في ضوء التصعيد العسكري المحدود، الذي شهده قطاع غزة بعد إطلاق صاروخ نهاية الأسبوع الماضي على أحد منازل بئر السبع ارتبكت قيادة الانقلاب الحمساوي، وتوزَّعت مواقفها بين التصعيد اللفظي والتبرير وإخلاء الذمَّة من الصاروخ، وتحميل المسؤولية لجهات مختلفة أبرزها قيادة السُّلطة الوطنية حسب تصريح الزهار، عضو المكتب السياسي لحركة حماس يوم الأربعاء الماضي في مقابلة مع فضائية 24 نيوز الفرنسية بالعربي. حيث بدا مهزوزًا ومرتبكًا وراجفًا، وهو يجيب على أسئلة المذيعة. وهو ما يفضح ادعاء حركة الانقلاب بتمسُّكِها بخيار "المقاومة"، ويكشف عن إفلاس وتناقض عميق بين ما تروجه وتبيعه للمواطنين الفلسطينيين من شعارات غوغائية لا تمت للحقيقة بصلة، وبين حقيقة مواقفها اللاهثة خلف تثبيت أقدام إمارتهُا على حساب المصالح الوطنية العليا، وتساوقًا مع صفقة القرن الأميركية ومصلحة إسرائيل الاستعمارية الإستراتيجية، حيث شاء أن يُرسل رسالة لإسرائيل، بأنَّ حماس ليست معنية بالتصعيد، ومتمسِّكة بالتفاهمات البينية مع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، وفي ذات الوقت رسالة تطمين لإسرائيل وأميركا.

وجاءت مواقف الزهار المتناقضة مع الواقع لتمنح كل ذي بصيرة القدرة على محاكمة موضوعية لحركة الانقلاب الاخوانية، وتسلط الضوء على انحدارها إلى الحضيض، لا سيَّما وأنَّ المتابع لتصريحات ومواقف الزهار نفسه وباقي أركان حركة حماس يلحظ التناقض، فهم جميعًا لا يتوانون عن ممارسة التحريض على القيادة الشرعية عمومًا والرئيس محمود عبَّاس خصوصًا، واتهامهم بالتنسيق مع سلطات الاستعمار الإسرائيلية، ومن جهة ثانية يتهمون القيادة بإطلاق الصاروخ بذريعة، أنَّ قيادة السلطة الوطنية تسعى للتشويش على التنسيق الأمني بين حماس وإسرائيل، وتعمل على قطع الطريق على التفاهم الجاري بينهما بشأن "الهدنة مقابل الهدنة ورفع الحصار".

يعرف الجميع أنَّ شخص الرئيس عبَّاس وقيادة منظمة التحرير تتبنى أسلوب المقاومة الشعبية السلمية، كشكل رئيس للنضال الوطني منذ الانتفاضة الكبرى في العام 1987 بالتلازم مع النضال السياسي والدبلوماسي وغيرها من أشكال النضال المساندة: الاقتصادي والقانوني والثقافي والتربوي والاجتماعي والرياضي. ولم تهب أو تخشى (القيادة) من إشهار موقفها بشكل واضح لا لبس أو غموض فيه، ولم تغلق (القيادة) الباب أمام أي شكل من أشكال الكفاح، التي كفلها القانون الدولي للشَّعب العربي الفلسطيني في اللحظة السياسية المناسبة، وارتباطًا بالتطورات وسيرورة الصراع المحتدم مع دولة الاستعمار الإسرائيلية حتَّى تحقيق الأهداف الوطنية كاملة.

أضف إلى أنَّ قيادة منظمة التحرير، هي الممثل الشرعي والوحيد للشَّعب الفلسطيني في الوطن والشتات، ولم تتخل، ولن تتخلى عن دورها القيادي والتمثيلي للشَّعب تحت أيَّة أسباب أو ضغوط مهما كانت. وبالتالي هي الأحرص على الشَّعب في كل تجمعاته ومواقعه ومصالحه وحقوقه وأهدافه وحمايته من جرائم الحرب الإسرائيلية والأميركية.

وإذا كانت القيادة ضد الهدنة مقابل الهدنة، التي لا تخدم إلَّا مشروع الإمارة الطالبانية الجديدة، فإنَّها لا تسمح لكائن من كان بتهديد مصير أبناء الشَّعب في القطاع والضفة بما فيها القدس والشتات وفي داخل الداخل. وهي مع الهدنة الفصائلية، إنَّما المرتبطة بالمصالحة والمصلحة الوطنية وتحت إشراف القيادة الشرعية.

إذًا القيادة الفلسطينية الحكيمة والشجاعة لا تتوافق مصالحها ورؤيتها السياسية مع خيار التصعيد، وتعمل مع الأشقاء في مصر والعرب عمومًا والعالم لوقف السياسات الصبيانية والمغامرة، التي تقودها حركة الانقلاب الحمساوية ومن يدور في فلكها، وتعمل على محاصرة إسرائيل الاستعمارية وفضحها وتعريتها أمام المنابر الأممية والإقليمية والعربية وحتَّى داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه.

أمام ما تقدِّم، من هو الطرف المعني بالتصعيد إن لم تكن حركة حماس، كما يدعي قادتها المرتجفون؟ هناك أكثر من احتمال، الأول أنَّ يكون من بين عناصر كتائب القسام، ذراع حماس العسكري، الرافض لسياسات الحركة الإخوانية، والمتوافق مع سياسة إيران؛ الثاني من القوى التكفيرية الفسيفسائية، التي أنتجها الانقلاب خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، ثمَّ خلعت جلباب حماس؛ الثالث من القوى الحليفة لطهران، المتناقضة مع قيادة الانقلاب السياسية وحساباتها الضيقة. وبالتالي على حماس أن تفتش داخل بيتها المخترق والمشوش، وأن تكفَّ عن قلب الحقائق، لأنَّها لم تعد تنطلي على أحد.