انتشرت صور الفلسطيني موفق خليل أبو سعد الذي يحب أن نلقبه بالمواطن وهو يرفع الكرت الأحمر بوجه ضباط وجنود الاحتلال الإسرائيلي كتعبير عن رغبته برؤيتهم خارج ارض وطنه، رغم قدرته على مواجهتهم بخطاب جوهري وفي الصميم باللغتين العبرية والانكليزية ملخصه " ارحلوا..فهذه أرضنا وهذا وطننا "

بالقنباز والحطة الفلسطينية وبعكازته الفضية المميزة، وبشموخ وهمة قلما رأيتها في رجال يحملون تاريخا من العطاء والتضحية من اجل فلسطين لا يقل عن ستين عاما، وبقدرته العالية على الحركة والوقوف بوجه أسنان جرافات الاحتلال الفولاذية، عرفناه في "أكاديمية الخان الأحمر" التي سميناها أيضا جامعة الحرية والسلام " لمست حسه وشعوره الإنساني عندما كان يبادر إلى تغطية متضامن أجنبي بات معنا تلك الليلة، يقدم لهذا وذاك مستلزمات المبيت قبل أن يستريح على فرشته المتواضعة، رأيته حريصا على أن يتمكن الجميع من تناول طعام العشاء قبل أن يتربع ليتناول ما تيسر من نعمة الله مع جموع المساندين .

أكثر من مرة تمدد أبو سعد أمام سيارات شرطة الاحتلال وجرافات جيشه ليمنع تقدمها، وباتت صورته علامة على المقاومة الشعبية، وواحدة من رموز تمسك الفلسطيني بأرض وطنه، كيف لا وهو القادم من عتيل في طولكرم ليدافع عن مستقبله ومستقبل أحفاده وما بعد أحفاده، ابتداء من هنا في البوابة الشرقية للقدس، في الخان الأحمر.

للرجل صفحات عز من كتاب النضال الوطني للشعب الفلسطيني، وفي جانب آخر من مشهد المقاومة الشعبية برزت صورة الفلسطيني عمر عبد الله الحاج المعروف "بابو النمر" الذي عرفه كل من حضر إلى خيمة الاعتصام والمساندة فلسطينيا كان أو أجنبيا، وقد تدل الصور المنشورة اثر المواجهة يوم الجمعة الماضي مع جنود وضباط الاحتلال المدججين بالسلاح والجرافات على هذا الفلسطيني الريحاوي الأشقر، حيث بدا جنود الاحتلال وهم يهجمون عليه كهجوم وحش مفترس، وذنب أبو النمر انه كان كالنمر فعلا لا يقبل شريكا غريبا في ارض وطنه، يحاول منع المحتلين من اغتصاب آماله وأحلامه ومستقبل أبنائه الذين رأيناهم يجولون بنسخ من علم فلسطين في خيمة الاعتصام، يلوحون بها بكل فخر، ليعلو بصوته القوي الهادر كما سمعناه فجر الخميس مكبرا :" الله اكبر " ليطغى على ضجيج جرافات الاحتلال أثناء هدمها بيوت قرية الوادي الأحمر.

أبو النمر بحضوره وحيويته في المساندة والاعتصام أكاد اجزم أن معظم رواد الخيمة قد تناولوا من يديه القهوة او الماء المبرد، وأظنه كان يفعل ذلك مدفوعا بواجب التكريم والتقدير لكل من يحضر مساندا إلى الخان الأحمر، ومازالت عبارته التي كان يرددها كلما رآني :" والله كل الاحترام " ونعتقد هنا بوجوب الرد بأحسن منها لعلها تصله وتساهم في تخفيف آلام جراحه في مواجهة يوم الجمعة الماضي، وآلام قيوده في زنزانة المحتل، ولعلها تكون عاملا معنويا وهو يقف في المحكمة العسكرية الاحتلالية مواجها لقاض عسكري ظالم لا معنى ولا شرعية لأحكامها وقراراتها .. سنقول لأبي النمر: لك كل التقدير والاحترام لك ولأمثالك الذين تحدوا فنالوا شرف الاحترام.. لقد أنهكتهم يا أبو النمر ومعك أبو سعد ومناضلون لا نعرف أسماءهم حتى تعب فولاذ الغزاة، فلك ولكل محب لهذه الأرض وإنسانها كل الاحترام.

لا يحتاج المناضلون في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وعلى رأسهم الأخ الوزير وليد عسا ف (أبو علاء ) ويمينه الأخ عبد الله ابو رحمة منسق حملة أنقذوا الخان الأحمر ومعهم كوادر الهيئة من الجنسين الذين نعتز بمن نعرف أسماءهم وكذلك بمن لا نعرف بعد، لا يحتاجون إلى مزيد من التعريف وإلقاء الضوء على تجربتهم الشخصية والعامة في مسار المقاومة الشعبية، فهناك وفي كل معركة مصيرية يوجد جنود مجهولون، يبذلون عطاء لا محدودا، يمكن للمخلص والصادق في رؤيته لمس ية تضحياتهم على أرض الواقع، إذ يكفي يوم واحد من التعايش والمساندة في خيمة الاعتصام في الخان الأحمر وقضاء نهار حار وليلة حافلة بالفعاليات المحفوفة بالخطر، والترقب للحظة الحاسمة وساعة الصفر لابتداء جريمة الاحتلال، وأجواء الحيطة والحذر الدائمة والبارزة بوضوح وعلى وجوه القائمين والساهرين على رفع المعاني الوطنية الحقيقية لخيمة الاعتصام الكبرى في الخان الأحمر، يكفي يوم واحد من المساهمة والمساندة الفاعلة لادراك حجم المهمة وثقلها، وعظيم المسؤولية والتضحية التي يبديها المناضلون المجهولون في الهيئة كل في موقعه ومهمته .. حتى إننا نقولها بكل ثقة أننا أمام تجربة نضالية نوعية يجب توثيقها بتفاصيلها، لعلها تكون نموذجا ومثالا يحتذى في كل موقع من مواقع المقاومة الشعبية السلمية، كتوأم لتجربة مناضلي كفر قدوم.

الجنود المجهولون في الخان الأحمر كثر لا يمكن حصرهم، في ظل تبني مواطنين فلسطينيين ومتضامنين أجانب لقضية الخان الأحمر التي رغم ظاهرها وهو منع هدم القرية البدوية ونقل سكانها، فان جوهرها بات معلوما ومعروفا لكل فلسطيني اخلص في الانتماء لوطنه، فهؤلاء الذين حرصوا على التواجد يوميا وعلى مدى 80 يوما يعلمون أنهم ينتصرون للمشروع الوطني، ولمستقبلهم على أرض وطنهم، وإنهم ومن جوار مدرسة القرية وتحت أشجارها يقاومون مخططات تهويد الأرض الفلسطينية وتحديدا أراضي القدس وضواحيها، ويحاولون الإبقاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

لأبي سعد، لأبي النمر، لأبي علاء، لعبد الله أبو رحمة، لفرانك رومانو للمسعف مجد ناصر ولكل فلسطيني أو أجنبي وطأت قدماه الخان الأحمر لنصرة القدس كل الاحترام.