خاص مجلة القدس| العدد 349 لشهر آب 2018
حوار: عدي غزاوي


يُواصلُ الاحتلال الإسرائيلي تغوّله الاستيطاني وجرائمه العنصرية بحقِّ الفلسطينيين عبر جملة من الإجراءات كان آخرها اعتداء قوّاته على أهالي تجمُّع الخان الأحمر البدوي ومحاولة تهجيرهم من منازلهم وأرضهم استكمالاً لمُخطَّط توسيع "القدس الكبرى"، وإقرار الكنيست قانون "قومية الدولة" بهدف إلغاء أيِّ وجودٍ فلسطيني في الداخل، في ظلِّ استمرار توتُّر الأوضاع على حدود قطاع غزّة وما يطرحه ذلك من سيناريوهات مُحتمَلة. وللوقوف على تفاصيل جميع هذه التطوّرات، والاطّلاع على ما آل إليه ملف المصالحة، أجرت مجلّة "القدس" هذا الحوار مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" د.سمير الرفاعي.

ما هو تقييمك للوضع في غزّة؟ وبرأيك هل هناك حرب قادمة؟
طالما أنَّ الاحتلال الإسرائيلي مستمرٌّ فكلُّ الاحتمالات واردة الحدوث في غزّة، وسنبقى في حالة حرب قائمة وإن تخلَّلَت فترات من الهدوء. صحيحٌ أنَّ الاحتلال انسحب من غزّة، ولكنَّه ما زال يُحاصرها ما حوَّلها إلى ما يُشبه السجن الكبير، وللأسف هناك مَن يحاول تصوير أزمة قطاع غزّة على أنَّها أزمة بين القطاع وبين السلطة الفلسطينية مع أنَّ مشكلات الفلسطينيين ومعاناتهم سببها الاحتلال الإسرائيلي، فهو مَن يمنع دخول البضائع والسّلع الأساسية إلى غزّة. وبرأيي الوضع في القطاع مُرشَّح للتوتُّر أكثر في ظلِّ الظروف الحالية. وبالنسبة للاجتياح البرّي لقطاع غزّة فهو يخضع لحساباتٍ كثيرةٍ وبحاجةٍ لظروف مُعيَّنة يفهمها الاحتلال، لذا فالجيش الإسرائيلي الآن يخوض حربه باستخدام سلاح الطيران لكونه أقلَّ تكلفةً وأكثر أمانًا بالنسبة له. وبتقديري أيُّ عدوان على غزّة سيُوحِّدنا كفلسطينيين، فنحنُ شعبٌ واحدٌ، ولكنَّ حركة "حماس" للأسف بكلِّ تكتيكاتها وسياساتها تحاول إبقاء سيطرتها على قطاع غزّة هروبًا من المصالحة تحت عناوين وطنيّة كُبرى كمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. بالطبع، قد تستطيع "حماس" تضليل الناس لفترة، لكنَّها لن تستطيع أن تُضلِّل شعبنا طوال العمر.
هل من جديد بخصوص المصالحة الوطنية؟
هُناك عدَّة أفكار قدَّمها الإخوة المصريون بهدف تمكين الحكومة، وإنهاء الانقسام، وتوحيد النظام السياسي في الضفة والقطاع، وسيتوجَّهُ وفدٌ فلسطينيٌّ قريبًا لمناقشة هذه الأفكار مع الأشقاء المصريين عبر طاقم الأمن الجديد الذي بدأ يتولَّى هذه المهمّة، والمطلوب اليوم تنفيذ الاتفاقات السابقة وتفعيلها إذ ليست هناك أيّة أوراق أو اتّفاقات جديدة، ونحنُ في حركة "فتح" نعملُ بكلِّ جهدٍ آملين أن يتوحَّد الصفّ الفلسطيني قريبًا لأنّ وحدتنا مصلحة وطنية عُليا.
ما هي خطورة محاولات الاحتلال تهجير بدو الخان الأحمر؟ وكيف يتمُّ العمل على مواجهة ذلك؟
الاحتلال يريدُ التمدُّد والسيطرة على كلِّ الأرض الفلسطينية، ويريد أن يصل القدس بالبحر الميت عبر التوسُّع والتهويد، وقيام (إسرائيل) بترحيل البدو الفلسطينيين من أماكن سكنهم واستقرارهم يُعَدُّ جريمةً مُخالِفةً للقوانين الدولية لإسهامه في تعميق الاستيطان والتهام الأراضي الفلسطينية وطرد السُّكّان من أرضهم، ويأتي تنفيذ هذا المشروع بعد القرار الصادر عن الكنيست بضمِّ القدس، وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية القدس عاصمةً للاحتلال، وبالتالي تندرج جميع هذه الخطوات ضمن مخطَّط توسيع القدس لابتلاع الضفة الغربية.
وبالتأكيد توجد جهود ميدانية وتحرُّكات دولية حاشدة وجهود فلسطينية دبلوماسية متواصلة على كلِّ المستويات لفضح الجرائم والاعتداءات الصهيونية في الخان الأحمر، وفي قضية البدو بشكل عام، بالإضافة إلى المساندة الشعبيّة على الأرض للبدو لتعزيز ثباتهم وتمسُّكهم بأرضهم، ونأمل أن تكسِر هذه الجهود تجبُّر المحتل وتنصر أهلنا في تجمُّع الخان الأحمر.
