهدم حارة الشرف والمغاربة ضمن سياسة وضع بصمات يهودية بالمكان، في أحداث تغيير للمشهد المكاني. فكان عامل الهدم الذي طال الآثار الإسلامية في منطقة باب المغاربة المرحلة الأولى في عملية الاستيطان داخل البلدة القديمة التي بدأت مباشراً في 10/6/1967 وتتالت عمليات الاستيلاء على البيوت والمنازل باستخدام القوانين المختلفة لتنفيذ سياسة الخطوة خطوة باقتلاع الفلسطينيين من بيوتهم والاستيلاء عليها. فكان سقوط بيت هنا أو هناك يتبعه احتفال كبير ورفع الأعلام. ثم بدأت سياسة شارون بالامتداد نحو الحي الإسلامي، وتبعه الاستيلاء على بيوت الحي المسيحي الذي كان بدايته عام 1991 في الاستيلاء على فندق مار يوحنا، والذي تبعه الاستيلاء على بيوت أخرى في نفس الحي (طريق الجبشة) (طريق التراسنطة) ضمن مخطط مرسوم للجمعيات الاستيطانية بإقامة ممرات آمنة وتنفيذاً لمشروع كبير وهو إحداث تغيير جغرافي وديموغرافي للصالح اليهودي بالبلدة القديمة وتنفيذاً لمشروع القدس عام 2020 والذي يقضي بالتخلص من السكان الفلسطينيين وترحيلهم وكما قال بنيامين نتنياهو (عندما يوشك وجود الأقلية العربية إلى التحول من مشكلة ديموغرافية الى خطر ديموغرافي، فإن الدولة اليهودية ستتحرك بسرعة وبلا رحمة).

 

مراحل الاستيطان في داخل القدس القديمة

المرحلة الاولى:

بتاريخ 18/4/1968 تم الإعلان عن مصادرة (116) دونما من الأراضي الموجودة داخل البلدة القديمة والتي حددت بخارطة رقم هـ ب /أ/108/322 بمصادرتها للمصلحة العامة . وتشمل هذه الأراضي حارة المغاربة التي تم تدميرها بتاريخ 10/6/1967 وأراضي أحياء (حارة الشرف، حارة الميدان، حارة النمامرة، حارة الجواعنة، حوش العسلي، حارة اليهود). وتشير المادة والخارطة إلى مصادرة أراض ومنازل كانت قائمة في الأحياء السابقة والعائدة لعائلات عربية كانت تسكنها ومنها (عائلة النمري، العنبوسي، الجاعوني، العسلي) وعائلات أخرى كثيرة. وكان بين هذه الأحياء تسكن عائلات يهودية موجودة منذ الفتح الإسلامي،والهجرات اليهودية القادمة لها بعد سقوط الأندلس. وقد أشارت وثائق المحكمة الشرعية إلى أن هذه الطائفة كانت تبيع وتشتري ضمن المنظومة السائدة آنذاك في المحكمة الشرعية، وفي كثير من الأحيان كانت هذه الطائفة تشتكي وتتظلم أمام القاضي الذي كان يفصل بينها. وفي نفس الوقت كانت هذه الوثائق من بيع وشراء، ورهن، وفك عقود ورهونات، وغير ذلك، تسجل في هذه السجلات التي اعتبرت مرجعاً رئيساً لمعرفة الحياة اليومية لجميع الطوائف التي كانت تعيش بالبلدة القديمة. كما أن الفترة العثمانية أدت إلى توثيق جزء كبير من المواد التي تشير إلى ملكيات كل طائفة. ففي عام 1856 تم إيجاد دائرة  (الطابو) التي بدأت بتسجيل الأراضي من بيع وشراء بدوائر حكومية منظمة وإعطاء كل صاحب ملك سند، أطلق عليه اسم (سند خاقاني) يبرز فيه تفاصيل المكان والموقع بالإضافة إلى نوعية البناء (دكان، بناء، ارض) ونوعية الملك ، هل هو ملك خاص، أو وقف اسلامي، او وقف ذري، بالإضافة إلى الحدود التي تحدد الموقع من جميع الجهات. وفي الفترة الانجليزية تم تقسيم البلدة القديمة إلى أحواض وقطع. وبهذا الخصوص تم تقسيم البلدة القديمة إلى 59 حوضاً ، وأعطي كل بناء رقم قطعة سهلت كثيرا في معرفة الموقع والحدود وبالتالي ارتباطه بإحداثيات عالمية سهلت بشكل كبير فيما بعد في معرفة المالك وكيفية أيلولة البناء له سواء أكانت عن طريق الشراء، الإرث، البدل، بالإضافة إلى تحديد الحدود الدقيقة للموقع وبالتالي يعتبر هذا التسجيل أفضل بكثير من التسجيل العثماني الذي كانت معالم البناء فيه تتغير نتيجة للقدم ، كما أدى بكثير من أصحاب الأملاك إلى البدء بتسجيل أملاكهم حسب النظام الجديد الذي أعطى الموقع صفة حقيقية مرتبطة بإحداثيات عالمية.

