في معادلة الصراع مع المشروع الصهيوني وأدواته (الدولة والأحزاب والقوى الحريدية .. وغيرها) تختلف المعايير داخل أبناء شعبنا في الـ48، وأيضا المواقف من فئة لأخرى لاعتبارات العملية السياسية ومردودها الاجتماعي والوطني، وعليه لا يمكن وضع الجميع في سلة واحدة إلا بالمعيار الوطني الجامع، وبما يخدم مصالح حملة الجنسية الإسرائيلية أولا، وبانعكاسه على المجتمع الإسرائيلي عموما إن أمكن ذلك.

وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن مستويات وطرق التعامل مع قانون "الأساسي القومية" العنصري يفترض أن تتباين وتختلف أشكال النضال وآليات التعامل من شخص لآخر، ومن مجموعة فلسطينية لأخرى ارتباطا بمواقعهم في منظومة الدولة الإسرائيلية، فمثلا موقف زهير بهلول (المعسكر الصهيوني)، الذي أعلن استقالته من الكنيست الإسرائيلي قبل يومين يعتبر خطوة مهمة وضرورية، وفيها شجاعة، ورد اعتبار للذات الشخصية والسياسية، ورفضا للقانون العنصري، الذي أقره الكنيست قبل أقل من أسبوعين، ورفضا لتوجهات وممارسات الأحزاب والقوى الصهيونية، التي أذعنت (حتى لو صوت بعضها ضد القانون الجريمة) لخيار وقرار قوى الائتلاف اليميني المتطرف بقيادة نتنياهو بسوق إسرائيل إلى مستنقع العنصرية والفاشية، وترسيم ذلك قانونيا.

كما أن مواقف النواب والضباط والجنود من بني معروف، المنضوين في أحزاب اليمين المتطرف، التي شرعت ومررت القانون الفضيحة، الذين رفضوا سحقهم، وسحق مكانتهم وفق ما تضمنه القانون المعمد بالعنصرية، وردود فعل أبناء الطائفة المعروفية الكريمة من شيخ عقل الطائفة إلى آخر فلسطيني فيهم، تعتبر مواقف متقدمة، وتحمل إحساسا بالمسؤولية تجاه الذات وتجاه المجموع الفلسطيني، وليس تجاه أبناء المذهب فقط.

وهذه المواقف الإيجابية لأبناء هذه الطائفة، الذين انضووا تحت راية الأحزاب الصهيونية بمختلف تلاوينها ومشاربها، لاعتقادهم خلال المرحلة التاريخية السابقة من تأسيس دولة الاستعمار الإسرائيلية، أن عضويتهم لتلك القوى يمكن ان تشكل لهم مظلة أمان، يفترض أن تتطور وترتقي لمستوى المسؤولية الجمعية للكل الفلسطيني على أقل تقدير داخل الخط الأخضر. لا سيما وأن إقرار القانون العنصري كشف المستور الصهيوني، وبانت الدولة الاستعمارية على حقيقتها، حيث بلغت مرحلة التوافق الكلي بين المشروع الصهيوني الاستعماري، وبين الآيديولوجية الحاملة له، وبين النظام السياسي الإسرائيلي، القاعدة المادية للمشروع. وهو ما دفع الأحزاب الصهيونية اليمينية ومعها الحريديم في ضوء التطور الداخلي الإسرائيلي المتلازم مع التطور العالمي للنيوليبرالية إلى التصالح مع مركباتها الاستعمارية العنصرية، وعادت إلى ما كان يجب أن تكون عليه منذ ألقي بها كقوة استعمارية في فلسطين زمن الانتداب البريطاني وقبل نشوء إسرائيل ذاتها، كقوى تطهيرية للآخر الفلسطيني أيا كانت طائفته أو مذهبه أو دينه أو طبقته الاجتماعية أو معتقده الفكري السياسي.

وبالعودة للقوى الاجتماعية والسياسية الفلسطينية في إسرائيل، فإذا كانت مواقف بهلول ونواب الكنيست من بني معروف مفهومة ومشروعة بالخروج والاستقالة من الكنيست، فإن تفكير أعضاء القائمة المشتركة بالاستقالة غير مبرر، وغير مفهوم، رغم وضوح وانكشاف الوجه الحقيقي لدولة الاستعمار الإسرائيلية، مع أن ذلك لم يكن غائبا عن كافة القوى والفعاليات. الأمر الذي يلزم أعضاء القائمة المشتركة البقاء في الكنيست، وإستخدام المنبر للدفاع عن مصالح الوسط العربي، وعن الحد الأدنى من الديمقراطية، واشتقاق أشكال نضالية جامعة لكل القوى السياسية في داخل الداخل، ومنها تصعيد أشكال النضال الشعبية والنقابية والثقافية والاقتصادية والسياسية لحماية حقوقهم المختلفة.

وفي السياق يتطلب الأمر العمل على جانبي الخط الأخضر بين الكل الفلسطيني داخل حدود فلسطين التاريخية لتوحيد الجهود الوطنية للرد على القانون الجريمة، لأن القانون العنصري الاستعماري يستهدف الجميع دون استثناء.