بعد أن لفظت المسعفة المتطوعة الشهيدة رزان أشرف النجار أنفاسها، وهي تحاول تقديم الإسعاف لأحد الجرحى في الجمعة العاشرة من مسيرة العودة، نتاج إطلاق ضابط من جيش الموت الإسرائيلي الرصاص الحي على ظهرها، رغم أنها تلبس المريول الأبيض وعليه إشارة وزارة الصحة، وبعد وقوع عشرات الجرحى من المناضلين السلميين من أبناء الشعب الفلسطيني بشكل متعمد وبالرصاص الحي والمطاطي، قامت ممثلة الولايات المتحدة في مجلس الأمن باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الكويتي، الداعي لإدانة جرائم الحرب الإسرائيلية، ومطالبة المجتمع الدولي بتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني من عمليات القتل العمد من قبل جنود وضباط جيش الحرب الإسرائيلي. ليس هذا فحسب، بل أن نيكي هيلي أولا حاولت دمج تعديلاتها المتناقضة مع روح وجوهر مشروع القرار الكويتي العربي الفلسطيني، التي حاولت فيها تبرئة دولة الاستعمار الإسرائيلية، وتحميل الفلسطينيين العزل والأبرياء مسؤولية ما يجري على الشريط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ودولة الاستعمار الإسرائيلية، لكن المندوب الكويتي رفض من حيث المبدأ التعديل الأميركي، ثانيا مما حدا بالمندوبة الأميركية تقديم مشروع قرار باسم أميركا يتضمن المواقف الأميركية الصفيقة والمتناقضة مع الحقيقة والواقع، وتقلب فيه الحقائق رأسا على عقب، والذي لم يحظ إلا بصوت المندوبة الأميركية.
ما جرى أمس في مجلس الأمن يكشف عن كم العار، الذي يغطي رأس الولايات المتحدة الأميركية. ويشير إلى مسألة في غاية الأهمية، هي أن إدارة الرئيس الأميركي المتغطرس، والمسكون بهواجس النرجسية، دونالد ترامب تقود العالم وفق معايير قوانين الغاب، التي حطت من مكانة الأمم المتحدة عموما ومجلس الأمن خصوصا، وجعلت من القوانين والمواثيق والأعراف الدولية الإنسانية، التي صاغتها البشرية خلال السبعين عاما الماضية من عمر الأمم المتحدة، وبعد استخلاص دروس وعبر الحروب والولايات، التي ألمت بمصير البشرية كلها حبرا على ورق، ومجردة من أية مضامين فعلية على الأرض، وأطلقت يد الكلاب الإسرائيلية المسعورة لتنهش اللحم الفلسطيني الحي دون أية ضوابط أو معايير إنسانية.
كما أنّ مواقف إدارة الرئيس الأميركي فاقدة الأهلية السياسية والأخلاقية خطت بسياسة الولايات المتحدة خطوات للأمام في تعميق شراكتها وعدوانها المباشر على الشعب العربي الفلسطيني ومصالحه الوطنية العليا، وفي الوقت نفسه، التماهي مع دولة الاستعمار الإسرائيلية في جرائم حربها، وسياساتها الاستعمارية الاستيطانية المبددة لخيار السلام والتسوية السياسية الممكنة والمقبولة، وأيضا أماطت اللثام عن إفلاس سياسي وانحطاط أخلاقي.
الفيتو الأميركي الجديد لم يكن مفاجئاً، ولا مستغرباً، ولكنه أرسل إلى العالم رسالة واضحة وعميقة، هي أن إدارة الرئيس ترامب تعمل بشكل منهجي ومدروس ضد السلام على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، وتمزق عن سابق تصميم وإصرار كل قرارات ومواثيق الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام ذات الصلة بالصراع الفلسطيني العربي/ الإسرائيلي. وهو ما يفرض على العالم وخاصة أقطابه الرئيسية التدخل المباشر مع الإدارة الأميركية لوقف بلطجتها ومجونها السياسي، والعودة لجادة الصواب وخيار السلام المعتمد منذ 1993، والضغط على دولة الاستعمار الإسرائيلية لإلزامها باستحقاقات التسوية السياسية، والانسحاب من أراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194، وفي حال واصلت كل من أميركا وإسرائيل ذات السياسة، على العالم فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وأمنية على إسرائيل لإعادتها لجادة السلام.
وعلى الصعيد الفلسطيني والعربي، فإن المسؤولية تحتم أولًا مواصلة وتوسيع حملة الإدانة والاستنكار لجرائم الحرب الإسرائيلية والتواطؤ الأميركي معها؛ ثانيًا التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة ومن خلال قانون "الاتحاد من أجل السلام" لانتزاع قرار دولي لتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني؛ ثالثًا توثيق جرائم الحرب الإسرائيلية الجديدة وخاصة جريمة قتل ملاك الرحمة رزان النجار بدم بارد، ورفعها لمحكمة الجنايات الدولية بهدف تعميق ملاحقة القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية أمام المحكمة؛ رابعًا مطالبة الأشقاء العرب ودول منظمة التعاون الإسلامي الارتقاء بمواقفهم السياسية تجاه جرائم إسرائيل الاستعمارية، ووقف عمليات التطبيع المجانية، خامسًا تفعيل قرارات المجلس الوطني الأخيرة ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأيضا بالولايات المتحدة الأميركية، وغيرها من التوجهات الوطنية الرادعة للحلف الأميركي الإسرائيلي الأسود.