في 13 أيلول حلّت الذكرى ال25 للتوقيع على إتفاقية أوسلو في البيت ألأبيض الأميركي. وهي ذكرى أليمة وحزينة تعكس المرارة والتراجع، الذي أصاب القضية والمشروع الوطني بالكثير من الأضرار والثقوب نتاج ما حملته الاتفاقية من مثالب وعيوب ونواقص وأخطار على مستقبل الكفاح الوطني التحرري.
بعد مضي 25 عامًا على تلك الاتفاقية غير المتكافئة والمثلومة لا قيمة لاستخدام صيغة "لو"، لأنَّها لم تعد تجد نفعًا. لكن من حق كل فلسطيني أن يسلّط الضوء على الخطايا والأخطاء لاستخلاص الدروس والعبر، ووضع الرؤى والمشاريع الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية/ التربوية والكفاحية والتنظيمية لردم الهوة السحيقة، التي أحدثتها اتفاقيات أوسلو العقيمة، وإعادة الاعتبار للقضية والأهداف والثوابت الوطنية.
كما لا يجوز للداعمين لخيار أوسلو أن "يتغنوا" ب"منجزاتها وتداعياتها "الإيجابية". لأنَّ كل تلك الإيجابيات الموجودة فعلاً، لا تشكّل شيئًا أمام نقاط الضعف والخسائر، التي أصابت الشَّعب والقضية والمشروع الوطني. ومع ذلك يفترض على كلّ باحث وقائد سياسي وإعلامي مختص أن يكون موضوعيًا وحكيمًا وهو يحاكم القيادة الفلسطينية لحظة التوقيع، والشروط المعقدة، التي لازمت الحدث التاريخي غير الإيجابي، ورؤية حجم الغموض والالتباس، الذي غلَّف القضية بعد اجتياح إسرائيل الزلزالي للبنان حزيران عام 1982،وما تركه من جروح عميقة في الجسد الفلسطيني، والتدقيق في المنافسة غير المبررة، ولا المشروعة بين بعض أهل النظام الرسمي العربي وقيادة منظمة التحرير، فضلاً عن التآمر المعلن على قيادة منظمة التحرير بذرائع وحجج واهية من الكثير من أهل النظام العربي، والانعكاسات الهائلة والخطيرة الناجمة عن حرب الخليج الثانية على النظام العربي عموما والقضية الفلسطينية خصوصًا.

حصاد أوسلو لم يكن يومًا حلو المذاق، بل كان حصادًا مرًا وعلقمًا، دفعنا حتَّى الآن ثمنًا باهضًا وغاليًا من الأرض والحقوق والمصالح الوطنية، وقد يكون الثمن في المستقبل المنظور أكثر تكلفة في ضوء الحرب المجنونة، التي يقودها الرئيس دونالد ترامب وإدارته عبر صفقة القرن مع حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية من خلال جرائم حربها ضد القضية والشَّعب وقيادة منظمة التحرير والأهداف الوطنية والكيانية الفلسطينية الوليدة.
ومع ذلك على قيادة منظمة التحرير والقوى والنخب السياسية امتلاك الشجاعة لإجتراح الصعاب بدل البكاء على الأطلال، والتكامل مع ما اشتقته قيادة المنظمة في دورات المجالس المركزي ال27 و28 و29 ودورة المجلس الوطني 23. لا سيما وإنَّ القرارات التي تمَّ تبنيها تشكّل المدخل السياسي والاقتصادي والأمني والكفاحي المناسب لوقف التدهور الحاصل في مسيرة النضال الوطني، ووضع حد لتفاقم وتغول الاستيطان الاستعماري في الأرض الفلسطينية المحتلة في الخامس من حزيران / يونيو 1967، وإلغاء المرحلة الانتقالية، وكل المعاهدات والاتفاقيات الموقعة مع دولة الاستعمار الإسرائيلي، ووقف كل أشكال التنسيق وفي مقدمتها التنسيق الأمني، وسحب الاعتراف بدولة إسرائيل، وإلقاء اتفاقية باريس في سلة المهملات، وتصعيد منهجي للكفاح الشعبي الفلسطيني حتَّى يعم البلاد بأسرها ويشمل قطاعات الشَّعب المختلفة، وبناء اقتصاد الصمود الشعبي، وتعزيز الحضور والتواجد والبناء في المنطقة(c)، وتكامل أشكال النضال مع أبناء شعبنا في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل وفق برنامج وخطة عمل وطنية شاملة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كلّ تجمع بعين الاعتبار، وقبل هذا وذاك الذهاب للوحدة الوطنية، واسترجاع قطاع غزة، وطي صفحة الانقلاب الأسود بكل الوسائل الممكنة والمشروعة، وعلى أرضية الشعار السياسي الناظم: "يا إمَّا نستلم، يا إمَّا سنستلم"، والذي يتوافق مع الشعار الأعم والأهم "لا دولة في غزة، ولا دولة دون غزة"، وبالضرورة فتح أبواب منظمة التحرير لاحتضان كل القوى، التي تقبل ببرنامجها وقيادتها الشرعية، وعلى أرضية الشراكة السياسية الكاملة. ولتكن الذكرى ال25 لاتفاقيات أوسلو، التي دفنها نتنياهو أثناء توليه حكومته الأولى 1996/1999، التشييع الفلسطيني الأخير لها. لأنَّها لم تعد قائمة إلَّا وفق ما يريده منها قادة الائتلاف اليميني المتطرف الإسرائيلي وخاصة التنسيق الأمني، وما يخدم اقتصاد دولتهم الكولونيالي. لم يعد هناك ما نبكي عليه، أو نخسره إذا ما نفضنا الغبار الأوسلوية عن هويتنا وشخصيتنا وعن ممثلنا الشرعي والوحيد، منظمة التحرير وكفاحنا الوطني. ولنعد الاعتبار لمجد مشروعنا الوطني. أعتقد جازمًا إنَّنا سنفعل قريبًا وقريبًا جدًا.