"لن نقبل بنقل الانقسام الى قلب منظمة التحرير الفلسطينية" هذه العبارة (الموقف) سمعتها من عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة المناضل عزام الأحمد الذي هو بالمناسبة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومفوض العلاقات الوطنية.

لا أحسد أبا نداء على مواقفه الوطنية، فهذا واجبه وقد عرفناه بهذه السمة قبل حوالي خمسين عاما، وإنما على روح الفدائي الشجاع القادر على امتلاك الرؤية الصحيحة البعيدة المدى، وإصابة الهدف، وإطلاق الاضاءات لوعي السائرين في مسيرة الكفاح والنضال رغم وجوده في حقل الألغام، وميدان الرمي من الأعداء والخصوم من كل الاتجاهات، وهذا بالتأكيد ليس غريبا على حركة تحرر وطنية كفتح، يخرج قادتها ومناضلوها إثر كل معركة بإرادة أقوى وأفكار مصقولة مشعة.

نشارك الأحمد رؤيته لطبيعة منهج وسلوك قادة حماس الذين تأخذهم عقلية الهيمنة والتفرد وإخضاع الآخر الى حد معاداة الآخر الوطني ومحاربته بكل صنوف الأسلحة النارية والدعائية وحتى بسلاح المصطلحات الدينية المزيفة المسمومة بأيديهم..فمن حقنا وحقه كخبير في ملف العلاقات الوطنية، وبعد سنوات عشر وأكثر من الحوار والنقاش والمنازلات السياسية مع قادة حماس التي لم تخل من العبوس والابتسامات والأمل والخيبات، سنوات كافية لزرع الشيب في رؤوس الشباب، لكثرة ما لمس من اعوجاج في منهجهم، وتناقضات أطروحاتهم، ونكث في وضح النهار للاتفاقات التي بأقلامهم التي بأيديهم قد مهروها بتوقيعاتهم.

ونشارك هذا الفدائي الذي ما زال يأمل بانجاز الحرية والاستقلال في الوطن المادي الحقيقي هنا على أرض فلسطين، نشاركه الخوف على منظمة التحرير الفلسطينية، الوطن المعنوي لكل الفلسطينيين، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، نشاركه الخوف من صورة مرعبة نشهد في تفاصيلها نهاية كينونتنا السياسية التي أحييناها بعد أن كادت تصبح رميما، قد نشاهد هذه الصورة المرعبة كما شاهدنا وعشنا أحداث وصور انقلاب حماس الدموي على المشروع الوطني والنظام والقانون الأساسي للسلطة الوطنية، على القيم والأخلاق الوطنية ، على مبادئ الكفاح والنضال، ومكونات الشخصية والهوية الوطنية العربية الفلسطينية التحررية الإنسانية التقدمية الديمقراطية.

لن نقبل ولن يقبل فلسطيني عاقل بتكرار الانقلاب الذي قد يوقع هذه المرة عقولنا وأدمغتنا وأفكارنا ورؤانا فريسة لداء الأنا الحزبية، والعدائية الممنهجة، والظلامية، والاستعلاء والاستفراد، وعقلية المستخدمين لدى قوى إقليمية بعد أن دفعنا ثمن استقلالية قرارنا الوطني المستقل آلاف الشهداء، وبعد أن بلورنا هوية ممثلنا الشرعي الوحيد حتى بات وطننا المعنوي، الذي سنمضي خلاله إلى وطننا التاريخي والطبيعي والواقعي والمستقبلي للأبد فلسطين.

يسعى قادة حماس للتمكن من رأس منظمة التحرير لاغتيالها تماما كما فعلوا عندما تمسكنوا حتى تمكنوا في الانتخابات التشريعية عام 2006، فانقلبوا على الرئيس أبو مازن الذي صارع دولا كبرى في العالم لتقبل مشاركتهم في الانتخابات إيمانا منه بحقهم كفلسطينيين من المشاركة في صنع النظام السياسي وبقرار مصير ومستقبل الشعب الفلسطيني بملايينه الموجودين على ارض الوطن.

والآن ليس أمامهم إلا إنهاء انقلابهم وتداعياته وآثاره، والانصياع للاتفاقيات وتنفيذها من ألفها إلى يائها، وإجراء مراجعة حقيقية تحول الخوف منهم إلى الحد الأدنى المطلوب للشعور برغبتهم في الشراكة مع الآخر في الوطن، للوصول الى أمان يمكننا من الثبات ومقاومة المشروع الاحتلالي الاستعماري العنصري.

ليس أمامهم إلا التحرر من فخ ذهبوا إليه برؤوسهم، وأسقطوا أنفسهم فيه، ظنا منهم أن الذين غرروا بهم سينقذونهم، ثم يأخذونهم في رحلة علاج، ثم استجمام ثم يرجعونهم إلى سابق عهدهم حكاما للأمر الواقع على قطاع غزة ، وكأنهم لا يعلمون أن ترامب ونتنياهو وقادة دول في الإقليم الذين يتعاملون مع الشعب الفلسطيني كقطاع الطرق، سوف تأخذهم الرأفة و(الحنية) والمشاعر الإنسانية، ويبدون الاهتمام بمصير مليوني فلسطيني في قطاع غزة كما قال الأحمد في حديثه لإذاعة موطني، فحتى لو فعلوا ذلك، ألا تراهم يدركون فظاعة المقبلين على تنفيذها بقبولهم تحويل قضية التحرر والاستقلال والعودة إلى مجرد رواتب من دول في الإقليم تأتيهم عبر بنوك حكومة الاحتلال الاستيطاني العنصري الإسرائيلي، أو إلى مجرد حملة إعانة إنسانية لا أكثر!!.

تحذير أبو نداء المنشور اليوم في "الحياة الجديدة" ونداؤه بإخلاص وصدق على قادة حماس لاقتناص اللحظة ليفكروا ولو مرة واحدة كفلسطينيين وطنيين جدير بأن يؤخذ على محمل الجد، حتى وان كنا على قناعة بأن الوطني لا يعدم الأمل، حتى لو أعدمه الأشقاء الأشقياء.