ارتكبت الإدارة الأمريكية بزعامة رئيسها ترامب جملة من الخطايا القانونية في أقل من 24 ساعة، فلقد نقلت سفارة أمريكا إلى القدس، وطالبت بمفاوضات لتحديد حدود المدينة، مما يعني اعتبارها مدينة موحدة للاحتلال، وبالتالي تحولت تلك الإدارة المعادية لشعبنا وحقوقنا المشروعة وقضيتنا العادلة، إلى رأس الحربة، وشريك كامل مع الاحتلال، وتحول ناطقي ومسؤولي تلك الإدارة إلى موظفين في الكنيست الإسرائيلي ومروجين بل مدافعين عن المشروع الصهيوني، هذا المشروع الكولونيالي الاستيطاني العنصري،لذي قام من خلال سياسة التهجير والهجرة.

المشكلة الأساسية التي تواجه (إسرائيل) هي الديمغرافيا، فاليوم فإنَّ 38% من سكان القدس هم من الفلسطينيين، وستعمل سلطات الاحتلال من خلال قوانينها العنصرية على إدخال مستوطنين جدد وبناء مستعمرات "مستوطنات" جديدة وإخراج بلدات من قلب القدس وحدودها، لتنفيذ خطة وجود ما يقل عن 10% من السكان العرب داخل القدس وإخضاعهم للقوانين الإسرائيلية التعسفية والمتطرفة لغرض إجبارهم على الهجرة، وهناك مخطط صهيوني لــ20 عام قادم لبناء 600 ألف وحدة استيطانية داخل القدس مما يؤكِّد مرة أخرى أنَّ المشروع الصهيوني قائم على التهجير والهجرة والإحلال والتضييق والضم.

في قطاع غزة وعلى حدوده الشرقيَّة وفي يوم واحد استشهد العشرات وسقط آلاف الجرحى منهم العشرات لازالوا في حال الخطر الشديد، ناهيك عن التهتك الكبير في العظام وفي الأعضاء الداخلية للجسم نتيجة لاستخدام الرصاص المحرم دوليًّا، وفي الضفة الغربية والقدس كان هناك التحام، اعتصامات ومواجهة مع جيش الاحتلال رفضًا لنقل السفارة الأمريكية وللنكبة في الذكرى الـ70 لها.

تعمل الإدارة الأمريكية على إشغال البيئة الإقليمية بأولويات هامشية وصراعات مذهبية، وصنع عداوات بين الدول المتجاورة، وهذا كله بغرض إضعاف مركزية القضية الفلسطينية، وتلك القضية التي أصحبت أكثر تعقيدًا عن ذي قبل، وقد وصلت "إسرائيل" إلى مستويات عالية وغير مسبوقة من العنجهية والتعنت، والتطرف وأصبح الفيتو الأمريكي هو الضوء الأخضر الذي تنطلق من خلاله لارتكاب لجرائم ضد الإنسانية وتجاوز كل المواثيق الدولية والقانون الدولي دون رقيب أو حسيب، وهنا تبرز الأهمية للذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية لتقديم كل الملفات والوثائق التي تثبت تلك الجرائم الإنسانية والانتهاكات الخطيرة وتعريض حياة الناس للخطر والموت، وكذلك من الأهمية أيضًا الذهاب إلى محكمة العدل الدولية لأخذ فتوى ورأي قانوني في ملف الاستيطان وفي كل ما يتعلق بالحق الفلسطيني وأيضًا في وضع سفارة أمريكا على اعتبارها جزء من المشروع الصهيوني ووحدة استيطانية خارج القانون الدولي، وباعتبار وجودها من ضمن الإجراءات التي من شأنها تغيير الصفة القانونية والسياسية الراهنة للقدس.

والخلاصة أنَّ نقل السفارة الأمريكية إلى القدس جريمة أمريكية لا تغتفر وهي استكمال لوعد بلفور وتتحمل الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة على التداعيات المؤثرة القادمة على الشرق الأوسط بأكمله، والتي استكملت حلقاتها وقد يندلع الصراع الديني المفتوح في أي وقت، لأنَّه لم يعد هناك أي معايير لمنع ذلك في وقت تجاوز ترامب كل محطات المعقول بدءً من "أمريكا أولاً"، إلى "نقل السفارة-المستوطنة"، ولننتظر.