حق التظاهر والاعتصام والتنظيم والإضراب والتعبير والرأي والرأي الآخر والانتخابات، جميعها كفلها القانون الأساسي لأبناء الشعب. ورغم وجود هنات هنا وهناك في مسيرة السلطة الوطنية، إلا أنها كانت الحامي للديمقراطية الفلسطينية الوليدة، وعملت على تعميقها وتأصيلها في الواقع الوطني، وحرصت على تجذيرها في الوعي الجمعي والفردي، وسعت لترسيخها في المجتمع الفلسطيني.

هذه الديمقراطية تحاول قوى العدو الإسرائيلي والانقلاب الأسود والـNGO,s وبعض المعارضة الوطنية استغلالها والإساءة لها (مع الفارق بين تلك المكونات وخلفياتها وأجنداتها)، والعمل على طعنها في الظهر، وثلم تأصيلها في المجتمع، واستخدامها بشكل عبثي ومشين، وأحيانا مشبوه ومسيء في هذا الحراك المطلبي، أو ذاك وتلك الفعاليات السياسية، ما يؤثر سلبا على تعمقها في الواقع، لأن بعض القوى المأجورة، أو أصحاب الأجندات اللاوطنية والانقلابيين الحمساويين ومن لف لفهم من المتناقضين مع المشروع الوطني تسعى جاهدة للنفاذ من مسارات الديمقراطية إلى متاهة نشر الفوضى والعبث في المشهد الوطني، وتشويه دور ومكانة المرجعيات الوطنية والإساءة للمؤسسة الأمنية، والتطاول على شخص رئيس الشعب الفلسطيني تحت ذرائع واهية وفاسدة.

وبالمقابل هناك قوى معارضة وطنية واجتماعية تقوم بنشاطاتها المختلفة على أرضية تعزيز الشراكة السياسية، والعمل على تصويب الأخطاء والنواقص الموجودة في مركبات ومؤسسات السلطة الوطنية ومنظمة التحرير دون المغالاة والتطرف الأعمى، الذي يقع تحت تأثيره بعض المراهقين وأصحاب النزعات الصبيانية المتهافتة.

التظاهرة التي حصلت مساء يوم الأحد الماضي في دوار المنارة بين مدينتي رام الله والبيرة، ودعت لها مجموعات من الـ "NGO,s" وركب موجتها بعض قوى اليسار ومن خلف الستار ممثلو حركتي حماس والجهاد وغيرهم، من حيث المبدأ كانت تظاهرة مشروعة، ومن حق القوى المختلفة أن تتظاهر في حال شعرت أن هناك مواقف غير إيجابية وتؤثر على الشعب وقطاعاته المختلفة، وتمس مصالحها الشخصية والجمعية. وهو ما عكسته المؤسسة الأمنية وصانع القرار السياسي برحابة الصدر في التعامل مع التظاهرة. ولم يعترض أحد طريق المتظاهرين في التعبير عن مواقفهم تجاه أبناء جلدتهم في محافظات الجنوب، وطالبوا بدفع الرواتب كاملة دون نقصان للموظفين في قطاع غزة أسوة بزملائهم في الضفة. ولكن بعض القوى المندسة والمأجورة رفعت شعارات سياسية معادية للسلطة ورئيسها الشرعي أبو مازن، واتهمته بما ليس فيه، ولا يمت له بصلة.

تلك الشعارات السياسية عكست الأهداف الخبيثة للقوى المتربصة بالشرعية الوطنية. وانسلت إلى صفوف المتظاهرين كـ"دس السم في العسل"، عندما حاولت أن تحرف بوصلة التظاهرة، وشاءت تحميل القيادة أكثر مما تحتمل، وغطت الشمس بغربال مهترئ أكثر مما به من ثقوب. وسعى البعض للي عنق الحقيقة، وحرف الأنظار عن الهدف الناظم للتظاهرة. وفي ذات الوقت، سعى أولئك الأغبياء منهم والمأجورون إلى تبرئة قيادة الانقلاب الحمساوية من جريرة جرائمها، والمصائب والويلات التي سببتها للشعب الفلسطيني عموما وأبناء قطاع غزة خصوصا، لا سيما أن بعض القوى المشاركة ومنذ أحد عشر عاما وهي تطأطئ الرأس جبنا وإفلاسا أمام بطش الانقلابيين الحمساويين. وحتى عندما حاولوا في بعض المرات القليلة الخروج للتظاهر رفضا لبعض الانتهاكات الحمساوية في غزة وخان يونس وجباليا ورفح والوسطى، كان نصيبهم الهراوات الثقيلة، والملاحقة والزج في بعضهم للسجون، وحتى التهديد بالقتل. فضلا عن اتسام عملهم بمنطق الصليب الأحمر، وكأنهم يقفون على الحياد بين الوطنيين والمارقين الخارجين على القانون والشرعية الوطنية.