 وهكذا ظهر لدينا في الفترة الانجليزية (دائرة التحصيلات) التابعة لهيئة بلدية القدس التي كانت تفرض ضرائب البلدية على الأملاك، والتي كانت تقوم بتحصيل الأموال بناء على أرقام قطع وحوض الذي اكسب هذه الوثائق قانونية عالية جداً. وفي الفترة الأردنية استمرت هذه السياسة باستعمال رقم الحوض والقطعة لجمع الضرائب من أصحاب الأملاك فكانت أمانه القدس تقوم بتحصيل ضريبة الأملاك بناء على ما تم وضعه في الفترة الانجليزية، موضحة في خانة نوع الملك وموقعه وأسماء المواقع (دكان الطاحونة، دار الطاحونة، دكان السوق الكبير) مما جعل هذه الوثائق تصبح ذات مصداقية رسمية. كما أن هذه الوثائق كانت تعتبر شهادات تسجيل أملاك باعتبار أن صاحب الملك هو الذي يقوم بدفع الضرائب حسب النظام الأردني. كما قامت الأردن بانتهاج سياسة جديدة في قضية البيع والشراء، فبعد أن كانت هذه الضرائب تفرض من قبل البلدية على أصحاب الأملاك بدأت الحكومة الأردنية بتسجيل الأملاك في مكتب تسجيل الأراضي ضمن أوراق رسمية، تحدد فيها عقد البيع ورقم العقد. بالإضافة إلى الموقع  ونوعية الأرض ، ووصف الأرض والحدود من جميع الجهات كما بدأت بإعطاء كل ورقة بيع رقم تسجيل وصفحة ، والحصة بالإضافة إلى دفاتر تحقيقات ضريبة البلدية على الأملاك التي وضعت بشكل مفصل جميع المعلومات المتعلقة بالعقار . اما الجزء الأكبر من اصحاب الاملاك الذين حصلوا على شهادات تسجيل في فترة الانتداب، فقد قاموا مرة اخرى بتسجيلها في دائرة الطابو الاردني. واستمرت الحكومة الأردنية بإعطاء أصحاب الأملاك شهادات تسجيل وهي بمثابة طابو رسمي للأملاك. مفصلة بها جميع التفاصيل الدقيقة من نوعية الأرض (وقف، ملك  ونوعية الوقف) الى الحدود، والحصة. وتعتبر هذه الشهادات هي إثبات ملكية للعقار أو الأرض.

