لا اعرف إن كان يجب أن نفرح أو نحزن أو نغضب من قرار إدارة ترامب إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وبالتأكيد مع هذه الإدارة المتصهينة، يجب أن نفرح بألا يكون لنا معها أي صلة، لأنَّها أكثر سوءًا من الصهيونية ذاتها. إمَّا أن نحزن، لأنَّ العلاقة مع الدول العظمى في العالم، هو أمر مهم ضروري وحيوي، كما إنَّ المكتب كان نافذة مهمة على الأميركيين من أصل فلسطيني وعلى العرب في الولايات المتحدة.

وبما يتعلق بالغضب، فإنَّ القرار جاء في سياق إصرار إدارة ترامب على المضي قدمًا في محاولاتها تصفية القضية الفلسطينية، والتنكر للحقوق الأساسية للشَّعب الفلسطيني، ومحاولة إخضاعه لمشيئة إسرائيل بالكامل كما يجب أن نغضب لأنَّنا لم نقترف أي عمل عدائي للشَّعب الأميركي وللولايات المتحدة، بل إنَّ إدارة ترامب هي من تواصل الاعتداء على الشَّعب الفلسطيني وعلى قضيته الوطنية.

نحن نتذكر أنَّ واشنطن اعترفت بمنظمة التحرير في نهاية عام 1988، ومطلع عام 1889، عندما اعترفت المنظمة بالقرار 242، وأعلنت نبذها للعنف، ومنذ ذلك التاريخ والمنظمة ملتزمة بما أعلنت، وتأكَّد ذلك في كل مناسبة، إذن، لماذا هذا القرار وبهذا التوقيت؟.

من الواضح إنَّ ترامب ومجموعة إدارته، كانت لها نوايا مسبقة بالانقضاض على القضية الفلسطينية، وعلى الشَّعب الفلسطيني حتَّى قبل أن تصل عام 2017 إلى البيت الأبيض.

من الواضح أنَّ ترامب وإدارته، يتصرفون بسبق إصرار وترصد، وهم يسابقون الزمن، من أجل تصفية القضية الفلسطينية، ويطمحون أن يسجل التاريخ الصهيوني هذا الانجاز. وخلال ستة أشهر قامت هذه الإدارة بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس وأعلنت إنَّ هذه الأخيرة عاصمة لإسرائيل، كما قامت بوقف المساعدات الأميركية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الاونروا" (650) مليونًا، كما أوقفت المساعدات للسلطة الوطنية والشَّعب الفلسطيني، وحتَّى المستشفيات الموجودة في القدس المحتلة، وأخيرًا قرار إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن.

إنَّ إدارة ترامب في الواقع تشن حربًا على الشَّعب الفلسطيني، لأنَّ هذا الشَّعب وقيادته قالوا لا لصفقة القرن، وهي الصفقة التي تهدف إلى تصفية وجودهم السياسي، وإعطاء إسرائيل الحق الكامل بالتصرف في مصيرهم والدليل إعلان هذه الأخيرة وفي هذا الوقت بالذات قانون القومية، أو يهودية الدولة التوسعي والعنصري، الذي يحرم الشَّعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير على أرضه التاريخية.

إنَّنا أمام ظاهرة أميركية هي الأخطر، ظاهرة لا تدعم بالمطلق المشروع الصهيوني وحسب، بل هي تبغض الفلسطيني ولا ترغب برؤية وجوده على وجه الأرض لكون هذا الشَّعب يقف حجر عثرة أمام تمدُّد مشروعهم الصهيوني الاستعماري. أنَّنا أمام ظاهرة هي الأكثر عنصرية في التاريخ البشري، ولكنَّ ظلمة وظلم هذه الإدارة العنصرية سيكنسها التاريخ، وكما يقول شاعرنا محمود درويش، إنَّنا في اللحظات الأكثر حلكة من الليل، وهي اللحظات التي تسبق فجر الحرية.