ودون نكء الجراح لبعض قوى المعارضة، فقد غطت رأسها بمواقف لا تتناسب مع مرجعياتها الفكرية والسياسية الإستراتيجية والتكتيكية ما أوقعها في الإساءة لأمانة الدور، الذي تبنته وارتضته لنفسها في إنجاز المشروع الوطني، وسقطت في بؤس رهاناتها النفعية والساذجة (ولا أود هنا استخدام المفاهيم والمقولات النظرية في توصيف حالتهم لاعتبارات مختلفة). وأيضا في قبولها المشاركة مع القوى المتربصة بالشرعية، والإساءة لشخص الرئيس محمود عباس، مع ما حمله من نقيصة في مسؤوليتها، وفي سماحها لتلك الشعارات الرخيصة والمشككة بوطنية أبو مازن، وهو الذي قال حوالي عشرين مرة "لا" كبيرة لترامب، ورفض المساومة على أي ثابت من الثوابت الوطنية، وما زال يقاتل من موقع إلى موقع ووفقا لرؤيته وبرنامجه السياسي، الذي طرحه وآمن به، وانتخبناه على أساسه، دفاعا عن الأهداف الوطنية المقرة والمعتمدة من قبل الغالبية الساحقة من الشعب، ويعمل دون كلل لتطبيق الاتفاقات المبرمة مع حركة الانقلاب الحمساوية، وتجسير الهوة لبناء صرح الوحدة الوطنية، الرئيس عباس يستحق الهتاف له، ودعما لمواقفه دون تردد، وليس العكس.

مع ذلك أؤكد على ما أكدت عليه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح بأن المصلحة الوطنية تحتم صرف المتأخرات من الرواتب لموظفي قطاع غزة أسوة بزملائهم في الضفة والشتات (العاملين في الصندوق القومي) ودون انتقاص، ورفض كل التخريجات التسطيحية لاختزال رواتب الموظفين الشرعيين في قطاع غزة، لأن الراتب حق كفله القانون، والشرعية الوطنية ليست حركة حماس، عندما البعض يجري مقاربة ساذجة مع حركة حماس الإخوانية، ويستحضر ما تقوم به حماس تجاه ميليشياتها، التي تصرف لها كل شهر 40% من إجمالي الراتب. ويتساءل هذا البعض: لماذا تقوم الدنيا علينا عندما نخصم من رواتب الموظفين؟ ولماذا صمدنا زمن الحكومة العاشرة البغيضة قرابة العام دون رواتب؟ للأسف التساؤل المطروح يكشف عن عقم في التفكير، ويميط اللثام عن أسئلة ساذجة ومغرضة في آن، ولا تعكس المسؤولية بطرحها. لأن قيادة منظمة التحرير، هي القيادة الشرعية وصاحبة الولاية على الشعب، ومن المعيب مقاربتها بحركة الانقلاب الحمساوية، فشتان بين الثرى والثريا، بين قيادة الشعب حاملة لواء المشروع الوطني على مدار الـ55 عاما الماضية وبين عصابة حماس المارقة، التي اختطفت القطاع من أحضان الشرعية. بالتالي من حيث المبدأ المقاربة مرفوضة جملة وتفصيلا، ولا يجوز تحت أية اعتبارات تبهيت المكانة العظيمة للشرعية لتسويق بضاعة فاسدة. فضلا عن ان انقطاع الرواتب زمن الحكومة "الربانية" المشؤومة، كان يشمل جميع موظفي السلطة الوطنية في جناحي الوطن. فهل يعقل هؤلاء، ويكفون عن الترويج لبضاعتهم المسيئة لهم وللقيادة والشعب؟