اما في فترة الاحتلال فقد قامت حكومة الاحتلال بوقف أعمال تسجيل الاملاك ضمن قوانين غايتها السيطرة والمصادرة والاحتلال كما انها قامت بترجمة السجلات الاردنية من اللغة العربية الى العبرية لمعرفة املاك الغائبين والقيام بالسيطرة عليها . وهكذا ومنذ عام 1967 وحتى اليوم فان البيع والشراء داخل البلدة القديمة وخارجها يجري حسب نظام الوكالات التي تعتبر مصيدة للتزوير والاحتيال . اما حارة الشرف الذي اطلق عليها اسم (حارة اليهود) فان سياسة التهجير التي بدأت منذ عام 1967 وتفريغ السكان العرب من مساكنهم واحلالها بسكان يهود. فأقيمت عليها العمائر ذات الطابع الجديد الذي ليس له انسجام مع الطابع التاريخي القديم. كما ان القوانين العنصرية التي وجدت ادت الى اخراج جميع السكان العرب الباقين وكان آخر فلسطيني مقدسي قد ترك المنطقة عام 1975 . وفي خطوة غير مسبوقة اعلنت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بتاريخ 11/11/2005 على البدء بتسجيل عقارات حارة اليهود بسجلات الطابو لتفعيل نقل الملكيات الى شركة تطوير الحي اليهودي اذ تعمل على تسجيل (1300) عقار بالبلدة القديمة بسجلات الأراضي (الطابو) ويتضمن التسجيل (585) شقة سكنية و 146 محلاً تجارياً وأكثر من 60 مؤسسة عامة و يعتبر هذا المشروع من اخطر المشاريع الإسرائيلية لتهويد المدينة، حيث سيتم إغلاق ملف حارة اليهود بشكل نهائي بعد أن تم تغيير المعالم التاريخية والملكيات. وهنا نشير إلى أن ما يطلق عليه اسم الحي اليهودي لم يكن تزيد مساحته قبل عام (1948) عن (5 دونمات) وكان يتركز أكثره في حارة الشرف. ففي عام  (1526 م) أجرت السلطات العثمانية إحصاء رسمياً فكان عدد اليهود 199 عائلة. أما في عام(1554 م) فكان عددهم 322 عائلة. أما حارة اليهود فموقعها في  (حارة الشرف) وهي حارة إسلامية، كانت تعرف قبل القرن الخامس عشر للميلاد باسم (حارة الأكراد، واسمها يدل على أن سكانها كانوا من الأكراد، وفي أول إحصاء عثماني كانت نسبة اليهود في الحارة 25% من مجموع السكان. أما حدود حارة الشرف في القرن السادس عشر (غرباً بحارة اليهود، شمالاً حارة الحيادرة التي كانت جزءا من حارة أولاد العلم ، جنوباً سور المدينة . وشرقاً حواكير المغاربة وهي التي كانت تفصل، حارة الشرف عن حارة المغاربة). وبعد عام (1948) تم وضع الأملاك اليهودية تحت إشراف (حارس أملاك العدو) الأردني بموجب قرار صادر عن وزير الداخلية آنذاك (وصفي ميرزا) بتاريخ 16/9/1950 ، والمنشور بالجريدة الرسمية رقم (3035).

 وفي عام (1968) تم الإعلان عن مصادرة 116 دونماً من أراضي البلدة القديمة بموجب قرار المصادرة للمصلحة العامة والذي يحمل رقم 5 ب /أ/108/322 وتم نشره بالجريدة الرسمية عدد 1443 ، بموجب هذا القرار تم مصادرة 790 عقاراً تعود ملكيته إلى

وقف إسلامي 15 عقارا   2%

وقف ذري     346 عقارا    46%

ملكية خاصة 257 عقارا 34%

وقف كنسي  9 عقار  1%

أملاك يهودية  121 عقارا  16%

مرافق عامة  5 (بلدية ) 1%

المجموع       790   100%

وجاء هذا القرار من اجل تسهيل عمليات البيع للاسرائيليين والتخلص وبشكل نهائي من حقوق الملكية للفلسطينيين الذين كانوا يسكنون ويملكون هذه الابنية .

