بعد النجاح المميز لأعمال دورة المجلس الوطني العادية الـ23 قبل أيام قليلة، انبرت قوى وجهات داخلية وعربية وإسرائيلية في مهاجمة المجلس ومخرجاته، والطعن به، والتحريض على شخص الرئيس محمود عباس في استهداف مباشر له، وغير مباشر لمنظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. ومن قرأ تصريحات المدعو محمود الزهار، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، والمدعو ليبرمان وقبله الفاسد نتنياهو، وتحريضهم على رئيس منظمة التحرير، لاحظ إنهم جميعًا اتفقوا على الانتقام من رمز الشرعية الوطنية. وتفوه رجل الإدارة المدنية في حركة حماس بعبارات تليق به، وبتاريخه وموقعه، وموقع حركته الانقلابي والمخرب للمصالح العليا للشعب الفلسطيني.

وكنت قرأت قبل فترة قليلة من الزمن قصة جميلة ومعبرة جدًا عن واقع الحال، الذي ينطبق على الزهار وأقرانه. والقصة تقول: إنَّه جرى نقاش بين حمار وذئب حول لون العشب في الأرض. الحمار قال لون العشب أحمر. في حين قال الذئب لون العشب أخضر. وبعد أن عجز الذئب عن إقناع الحمار، اقترح عليه أن يحتكما أمام أسد الغابة، وما يقرره يكون ملزمًا لأي منهما. وبعد أن عرض كلٌّ منهما حجته، حكم الأسد على الذئب بالسجن لمدة شهر، وأطلق سراح الحمار. فسأل الذئب الأسد، أليس لون العشب أخضر، قال الأسد، بلا، هذا صحيح، قال إذا لماذا حكمت علي بالسجن لمدة شهر، قال لأنَّك ناقشت حمارا!

وأنا هنا لا أود أن أناقش الزهار حتَّى لا أتهم، ويتم اعتقالي من قبل العقلاء. ولكن أود أن الفت نظر أبناء الشعب الفلسطيني إلى جملة من النقاط المهمة جرى التأكيد عليها عشرات المرات هنا، وهي أولاً حملة التحريض الرخيصة، التي تقودها حركة حماس على الرئيس أبو مازن ومنظمة التحرير، تؤكِّد توجهاتها المتناقضة مع المصالحة والوحدة الوطنية؛ ثانيًا أنَّ حركة حماس بمختلف أقطابها من جماعة الإخوان المسلمين، كانت تعمل على تبديد دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية، وتعتبرها "لعنة"، وحجر عثرة في طريق فرض خيارها التخريبي في الساحة الوطنية؛ ثالثًا قلنا وما زلنا نقول، إنَّ حركة حماس لا تقبل القسمة على الشراكة السياسية مهما كان نوعها، وأيًّا كان الطرف الفلسطيني الوطني الراغب بها؛ رابعًا بعد أن فشلت حملتها المغرضة والمفضوحة، وتمكنت القيادة الشرعية من عقد الدورة الـ23 للمجلس الوطني، وأعادت الاعتبار لمكانة المنظمة، وهيئاتها القيادية، واشتقت برنامجًا سياسيًا يستجيب للتحديات، جن جنون حركة حماس الانقلابية، ما جعلها تفتح النار على القيادة الشرعية، وتلقي عليها التهم جزافًا، لأنَّها قطعت عليها الطريق على أكثر من مستوى وصعيد، وقزمت دورها، ووضعتها في حجمها المناسب لها؛ خامسًا التناغم الإسرائيلي الحمساوي يشير بشكل واضح للتكامل بينهما في التحريض ضد منظمة التحرير وقيادتها الشرعية، والعمل على استهدافها بكل الوسائل والسبل، وبالتالي النيل من الأهداف والثوابت الوطنية، وتمهيد الطريق لصفقة القرن والحل الأمني الإقليمي.

انتصار القيادة الشرعية في استعادة زمام الأمور بشكل قوي في الساحة الوطنية، أفقد الأعداء الإسرائيليين وأدواتهم في الداخل الفلسطيني وحلفاءهم في المنطقة الصواب، لأنَّهم راهنوا على عدم تمكن القيادة من تأمين النصاب القانوني والسياسي. لكن حرص أعضاء المجلس الوطني في أصقاع العالم على حماية شرعيتهم ومنظمتهم، أهم منجز تاريخي للشعب منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي، ومع انبلاج فجر الثورة الفلسطينية المعاصرة، أكَّد للقاصي والداني إنَّ لدى الشعب الفلسطيني ونخبه السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية حساسية مرهفة جدا تجاه مؤامرات الأعداء بصنوفهم ومسمياتهم المختلفة على ممثل الشعب الفلسطيني والوحيد، منظمة التحرير، ما دعاهم للانتصار لها ولقيادتهم الشرعية. فأسقط في يدهم، وغابوا عن صوابهم، فأطلقوا حميرهم لتنهق وتشتم وتتهم القيادة الشرعية وشخص الرئيس عباس، بما فيهم من صفات وموبقات. لكننا نقول لهم، والقافلة تسير، وراية الوطنية الفلسطينية تخفق عاليًا في سماء الدنيا، وليس الوطن الفلسطيني المحتل فقط.