لمناسبة الذكرى الواحدة والخمسين للهزيمة المرة في الخامس من حزيران عام 1967، التي أطلق عليها اسم النكسة، وطوال تلك السنوات تم الكشف عن مآسي تلك الحرب، وعن نتائجها المزلزلة التي بعضها باق حتى يومنا هذا، القفزة الصهيونية الثانية باحتلال القدس، وقد ثبت فيما بعد أن احتلال القدس كان الهدف المركزي الأول، أما الهدف الثاني فهو تحويل درجات العداء الخارجي إلى محفزات قوية للعداء الداخلي، العدو مهما كان اسمه "أميركا أو إسرائيل" يكسب، فنزداد عداء وكراهية لبعضنا، والذين قاوموا هذه التوجهات الخطرة صاروا هم والضحايا سواء عبد الناصر أو السادات أو الثورة الفلسطينية المعاصرة، أو أي بلد عربي يتقدم في أي مجال، خاصة في مجالات الإرادة يصبح هو العدو وليس إسرائيل الخنجر الذي في قلبنا، كما قال الكاتب الهندي كرانجيا في كتابه المعنون "خنجر إسرائيل" في خمسينيات القرن الماضي.
آثار نكسة أو هزيمة الخامس من حزيران أزيل معظمه، فقد استطاع الجيش المصري البطل استعادة سيناء حتى آخر سنتيمتر منها نتيجة لحرب خارقة في كل وجوهها وهي حرب أكتوبر 1993، وأعادت الأردن كل أراضيها نتيجة معاهدة وادي عربة، وأعاد لبنان معظم أراضيه، وكل مياهه التي كان يستولي عليها الإسرائيليون ويبيعون بعضها للبنانيين كما يشربوا منها ويروون أراضيهم، أما القدس فكان قرار ضمها هو القرار الأول في عام 1967، كما أن الجولان السوري أرضه ومياهه فربما يكون الصفقة القادمة، بين المسيحية المتصهينة في أميركا التي يقف على رأسها دونالد ترامب، وإسرائيل التي أصبح ترامب رجلها الأول المليء بالعداوة والكراهية والسقوط البشع.
في الذكرى الواحدة والخمسين لهزيمة الخامس من حزيران التي كتب سعدالله ونوس الكاتب المسرحي السوري إلياذتها في مسرحيته الشهيرة "حفلة سمر" نحن أمام تحديات جديدة، يقف في الصف الأول المعادي أميركا، والشعب الأميركي الذي ينقاد إلى جنون العداء بلا تفكير، ويقف فيها الرئيس الأميركي منحازا بشكل أعمى، متفاخرا بشكل غبي أمام رضوخه للعقبات العارمة من أقطاب الإنجليكان الذين احتلوا البيت الأبيض في عهده، وأصبح مصيره مرتبطا بأن تستقر أو تهوى أحذيتهم، والادعاءات الخائبة التي تبدو فيها عربيا كما لو أننا نتنافس فيما بيننا على التحالف مع إسرائيل لصالح أعداء وهميين صنعناهم من خيالاتنا المريضة.
نحن أمة لها قوام، ولها دور، ولها مصالح، ولها قضايا، وعندنا إمكانيات في الموقع، وفي الانتماء، وفي العقيدة، وعندما كنا نسيطر على خلافاتنا المفتعلة، أو المبالغ فيها، أو المقروءة بشكل خاطئ، أو المحرضين عليها من قبل أعدائنا، كنا نستطيع أن نقول كلمتنا، فالقوة هي عامل متغير في الزمان والمكان، وما الذي يمنعنا لنكون أقوياء، التحديات الجديدة والخطيرة أصبحت على مستوى الهوية، وأصبحت على مستوى العقيدة، وأصبحت على مستوى الحق الوجودي، ولكم في الشعب الفلسطيني قدوة، أكثر من مئة وواحد وعشرين عاما يقاتل الحركة الصهيونية التي ولدت من رحم الاستعمار القديم، والتي زرعت لصالح الاستعمار الجديد، والتي في آخر عهود الإمبراطورية العثمانية أصبح قناصل الدول يؤمنون بالخرافات الصهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم، أما المعادلة فهي نفسها، نذهب إلى عداوة بعضنا فنكون نحن صميم الخطر على أنفسنا، أما المقاومة فهي بألف لون، وحين ننتمي إليها بصدق، يكون لنا دور في مصير العالم، وكل إمكانيات الصراع موجودة، فقدسنا ليست مجرد حجارة، ليست مجرد مدينة، قدسنا هي الهوية والعقيدة والحق، فلنخرج من جنون الكراهية المفتعلة، هذا هو طريقنا إلى الحياة.