يعتبر الاستيطان بشكل عام وبالبلدة القديمة بشكل خاص من اولويات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة باعتبار ان البلدة القديمة هي رأس وقلب الشعب اليهودي.

وبدأت هذه الظاهرة تأخذ منحى خطيرا تم تدشينه عام 1987 عندما تم الاستيلاء على بعض بيوت في طريق الوادي قادها وزير الدفاع آنذاك اريئيل شارون . كما وضعت ترتيبات جديدة ضمن المخطط الهيكلي لمدينة القدس لعام 2020 والذي يقضي بإحداث خلل سكاني كبير لصالح الجانب الإسرائيلي. واستخدمت القوانين الإسرائيلية بالاستيلاء على البيوت وضمن جدول مبرمج واتجاه معين للاستيلاء على الاملاك بفرض قوانين منها:

1. قانون الغائبين.

2. قانون الاستملاك للمصلحة العامة .

3. قانون الاستملاك لاسباب أمنية

4. الاملاك اليهودية.

5. اساليب أخرى.

اساليب الاستيلاء على المباني:

1. قانون املاك الغائبين :

صدر هذا القانون عام 1950 بجعل جميع الاملاك العائدة للاشخاص الذين يسكنون بالبلدان التي قامت بالاعتداء على دولة اسرائيل وتشمل (شرق الاردن، سوريا، لبنان، السعودية، العراق، مصر، ليبيا) والاشخاص الذين كانوا خارج مناطقهم في فترة الاحصاء السكاني تؤول املاكهم الى حارس املاك الغائبين. وهذا الحارس الذي يصادر عقارات بناء على قانون يعتري تطبيقه خلافات. حيث تقوم دائرة اراضي اسرائيل بنقل العقارات الى جمعيات استيطانية (العاد، وعطيرت كوهانيم) بدون اجراء اي عطاءات وباسعار متدنية، ويعمل مسجل الجمعيات والشركات على اعطاء الجمعيات الاستيطانية حصانات تمكن من تدفق عشرات ملايين الشواكل اليها بدون الكشف عن هوية المتبرعين. وتوفر وزارة الاسكان حراسة بمبلغ (54) مليون شيكل سنوياً. وتشرف الجمعيات وبصورة سرية تامة على شركات فرعية بعضها مسجل في الخارج بما في ذلك اماكن التهرب من دفع الضرائب مثل (جزيرة العذراء)، وتتستران على هويات المتبرعين لها وتحصلان على مساعدة الدولة من اجل شراء العقارات في اطار قانون املاك الغائبين.

في تقرير صادر عن لجنة فحص المباني في القدس الشرقية بتاريخ 16/8/92 حول البيوت المستأجرة أو المؤجرة أو تلك التي اشتريت في القدس الشرقية لصالح (جمعيات أو أفراد، بتمويل من ميزانية الدولة أو أي مساعدة أخرى من قبل الدولة ومؤسساتها فقد تبين أن

1. وزارة البناء والإسكان. 2. دائرة أراضي إسرائيل.، 3. عميدار. 4. حارس أملاك الغائبين. 5. القيم العام. 6. الصندوق القومي لإسرائيل . 7. همينوتا. 8. شركة ترميم وتطوير الحي اليهودي كانت وراء هذا التمويل او الشراء.

