مضت 36 عاما على المجزرة الوحشية في مخيمي صبرا وشاتيلا، التي سقط فيها حوالي 5000 الآف شهيد من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب الفلسطيني على يد قتلة وحوش العصر الآدميين الإسرائيليين وعملائهم المرتزقة من الجماعات اللبنانية الانعزالية، ولم تغب ظلالها القاتمة، وشبحها المريب والخطير عن الذاكرة الوطنية. لا بل أنها مع مرور كل عام تكون أكثر حضورا مع ازدياد سوداوية اللحظات السياسية، التي يمر بها الكفاح الفلسطيني المعاصر.

لم تكن مجزرة صبرا وشاتيلا حدثا عابرا يمكن أن ينسى بالتقادم، ومع مرور الوقت، ولن تكون كذلك، لأنها عميقة في الوعي الوطني أسوة بكل المجازر العنصرية، التي ارتكبها فاشيو الحركة الصهيونية وجيش الموت الإسرائيلي على مدار عقود الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وحدوثها كان إذكاء لنار الصراع، وإعمالا للعقل والوعي الوطني بالإصرار على الانتصار.

كما أن استحضارها يوما تلو الآخر، وعاما بعد عام مع سلسلة المجازر، التي فاقت الأربعين مذبحة، إنما هو استحضار لنبع السلام، وغرس روح التعايش والتسامح على لغة القتل والإرهاب المنظم الإسرائيلية، ومحاولة لإغلاق نزيف الدم الأحمر القاني من الوريد والشريان الفلسطيني، وإشعال بريق الأمل لإضاءة قناديل الحياة الآدمية الكريمة للإنسان الفلسطيني العربي، الذي كابد الموت مع كل طلعة فجر جديد.

ويكمن البوح بمواجعها وفواجعها وآلامها في زمن الفجور الأميركي الإسرائيلي ومن والاهم من عرب وعجم، لإيقاظ صوت العقل الوطني والقومي والإنساني في أصقاع المعمورة لوقف التحضير لمشروع المجزرة الفاشية القادمة، التي ستكون أكثر دموية ودونية، لأنها ستغطي الأرض بالسواد الممتزج بالدم المخضب من أجساد الضحايا الأبرياء والعزل. ولإنهاض النائمين من سبات غفوتهم، ولا مبالاتهم لعلهم يوقفون حرب الانقلاب الحمساوية، ويسدلون الستار على حروب القتل البينية العربية العربية، وحتى ينفخوا إكسير الحياة في جسد الشعب والأمة العربية المثخن.

صبرا وشاتيلا مخيمان توأمان جادا بأبنائهما قربانا لروح الثورة والمجد الفلسطينية، ودفاعا عن الحرية، ونزفا حتى الرمق الأخير ليفضحا للمرة الألف النازيين الجدد أتباع هرتزل وجابوتنسكي وبن غوريون ودايان وبيغن وشامير ونتنياهو ورابين وبيريس وليبرمان وبينت وباراك ويعلون وليفني واولمرت وكل القتلة منذ ولدت الحركة الصهيونية، أو منذ صنعها الغرب الرأسمالي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا. وليؤكدا للعالم اجمع أن لغة الموت والمذبحة والإقصاء والتهميش والعنصرية والفاشية والبلطجة وقانون الغاب لا تصنع سلاما ولا استقرارا، ولا تصنع مجدا وحضارة، بل تقيم مدن المقابر الموحشة، وتعلي لغة البارود والدم على غصن السلام الأخضر.

ولا خيار أمام الضحية الفلسطينية سوى الإمساك بشراع الأمل والحياة، وزرع السنابل على ضفاف نهر الدم الإسرائيلي الصهيوني الأميركي، ورفع راية الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير والمساواة عاليا في وجه الطغاة من كل الجنسيات والمسميات، وسحق كل من يقصف زهور الورد اليانعة بسيف العدالة الإنسانية، ومارتينة الحقوق الوطنية المشروعة.

صبرا وشاتيلا يطرقان جدار الخزان الفلسطيني والعربي، ليستيقظ ابناء الشعب والأمة، ويعيدوا الاعتبار لمجد السلام والحرية والعدالة، وينفضوا غبار ولعنة الهزيمة. وستبقى ذكرى المجزرة باقية لا تندمل.