ثلاث مصطلحات باتت تحكم واقع ومستقبل قطاع غزة ومعه أيضاً مستقبل الشَّعب الفلسطيني وقضيته، وكأنّ هذه المصطلحات فصلت تفصيلاً دقيقاً، على مقاس قطاع غزة، لتختزل في نهاية المطاف الكلّ الفلسطيني في الداخل وفي الشتات حيث باتت المصطلحات الأكثر تداولاً فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي مغطية على مختلف جوانب القضية الفلسطينية، وجوهرها كقضية تحرر وطني تهم الشَّعب الفلسطيني بملاينه الثلاثة عشر في الداخل والخارج، والتي تمثلت محدداتها في البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية وفي قرارات الشرعية الدولية والقرارات والمواقف العربية والفلسطينية فيما يلي:

أولاً: حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ومدنهم وقراهم التي شردوا منها عام 1948م.

ثانياً: حق المساواة للفلسطينيين الذين صمدوا في ديارهم في الأراضي المحتلة عام 1948م كمواطنين أصليين لا يجوز المساس بحقوقهم وبوضعهم القانوني.

ثالثاً: حق تقرير المصير للشَّعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967م وتشمل قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية واعتبارها وحدة جغرافية واحدة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عليها وعاصمتها القدس الشرقية.

لكنَّه بات من المؤكَّد أنَّ هذه العناصر الثلاثة الأساسية التي تمثل عناصر البرنامج المرحلي للحركة الوطنية الفلسطينية، والتي حظيت بالدعم العربي والدولي، لازالت تواجه بالرفض المطلق من جانب الكيان الصهيوني وحليفته الولايات المتحدة وبشكل واضح في ظلِّ الإدارة الجمهورية الحالية برئاسة دونالد ترامب، وأيضاً حركة حماس التي رفضت هي الأخرى كافة أشكال التسويات مع الكيان الصهيوني، ورفضت البرنامج المرحلي الكفاحي للشَّعب الفلسطيني، ورفضت أن تكون ضمن مكونات منظمة التحرير إلى غاية الآن، .. ومارست مختلف أشكال الرفض والمقاومة لهذه الرؤيا الوطنية والعربية والدولية، ورفضت مبدأ التسوية مع الكيان الصهيوني مؤكِّدة على أنَّ هذا الصراع معه (صراع وجود لا حدود) فقد وجد الكيان الصهيوني فيها ضالته، لمواجهة الضغط العربي والدولي وقرارات الشرعية الدولية القاضية بإنهاء احتلاله للأراضي الفلسطينية والحفاظ على وحدتها الجغرافية والتفاوض على أساسها لأجل إنهاء هذا الاحتلال وتمكين الشَّعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية.

لقد استفاد الكيان الصهيوني من وجود حركة حماس ومقاومتها واشتراكها في انتخابات المجلس التشريعي وبعده الانقلاب على السلطة والسيطرة على قطاع غزة استفادة كبرى، سهلت عليه تنفيذ إستراتيجيته في ضرب وحدة الأراضي الفلسطينية، من خلال فرض حصار ظالم على قطاع غزة، لتأكيد الانفصال بين غزة والضفة الغربية، ليصبح مصير غزة محكوماً (للعبة التهدئة والمقاومة والحصار) ويضحي سراً من الأسرار يكمن بين استمرار النار أو الانفصال، يحدده الكيان الصهيوني وحركة حماس منفردين، وما الحديث عن المصالحة الفلسطينية في مثل هذه الحالة إلى ذر للرماد في العيون، وتغطية على مخطط جهنمي استعماري استيطاني يلتهم أحلام الشَّعب الفلسطيني في العودة، وحق تقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، لقد تمكَّن التناغم الثنائي في رفض البرنامج المرحلي النضالي لمنظمة التحرير الفلسطينية المدعوم عربياً ودولياً أن يجعل من وضع قطاع غزة المتردي في ظلِّ حكم حماس واستمرار لعبة التهدئة والمقاومة والحصار وضعاً متقدماً على كافة عناصر الصراع يحتاج إلى حل سريع وإنقاذي سواء منها حق العودة أو القدس أو الاستيطان وحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

هنا باتت علاقة حماس بالكيان الصهيوني ومستقبل قطاع غزة المحكوم لتلك المصطلحات، يتصدر وجه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي برمته، وما عداه بات وكأنَّه عناصر ثانوية أو غير ذي صلة، تلك المؤامرة الكبرى التي استهدفت حقوق الشَّعب الفلسطيني وقضيته ولعبت فيها (حركة حماس دور الحاوي) الذكي المتستر بالمقاومة ورفض المساومة والمفاوضات والحلول الوسط، لتختزل القضية الفلسطينية بتهدئة طويلة أو مؤقتة بينها وبين الكيان الصهيوني، وبالوضع الإنساني الذي آل إليه وضع شعبنا في قطاع غزة جراء هذه اللعبة الخبيثة (تهدئة مقاومة حصار) فلا مانع من القتل بالجملة أو بالمفرق بين فترة وأخرى طالما هذا يضمن لحركة حماس صفة المقاومة واستمرار تحكمها في قطاع غزة، وإسقاط المشروع الوطني الفلسطيني في حده الأدنى وقصره على (حماس غزة)، ويستمر الحديث عن المصالحة دون أن تخطو حركة حماس أيَّة خطوة فعلية باتجاه إتمام المصالحة، بل كل يوم تخطو خطوتين باتجاه تكريس الانقلاب والانقسام، وتجاوز السلطة الشرعية والممثل الشرعي للشعب الفلسطيني بما يكفل للكيان الصهيوني مواصلة انقضاضه على الحقوق الفلسطينية ليس فقط في القدس والضفة الغربية وإنَّما أيضاً داخل الأراضي المحتلة عام 1948م، حيث شجعه هذا الوضع لإقرار قانون القومية العنصري الذي يسقط حق المواطنين الفلسطينيين في المساواة في المواطنة كما يسقط حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وتكون حماس حصان طروادة الذي استخدمه العدو الصهيوني للإجهاز على المشروع الوطني الفلسطيني بكافة عناصره من حق المساواة في الأراضي المحتلة 1948م إلى ضرب الوحدة الجغرافية للأراضي المحتلة إلى إسقاط حق العودة للاجئين، إلى استمرار التوسع والاستيطان وضم الأراضي في الضفة الغربية إلى ضم القدس وإعلانها عاصمة لكيانه، والحيلولة دون إقامة الكيان الوطني الفلسطيني .

هكذا تتآكل الحقوق واحداً تلو الآخر، وتجزء عناصر القضية والصراع إلى جزيئات صغيرة يصعب تجميعها وتختزل في تهدئة مع حركة حماس مؤقتة أو دائمة، وتخفيف الحصار أو رفعه عن القطاع، وحل المشاكل الإنسانية الناجمة عن لعبة (التهدئة والمقاومة والحصار).