ففي مطلع الثمانينات أصبحت بعض الجهات الحكومية والتي تدار بواسطتها ومن ضمنها الجهات العاملة في وزارة الإسكان ودائرة أراضي إسرائيل، والقائم على أموال الغائبين، بدعم مجموعة صغيرة من الجمعيات ، التي وضعت نصب أعينها توطين اليهود في الحي الإسلامي بالبلدة القديمة، وقرية سلوان، ولهذا الهدف، جندت غالبية موارد الحكومة وأفضلها .ووضعتها تحت تصرف الجمعيات المطلق. وتم تحويل عشرات الملايين من الدولارات ، بطرق ملتوية وبدون أي رقابة أو إشراف. كذلك تم تحويل عشرات المباني إلى الجمعيات الاستيطانية بدون عطاءات أو بشكل مخالف تماماً للقوانين. أما المصاريف القضائية التي دفعت من اجل إخلاء السكان العرب من منازلهم فقد تم تمويلها من الأموال العامة، وتحويل القائم على أملاك الغائبين إلى أداة عمل في يد هذه الجمعيات . وتحولت ميزانية الدولة إلى صندوق نقدي خاص بالجمعيات، وتحولت الأملاك العامة إلى أملاك الجمعيات الخاصة وعن طريق أموال الدولة تم تمويل شراء(68 ) عقاراً بمبلغ 10 مليون دولار من خلال العمليات التالية:

1. شراء، نفقات، ترميم، نفقات إخلاء، نفقات سمسرة، نفقات (لمدراء مشاريع ) تم تعينهم لهذا الغرض من قبل وزير الإسكان، أتعاب محامين ، أتعاب مخمنين .وقد استفادت من هذه الأموال جمعيات (عطيرت ليوشنا) (عطيرت كوهانيم)، في البلدة القديمة.

2. جمعية العاد ( في سلوان ) كانت هي المنتفعة من الجزء الأعظم من العقارات. وقد جاء في تصريح  السيد (بباي من دائرة أراضي إسرائيل) قوله.

(المستوى السياسي / الحزبي قرر أن كل عقار يتم شراؤه لصالح دائرة أراضي إسرائيل في المنطقة المذكورة يؤجر لعطيرت كوهانيم).  وقد تم استخدام شخصين من عطيرت كوهانيم للعمل لصالح أراضي إسرائيل من اجل تشخيص العقارات، وتمت  المصادقة على أسلوب التسليم من قبل وزير العدل آنذاك (موشي نسيم).فقد تم الاتفاق على نقل العقارات إلى عطيرت كوهانيم مقابل ترميم المباني، ولم يتم تأجير المباني بأجر حقيقي، لهذا السبب مثلاً في (باب خان الزيت، حوش الشاويش)  تم تأجير مبنى يتكون من طابقين بإيجار يبلغ اقل من 10 دنانير أو(9) دولارات شهرياً  كما تم تأجير (4) غرف مع (2) دونم أرض في باب الساهرة  بـ (15دولارا) شهرياً  وفي عام 1982 شكلت ( دائرة أراضي إسرائيل ) لجنة خاصة لموضوع العقارات في البلدة القديمة من قبل المدير العام آنذاك (مائير شمير) وعملت اللجنة  وفقاً لتعليمات وزير الزراعة آنذاك (اريك شارون) وحتى العقارات التي اشتريت بمبلغ كامل انتقلت مباشرة إلي/عطيرت كوهانيم  وكمثال على أساليب  التزوير التي تقوم بها الجمعيات.

يشير التقرير الى ان الدولة تساند ادعاءات الجمعيات في حال اقتضى الامر الكشف عن دورها في عملية الاستيلاء على المنازل سواء بواسطة قانون املاك الغائبين او بموجب اوراق تدعي ان الاملاك كانت ذات مرة املاك يهودية.

ومن اساليب التزوير في عام 1990 قامت عائلة(ابو رميلة) التي تملك عقاراً  في طريق الحديد، برفع دعوى لاسترجاع العقار التي تمت المصادقة على هدمها عام 1969 استناداً الى قوانين الطوارئ إلا انه تبين أن عميدار"شركة حكومية اسرائيلية لادارة املاك العرب الغائبين" وقعت على اتفاق عام (1988) تم بموجبه تأجير  غرفة ومطبخ  ومنافع ( لعطيرت كوهانيم)، وأوجدت الجمعية رسالة لساكن ادعى فيها انه سكن في الشقة في نفس الفترة وانه يسمح للجمعية بالدخول والسكن في الشقة بدلاً عنه. كما لوحظ أن مسؤولين من عطيرت كوهانيم كانوا يشاركون بصورة دائمة في لجنة المشتريات في وزارة البناء والإسكان كمدراء مشاريع من قبل عميدار. وهكذا نلحظ بأن الدولة بكاملها وراء عمليات الشراء في  البلدة القديمة وسلوان، والشيخ جراح. وما هذه الجمعيات "الجمعيات الاستيطانية التي تقف خلفها الدولة" سوى غطاء واداة تنفيذية لتنفيذ السياسة الإسرائيلية، ويمكننا أن نلخص قائمة العقارات التي رممت بأموال من وزارة الإسكان  فيما يلي:

