خسرت الساحة الأدبية والثقافية العربية، مساء أمس الثلاثاء، أشهر من يكتب المقالة في الوطن العربي، الشاعر والكاتب الفلسطيني خيري منصور (1945-2018)، المولود في قرية دير الغصون في طولكرم.

وصفه أحد قرائه العاديين، أولئك الذين يقرأون وهم على حيادٍ تام، دون أن تربطهم أدنى مصلحة أو علاقة شخصية بالكاتب: بعض من الحروف التي كنّا نفرح لوجودها في هذه الحياة، وتسهم في إبقاء شيء من النوافذ مفتوحة، وشيء من الجدل الجميل باقٍ تحت نورها، ترحل.

وكتب فيه قراء آخرون عاديون: خسرت الصحافة العربية عمودا ثقيلاً، وداعا يا مفاتيح الكتابة، يا مغاليق الأسرار خسرت الصحافة العربية أحد أجمل كتاب المقال، كان رأيه يُشعرك بالاحترام له، حتى لو كنت على خلاف معه.

هو الحكّاء الماهر، كما وصفه الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي: الحكّاء الماهر يُنهي حكايته فجأة. وداعاً خيري منصور.

كتب محمود درويش على غلاف أعماله الكاملة: إنك فنجان قهوتنا الأول‏،‏ فلا يبدأ نهارنا إلا بك‏‏. أحببناك‏‏ وأدمناك ولم ينج أحد منّا من عدواك.

الباحث والكاتب الأردني فخري صالح: مؤلم هذا النبأ، وفاة الكاتب الكبير، وصاحب الأسلوب الأدبي الرفيع.

الشاعر السوري نوري الجراح: خيري منصور، صديق الأوقات المرحة، يفاجئنا... ويرحل.

الموت يتمشى في الجوار.

الكاتب الفلسطيني راسم المدهون: خيري منصور تجوّل في العواصم وفي الحياة؛ وفي كل تجواله ظل وفيًّــا لفلسطين والإبداع.

أما الشاعر المصري محمود قرني، فكتب: قلبي حزين حتى الموت.. الشاعر والكاتب الفلسطيني خيري منصور في ذمة الله. واحد من أكبر المثقفين العرب وأمهر كتاب المقالة في عصرنا الحديث.

وكتب نزار كايد: فجعنا اليوم بخبر وفاة الكاتب الفلسطيني المبدع خيري منصور الذي كنا نتلهف لقراءة ما يكتب. وهو ايضًا شقيق الشهيد نشأت منصور - المناضل الرائع الذي تعرفنا عليه في «سجن المحطة» وذهب الى لبنان مباشرة من السجن للالتحاق بالثورة إبان الاجتياح الاسرائيلي، حيث دبّرت له المخابرات الاسرائيلية الاغتيال هناك.

الناقد والصحفي الفلسطيني راشد عيسى: أعترف أنني قلّما قرأت للأديب الفلسطيني خيري منصور، رغم أننا نكتب معاً للجريدة نفسها، كل من مكان. غير أن صورته وزاويته الأسبوعية، كانت تشعرني، حين أمرّ بهما، أنني في مكان آمن. ليس هناك أبلغ من تعبير الماغوط عن الفقد: إننا نفتقد اليوم شجرة لطالما مررنا بها، نصحو اليوم لنجد المكان، الطريق، من دونها.

الروائي والقاص المصري ابراهيم عبد المجيد: وداعًا لخيري منصور، واحدًا من أجمل الناس وأجمل الكتاب .

الشاعر غازي الذيبة رثاه قائلاً: "أيلول يسرق حقول القمح من البيادر

وها أوسطه، يسرق بذخ خيري منصور

ليترك زاويته اليومية المثقفة، فارغة

إلا من روحه ورياحه.

سلاما لروحه، ووداعا للطيور القلقة".

وكتب الصحفي اسلام سمحان: عاش الشاعر والكاتب خيري منصور وحيدًا وكذلك رحل وحيدًا بعيدًا عن الوسط الثقافي الذي تنخره البغضاء والحقد والنميمة والاستعلاء.. ربما لأنه كان أصدقهم فلم يصعر خده لشاعر في جيل أحفاده بغية دراهم معدودة ولم يضمر الشر لكاتب شاب ولم يقطع رزق أحد بادعاءات وأكاذيب.

المدون خالد سليم: صاحب القلم الذي لا يجف، والجملة العذبة المباشرة، بلا تحسينات ولا بلاغة مبالغ فيها. تعرفت على مقالات خيري منصور في تسعينيات القرن الماضي في جريدة الخليج الإماراتية، وكنت أراها لوحات أدبية فاخرة، دون أن يقصد ذلك. كانت الكتابة عنده فعلاً روتينيًّا، كالتنفس.

مقالاته كانت تدريبات على الكتابة السليمة والإلقاء. كان يكتب كأنه يقرأ. جمله قصيرة ومباشرة، وأفكاره تنساب بهدوء. كان متفرغًا للكتابة، يكتب في اليوم مقالين وأكثر، لغير جهة، منها الدستور، بيته الدافئ. لقد كُسر اليوم قلم رشيق.

قبل أيام، نعى غسان شربل سعد السيلاوي، فقال: "يموت الكاتب كما يستقيل عصفور من لعنة الطيران". وقد رحل صاحبنا اليوم كعصفور تعب من الطيران.

رحيل أمثال خيري منصور خسارة كبيرة، في زمن عزّت فيه الأقلام الوازنة.

لقد هُدم عمود آخر في معبد الصحافة التقليدية.

كان شعره يهجس بفلسطين، "غزلان الدم" (1981)، و"مراثي للنائم الجميل (1983)، و"ظلال" (1978)، و"التيه وخنجر يسرق البلاد (1987)، و"الكتابة بالقدمين" (1992). كانت مؤلفاته النقدية، وبينها مؤلفه المهم "الكف والمخرز" (1980)، وهو عبارة عن دراسة في الأدب الفلسطيني بعد العام 1967 في الضفة والقطاع، وله في النقد أيضاً مؤلفات: "أبواب ومرايا: مقالات في حداثة الشعر"، و"تجارب في القراءة"، و"في حداثة الشعر: تجارب في القراءة".

درس منصور المرحلة الثانوية في فلسطين، ثم درس المرحلة الجامعية في القاهرة، وأبعدته سلطات الاحتلال الإسرائيلية من فلسطين العام 1967، فغادر إلى الكويت ثم استقر في بغداد حيث عمل محرراً أدبياً في مجلة الأقلام العراقية، قبل أن يستقر في الأردن التي يحمل جنسيتها، محرراً للصفحة الثقافية في جريدة الدستور بعمّان، وبقي يكتب عموداً صحفياً فيها حتى رحيله بعد صراعه مع مرض عضال.