كيف تعاطت قيادتنا الفلسطينية مع قانون خصم مخصّصات أهالي الأسرى والشهداء من أموال المقاصة؟
هذا قانون لا منطقي ولا أخلاقي، ونحن لا نتوقَّع أصلاً إجراءات أخلاقية من قِبَل المحتل، ولكن وَفْقَ القانون هذا الإجراء غير جائز، وأموال المقاصّة يجب أن تُسلَّم للسلطة الفلسطينية حسب الاتفاقات الموقَّعة، أمَّا أن يقوم الاحتلال باقتطاع مُخصَّصات الشهداء والأسرى فهذه جريمة! واستشهد هنا بكلام سيادة الرئيس محمود عباس: (لو بقي قرش واحد فقط في ميزانية السلطة الفلسطينية فسيُصرَف على أُسر الشهداء والأسرى)، وهذا من الثوابت بالنسبة لنا.
تُواصلُ التصريحات الدولية التأكيد على أهميّة حلِّ القضية الفلسطينية استنادًا لحلِّ الدولتين، فهل ترى أنَّ هذا الخيار ما يزال قائمًا؟
حسب المعطيات على أرض الواقع فهو لم يعد قائمًا، لأنَّ العدو الإسرائيلي أغلقَ الأُفُق أمام حلِّ الدولتين، والسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط فعلت ذلك أيضًا بإقرارها أنَّ القدس العاصمة الأبدية لكيان الاحتلال الإسرائيلي، لكنّ النضال الفلسطيني مستمرٌّ حتّى ينال الشعب الفلسطيني دولته وعاصمتها القدس بغض النظر عن أيِّ قرار أُخِذَ.
ما هو مستقبل العلاقات الفلسطينية الأمريكية؟
عندما اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمةً لكيان الاحتلال الإسرائيلي وضعت نفسها في خانة دولة الاحتلال، ولن تُستَأنف العلاقات مع أمريكا طالما أنَّها لا تعترف بحقوقنا كفلسطينيين، وقد أعلنها السيّد الرئيس محمود عبّاس أكثر من مرّة بأنَّ أمريكا شريكة للاحتلال الإسرائيلي، ومَن يرجع إلى التاريخ يجد أنَّ أمريكا شريكة في صناعة وصيانة وحماية الاحتلال، فهي التي شاركت في رسم خرائط سايكس بيكو، وتحديدًا خرائط فلسطين، وساهمت بوضع صكّ الانتداب، وفي رسم خارطة التقسيم كما أرادها اليهود، وهي تؤكِّد في كلِّ مرة أنَّها ليست وسيطًا نزيهًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
بتقديرك ما هو مصير "صفقة القرن" اليوم؟
"صفقة القرن" هي مؤامرة وسياسة أمريكية متواصلة ومُعلَنة ضدَّ القضية الفلسطينية، بدءًا بموضوع القدس مرورًا باللاجئين الذين تحاول أمريكا طمس قضيّتهم منذ العام 1949، ومساهمتها في جلب مهاجرين يهود وتوطينهم في الأراضي المحتلّة، وهذا دليل على أنَّها شريك للاحتلال الإسرائيلي.
ولكي يتم تنفيذ "صفقة القرن" فإنَّها تحتاج إلى جهة فلسطينية ترضخ للإرادتَين الأمريكية والإسرائيلية، وإلى غطاء عربي. ولكن دعني أقول لكَ أنَّه على الرغم من ضعف وتشتُّت الواقع العربي حاليًّا وانشغاله بمشكلاته الداخلية، إلّا أنَّه على سوئه لن يجعل العرب يتخلون عن القدس حتى لو كانت هناك صفقات من تحت الطاولة، لأنَّ أيَّ عربيٍّ لن يستطيع أن يتنازل عنها، وبرأيي "صفقة القرن" عادت إلى الأدراج بفضل الإرادة والصمود الفلسطينيَّين في وجه جميع الضغوطات لتمريرها.
ماذا يعني تصديق الكنيست الإسرائيلي على قانون القوميّة؟
قانون القوميّة قانون عنصري يُكرِّس يهودية الدولة، ويمنح اليهود وحدهم حقَّ تقرير المصير، ويجعل من الفلسطينيين رعايا لا مواطنين في أرضهم ووطنهم التاريخي، أي أنَّه يُكرِّس (إسرائيل) كدولة احتلال عُنصرية، إذ لا توجد أيُّ دولة تُصنِّف المواطنين على أساس الدين، ولا يمكن أن يجتمع الاحتلال والديمقراطية، ولكن بالنسبة لـ(إسرائيل) التي تقول عن نفسها ديمقراطية أمام العالم فهذا القانون يفضحها أمامه، وما ترتكبه (إسرائيل) هو تعميق للعنصرية التي قامت عليها منذ احتلال فلسطين.