1.بيت فيتنبرغ - شارون/شارع الواد

2. بيت الحنان - دار الترهي

3. بيت هتسيلم - الشيخ ريحان

4. بيت غليتسيا - حاكورة آل نسيبه

أن السياسة الحكومية السرية تهدف إلى انتزاع الأملاك  العربية بالقوة وبشكل مخالف للقانون، وأخذها من السكان الفلسطينيين ونقلها إلى جهات محددة ذات طابع سياسي ديني بحت وهذه السياسة يمكننا تلخيصها بما يلي:-

1. استغلال الأموال العامة بشكل غير قانوني بمبالغ وصلت إلى ملايين الدولارات.

2. نقل الأموال بدون إجراء عطاءات وبشكل غير اقتصادي .

3. تمويل المصاريف القضائية لأجل إخلاء السكان العرب من منازلهم من الأموال العامة.

4. تحويل صلاحيات القائم على أملاك الغائبين إلى أداة في يد الجمعيات الاستيطانية .

5. عندما بدأت الجهات المختصة بالعمل على استرداد بعض الأموال اصدر رئيس        الوزراء آنذاك (اسحق رابين) أمراً  لوزراء المالية بوقف التنفيذ.

 

سلوان- بيت العين:

مسجل اليوم بملكية  جمعة العاد وكانت قد استولت عليه بعد انتزاعه من اصحابه وذلك بعد ان اعلن في العام 1967 ان صاحبها موسى العباسي غائب وتحول الى ملكية الدولة بموجب قانون املاك الغائبين في العام 1988 وبعد 3 سنوات من مصادقته تم تحويله الى جميعة (العاد) مقابل اجرة لا تتجاوز 23 شيكلا و73 اغورة شهرياً. وفي حزيران 2006 تحول عقد الايجار الى ضمان طويل الامد. وقد تم تحويل المبنى الى ملكية الجمعية الاستيطانية لمدة 49 عاماً مقابل (382) الف شيكل فقط او ما يعادل 650 شيكلا شهرياً. والمبنى مساحته 134م2 على مساحة ارض تصل مساحتها 1705م2 ويتم تحويل المبنى اليوم الى مزار او متحف . (متحف بيت العين)  وتم تخصيص (2) ميلون شيكل بهذا الغرض .فعلى الرغم من أن المواطن الفلسطيني يخضع للقانون  الإسرائيلي والإدارة الإسرائيلية إلا ان هذه الإدارة تستغل هذه القوانين ضده. فبغض النظر عن كون الحقوق والواجبات التي يتمتع بها المواطن الفلسطيني قليلة جداً كحق المواطنة وحق الملكية - التملك فإنها تتبخر سريعاً عندما  تكون هذه الأملاك هدفاً لجمعيات المستوطنين وبالتالي فإن الدولة تجند افضل قواتها ومواردها لتحقيق هذه الأهداف .

 

1. قانون الاستملاك للمصلحة العامة:

 استخدمت السلطات الإسرائيلية قوانين المصادرة اللمصلحة العامة من اجل إقامة المستعمرات عليها. وبموجب قانون الأراضي لسنة 1943 ومن خلال الاستملاك للمصلحة العامة تمت مصادرة 116 دونماً من البلدة القديمة او ما يعادل 20% من مساحة البلدة القديمة وتمت السيطرة على احياء الجواعنة ، النمامرة ، العلم، الشرف).

