علينا أن نتفق أولا أنّ لدينا رئيسا أميركياُّ بمواصفات غير تقليدية، انطلاقًا مما اعتدنا عليه من رؤساء سابقين كانوا يحترمون قواعد اللعبة السياسية الدولية. وعلينا أن نتفق أننا أمام رئيس روسي تنطبق عليه مقولة الدب الروسي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، رئيس هادئ مترو بارد الأعصاب يستخدم القوة عندما تكون الحاجة لها وفي الوقت المناسب.

قبل الدخول للقمة ونتائجها دعونا نرى كيف جاء كلا الرئيسين لها، ترامب وصل للعاصمة الفنلندية هلسنكي مجردا من أسلحته وأوراق مهمة كان من الممكن استخدامها مع بوتين، وصل ترامب وهو مجرد من الحليف التقليدي للولايات المتحدة ألا وهو الاتحاد الأوروبي، فقد وصف ترامب الاتحاد بالعدو إلى جانب الأعداء التقليديين روسيا والصين.

كما وصل ترامب وهو في ذروة الاشتباك والاختلاف مع الداخل الأميركي، وهذا هو الأخطر في واقع رئيس أميركي يعقد قمة مع رئيس روسي. فترامب مشتبك مع الحزب الديمقراطي وبعض أقطاب حزبه الجمهوري والاهم مع المؤسسة الأمنية الأميركية. هذا الاشتباك مع الداخل ظهر جليا في المؤتمر الصحفي للرئيسين عندما أعطى ثقته لبوتين على حساب وكالة الاستخبارات أس أي إيه، في المقابل جاء بوتين إلى هلسنكي وهو في أفضل أحواله متماسكا واثقا بنفسه مدعوما داخليا، خارجا للتو من تنظيم مونديال بنجاح باهر حج إليه العديد من زعماء العالم. كما أن بوتين استمد قوته بشكل واضح من ضعف ترامب ووضعه الهش مع حلفائه وداخله الاميركي.

باختصار المشهد الخارجي للقمة، الذي رآه العالم، كان لمصلحة بوتين بامتياز، كان المشهد بين رئيس روسي متماسك يتقن استخدام أوراقه ورئيس أميركي محترف في بعثرة أوراق قوته وفقدان القدرة على استخدامها.

على أية حال ما يهمنا من القمة انه وبغض النظر عن اتفاق الطرفين على ضمان امن إسرائيل وضمان حدودها الشمالية فانه ومقابل ذلك فقد بدت روسيا شريكا في القرار المتعلق بالشرق الأوسط، شريكا قويا وبين يديه أوراق مساومة كثيرة.

هذا الواقع الذي أبرزته القمة يجعل إمكانية أو قدرة ترامب على تمرير صفقة القرن بالشروط الذي يريدها، هذه الإمكانية أصبحت أكثر صعوبة وربما مستحيلة. تمرير الصفقة بات مرتبطا بالمشهد الأكبر والأوسع والأعقد في المنطقة، فالرئيس الروسي كما أظهرته القمة انه صعب ولن يفرط بأوراق قوته بسهولة إلا إذا حصل على مقابل بنفس الحجم والأهمية.

صحيح ان الولايات المتحدة لا تزال اللاعب الاقوى والابرز في الشرق الاوسط الا ان ما يخدمنا هو السلوك الفوضوي للرئيس ترامب وتطرف الحكومة الاسرائيلية التي تغمض اعينها عن الشعب الفلسطيني كواقع وحقوق.