ما يحدث أمام العالم، هو فرض إملاءات القوة بالتهديد والابتزاز بقيادة القوة الأكبر في العالم بإدارة ترامب وانحيازها لقوة الاحتلال الأطول في العالم بقيادة نتنياهو، وفي الجانب المقابل هنا الشَّعب الفلسطيني بقيادته الرافضة والمقاومة للاحتلال بجرائمه وانتهاكاته ضد الإنسانية ومنها جريمة الاستيطان الاستعماري، والمقاطعة للقوة الأكبر، أمام هذا المشهد، تعمل القوة الأكبر على فرض المفاوضات على الشَّعب الواقع تحت الاحتلال، مفاوضات يُفهم منها الموافقة الفلسطينية المسبقة على إجراءات سرقة القدس وتهويدها وإعلانها عاصمة أبدية للاحتلال المرفوض من دول العالم، كما يُطالب الفلسطيني بالتنازل عن كلِّ قضايا الحل النهائي ومنها حق العودة واللاجئين والحدود والمياه والسيادة.

الواضح أن صفقة القرن والتي تندمج تمامًا مع السياسات والإجراءات والقوانين العنصرية الإسرائيلية، تعمل على ضمان التفوق والهيمنة الإستراتيجية الإسرائيلية على المنطقة بدواعي "الأمن الإسرائيلي المطلق"، بمنهجية سافرة ومنها فرض السيطرة السياسية والاستعمارية الإسرائيلية على معظم الأرض الفلسطينية، عبر سياسات الاستيطان والتهويد، وتكريس "يهودية الدولة" عبر تشريع قوانين وآخرها قانون القومية العنصري، والإعلان بأنَّ القدس كما اللاجئين خارج الطاولة السياسية.

ترامب يستخف بالعالم وبالقانون الدولي، وبعنجهية وغطرسة القوة يعمل على تهديد كل منظمة ومؤسسة دولية يمكن أن تكون أداة لإدانة "إسرائيل" وتهديده لمحكمة الجنايات الدولية يعتبر البداية لما يليه، بالتالي أصبح مجرد "المساس" بالاحتلال وقادته يعني مساسا بالأمن القومي الأمريكي؟!.

منتدى الشرق الأوسط هو المعهد الأمريكي الذي يقود الحملة ضد الأونروا، لتنفيذ الحلم الإسرائيلي بإنهاء "الأونروا" وتفتيت مفهوم اللاجئ الفلسطيني، أي إلغاء حق العودة، وهنا يبرز التضاد بين مشروعين، الأول شرعي وتحرري هو المشروع الوطني الفلسطيني، والثاني استعماري عنصري مبني على الفاء الآخر وطرده وقتله وسرقة مقدراته وهو المشروع الصهيوني "الهجرة والتهجير"، وتقف اليوم الإدارة الأمريكية منحازة تمامًا للمشروع الصهيوني بل تحقق الأحلام الصهيونية وتجعلها متاحة وبل إنَّ هناك أصوات إسرائيلية ترى في هذا إفراط للقوة وبداية النهاية لهذا المشروع الكولونيالي.

من غير الواضح ما هي الصيغة الكاملة لصفقة القرن، ولكن يبدو أنَّها تتطور إلى ثلاث اتجاهات تبدأ بتشتيت الشَّعب الفلسطيني وإحباطه تمامًا وتقويض نضالاته وتطلعاته عبر قرارات وقوانين وإجراءات متلاحقة "مثلما تمَّ خلال الشهور الماضية وإغلاق مكتب المنظمة في واشنطن واتهام المنظمة – الكيان الجمعي للكل الفلسطيني - بالإرهاب، واستغلال التفتت العربي ووقوع بعض العواصم في الصراعات الداخلية، لإضعاف موقفها من القضية الفلسطينية وهذا ينتهي بتحقيق امتداد "دولة إسرائيل" السلطة القائمة بالاحتلال، عسكريًا واقتصاديًا عبر وسائل مختلفة ومنها التطبيع وقيام شراكة آو استثمارات وإضعاف الشتات الفلسطيني وإغراقه في الهجرة والتوطين بعيدًا عن "أرض المعركة".

وأخيرًا فإنني لا أرى أي اختلاف بين ما عرف بصفقة القرن وبين الأطماع الصهيونية، فالصهيونية تخطط لمستقبل المنطقة كما يحلو لها، وغرنبيلات يتحدث أنَّه يجب على القيادة الفلسطينية أن تدخل في مفاوضات مع "إسرائيل" دون قيد أو شرط وتحت سقف الإجراءات الأمريكية الأخيرة التي استندت إلى المصالح الأمريكية والتي تندمج مع المصالحة الإسرائيلية ومع تحقيق الأمن المطلق للاحتلال وتقديم كل الدعم اللوجستي والعسكري له لضمان تفوقه في المنطقة وسيطرته الكاملة، وفرض العقاب الجماعي على كل من يعارض ذلك.

وأخيرًا، فإنَّ الإدارة الأمريكية "بصفقة القرن" لا تعزز الثقة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ولكنَّها تدمر كل احتمالية للعودة والدفع بالمفاوضات، وبل تتحمل أي سفكاً للدماء في نهاية المشهد المأساوي.