 

2. المصادرة لاسباب امنية:

 تستخدم السلطات الاسرائيلية قانون (الارهاب) في مصادرة الاملاك العربية داخل وخارج البلدة القديمة ، ضمن سياسة هدم المنازل او اغلاقها الى مصادرتها واستعمالها لاغراض خاصة بها. سواء استعمالها كمراكز للشرطة الاسرائيلية، او حرس الحدود، او تأجيرها الى جهات استيطانية، ففي عام 1967 تم الاستيلاء على المدرسة التنكزية باعتبارموقعها حساسا ومطلا على ساحة البراق، كما تم الاستيلاء على منازل عائلة الترهي بحجة مقتل مستوطن اسرائيلي، بالقرب من الموقع . كذلك منازل تقع في باب السلسلة تم وضع اليد عليها وتحويلها الى مراكز للشرطة او تحويلها الى جهات استيطانية .

 

4. الاملاك اليهودية:

عاشت جالية يهودية داخل البلدة القديمة باعتبارها جزءاً من النسيج الاجتماعي العربي وكانت هذه الجالية تتمتع بحقوق كثيرة منها البيع والشراء والتملك . كما كانت عمليات البيع تُسجل في المحاكم الشرعية. وقامت الطائفة اليهودية ببناء اماكنها الدينية وبيوتها في حارة اليهود (الواقعة في حارة الشرف) كما انتشر اليهود في انحاء مختلفة داخل الحي الاسلامي، وحسب الاحصاءات الرسمية فإن الاملاك اليهودية داخل البلدة القديمة بلغت 167 بيتاً او ما يعادل 4,6% من اصل 3605 بيوت تعود الى المسلمين والمسيحيين وبعد حرب عام 1948 انتقل اليهود الى القسم الغربي من القدس، وقامت الحكومة الاردنية بالاشراف على هذه الاملاك بعد ان اصدر وزير الداخلية الاردني آنذاك السيد (وصفي ميرزا) قانون الاتجار مع العدو.واصبحت الاملاك اليهودية تدار من قبل الموظف الاردني المعني والذي اطلق عليه اسم (حارس املاك العدو). الذي قام بتأجيرها الى العرب، وبعد الاحتلال بدأت الجمعيات العامة والخاصة اليهودية تطالب بهذه الاملاك وتطرد السكان الفلسطينيين.

على الرغم من الاساليب المتعددة للاستيلاء على المنازل بالبلدة القديمة الا ان هذه السياسة الممتدة خلال (44) عاماً من التهويد والطرد والاحلال. كانت نتائجها مخيبة لآمال السياسيين الاسرائيليين. فعلى الرغم من وجود اكثر من (70) بؤرة استيطانية داخل البلدة القديمة وحارة اليهود والتي تبلغ مساحتها (130) دونماً من اجمالي مساحة البلدة القديمة، فإن الآلف من الشقق ما زالت بايد عربية. على الرغم من الاسناد الكامل من قبل الحكومة للجمعيات الاستيطانية والمستوطنين، واغداق ملايين الدولارات عليهم من اجل التشجيع على الاقامة والسكن بالبلدة القديمة فإن اعداد المستوطنين لم تصل الى (4000) مستوطن في داخل البلدة القديمة مقابل (32000) عربي يسكن ارجاءها مما يشكل عائقاً كبيراً امام تهويد هذه المدينة جغرافياً وديموغرافياً مما استدعى الى اعلان الحكومة الاسرائيلية مشروعها المعروف 2020 والقاضي باخراج السكان العرب وتقليص نسبتهم، واعلان القدس ذات افضلية وطنية وعاصمة للشعب اليهودي في جميع انحاء العالم وتخصيص مليارات الدولارات من اجل السيطرة على هذه البقعة الحساسة من الكرة الارضية وعلى الرغم من ان المواطن الفلسطيني يقف عاجزاً امام القانون الاسرائيلي والادارة الاسرائيلية . ورغم عدم تكافؤ الامكانات المادية والقانونية ، الا ان هذا المواطن الذي يدافع عن تاريخه وحضارته ودينه يبقى صامداً في موقعه لمعرفته بانه صاحب حق.

