في العام 1987، حين انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الأولى وهي قمة غير مسبوقة من قمم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ذهبت إسرائيل في البداية إلى حقيقتها الجوهرية، و هي أنها دولة قائمة على العربدة في أبشع أشكالها، و على الوهم في أحط أشكاله، حتى أن الجنرال رابين الذي كان وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت، لخص الموضوع كله في جملتين قصيرتين "إما نحن و إما هم" وكان شعاره تكسير عظام الانتفاضة، و لكن مستوى القيادة الإسرائيلية في ذلك الوقت كان أعلى مما هو الآن، لأن نتنياهو يصادر كلها حكومة و شعباً، كنيست و انتخابات، ديمقراطية و محاكم وقوانين، مقابل شيء واحد، بقاؤه في مكتب رئيس الوزراء، حتى لو كان الشعب الإسرائيلي كله يرى أنه فاسد، فلايهم، لأنه يعرف السر، يعرف المفتاح الرئيسي، و يلوح به منن وقت وآخر، الانتخابات، مبكرة أوفي موعدها؟؟؟ لأن الأحزاب الإسرائيلية تشيأت إلى هذا المستوى، و ليس هناك حزب واحد، ولا مجموعة واحدة من مجموعات الإرهاب، أو من أحزاب اليمين الديني أو العلماني أو الوسط أو اليسار، واثقة من نفسها، فالاحتلال نفسه هو أبشع فعل عدواني، و هو أحط فكر، و كل تجارب الاحتلال انتهت بالفشل المذل، و هم يعرفون أن هذا بالضبط ما سوف يواجهونه في نهاية المطاف.
الوضع الآن شبيه بزمن انطلاق الانتفاضة الأولى، مع فروق عديدة لصالح الشعب الفلسطيني، أولها بروز أكثر و اعتراف أكثر لصالح الوطنية السياسية الفلسطينية، ليسوا مجرد لاجئين يحكمهم قانون" كيس طحين و علبة حليب" و ليسوا مزقاً مختلفة تحت صيغ قانونية مختلفة، يتحكم فيهم أولياء أمور عاقين و مختلفين، بل هم شعب واحد، يتحكم في قراره و مصيره، و له مرجعية شرعية واحدة يزداد الولاء لها إلى حد يثير الذهول، و عبر سنوات النضال الذي شهد فصولاً صاخبة، فقد تقدموا "أي الفلسطينيون" إلى مفاصل العالم، حقهم يكاد يصبح حق عالمي، بنزوعهم إلى الحرية والاستقلال يحظى بتأييد واسع لأنه من يقف ضده يخسر كثيرا بدءا بفقدان الأهلية والمصداقية، و لديهم قدرة خارقة على التحمل، يجيدون فن البقاء، و القدرة على دفع ثمن يفوق حدود التصورات.
إسرائيل تقف مع العربدة في مربع واحد، وخاصة أن العربدة تستعيرها من مكان آخر، من الرئاسة الأميركية، أخذ ترمب على عاتقه و بدون أن يجد جملة واحدة منطقية أو مقنعة، أو محقة، لماذا صفقة القرن "لأنه يريد ذلك، ما هي صفقة القرن؟؟؟ إنها لا شيء سوى الهلوسات من هم موظفوه و مساعدوه و أدواته لفرض هذا الوهم؟؟؟ بعض اليهود أو بعض أفراد المسيحيانية اليهودية الذين هم أكثر وهماً، بعض سماسرة العقارات التي من أبرز صفاتهم أنهم يكذبون حتى يصدقوا أنفسهم، ثم حين يصدقوا أنفسهم يقومون بالكذب على الآخرين، انظروا... ترمب و هو ذاهب إلى قمة في هلسنكي مع الرئيس بوتين يقول أن روسيا و الصين والإتحاد الأوروبي هم أعداء أميركا، ثم بعد ذلك يقول إنها مجرد زلة لسان!!!
هذا التوحد الخارق بين الشرعية الفلسطينية و شعبها يزلزل إسرائيل، القبة الحديدية، و الطائرات الحربية التي أعطاها الوزير اليميني بينت الحق في قتل أطفال فلسطين تقف عاجزة أمام الطائرات الورقية، و حتى حماس تعترف بأنها ليست هي من تطلق هذه الطائرات الورقية، بل هو الشعب الفلسطيني!!! رائع، و لماذا لا تذهبين إلى أولويات هذا الشعب، أما إسرائيل فلا تفيد عربدة القوة، لا تفيدها الأوهام، متى تعترف بالحقيقة؟