 

الحـوض المقـدس

ظهر مصطلح الحوض المقدس لأول مرة في الفترة العثمانية ثم الانجليزية، عندما بدأت حكومة الانتداب في وضع خطط مفصلة لحدود القدس التي سوف تصبح تحت الادارة الدولية، وتم سحب هذا الموضوع لاول مرة في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية في كامب ديفيد، عندما بدأت تظهر ملامح تقسيم البلدة القديمة . فلقد تقدم الجانب الاسرائيلي بخارطة تحدد هذا الحوض والذي يبدأ من وادي الربابة (هنوم) وادي حلوة، قبور الملوك (طنطور فرعون) والمقبرة اليهودية في جبل الزيتون. وهذا الطرح بناء على رأي المستشارة القانونية للوفد الاسرائيلي(روت لبيدوت) و(مناحم كلاين). فبعد ان تم الانتهاء من قضية ما تحت الارض للاسرائيليين وفوقه للفلسطينيين (قامت الحركة الاسلامية بفتح المصلى المرواني وهو تحت المسجد الاقصى لاستعماله كمسجد)، وانتهى بذلك مشروع ما تحت الارض وما فوقها في مفاوضات كامب ديفيد وفي طابا 2000 تم طرح وترسيم الحوض المقدس.

 والحوض المقدس تبلغ مساحته 2.5 كم2 يقع في الجزء الجنوبي والجنوبي الشرقي من البلدة القديمة. وفيه بداية القدس القديمة في فترة (الملك داود) (يطلق على سلوان مدينة داود) وبدأت الحفريات في بداية الستينات، واستمرت في الفترة الاسرائيلية ، ولم يجد الاثريون اي شيء يدل على فترة الملك داؤد ، بل وجدوا آثارا يبوسية ، والمنطقة الثانية هي منطقة البستان (حديقة الملك داؤد) وتحاول اسرائيل اليوم هدم المنازل العربية في هذه المنطقة ويبلغ عدد الوحدات السكنية التي سيتم هدمها 97 وحدة سكنية لاقامة (حديقة داؤد). اما منطقة وادي حلوة فهنالك تجمع سكاني عربي كبير بدأت اسرائيل ومنذ عام 1990 بالاستيلاء على بيوته مرةً بانها اقيمت على اراض يهودية، واخرى باستخدام قانون الغائبين ومنذ ذلك العام وحتى عام 2006  تم الاستيلاء على 20 بيتاً، وسيطرة بشكل كامل على المناطق المشرفة على المنطقة الاثرية (مدينة داؤد). اما منطقة المقابر اليهودية فهي اراض وقفية اسلامية ثم تأجيرها منذ بداية القرن السادس عشر الى اليهود ومنذ تلك الفترة وحتى اليوم تمت السيطرة الاسرائيلية عليها وتعتبر مقدسة بالنسبة لهم . ففي المعتقدات اليهودية بان المسيح المنتظر سيأتي من جبل الزيتون وسينهض الاموات ويلحقوا به ليدخلوا من باب الرحمة لاقامة الهيكل الثالث . وهكذا فإننا نرى ومنذ عام 1949 قد ازداد عدد الاماكن المقدسة اليهودية من 30 موقعاً الى 326 موقعاً لعام 2000 في مدينة  القدس ومنها هذا الحوض على اعتبار ان المقدسات اليهودية  بالنسبة للديانات هي اساس الحل وتأخذ بعين الاعتبار المرحلة النهائية.