في التشخيص العام لسلوك أي قاتل، ممتهن عمليات القتل والإجرام لحساب شخصي أو جمعي أو ارتباطا بموقعه في نظام سياسي ما، يجد القاضي أو الرأي العام أنَّ مطلق قاتل مجرم، يسعى دومًا ل"تبرير" دوافع عمليات القتل، وكما يقول المثل الشعبي "يرش على الموت سكر!"، بمعنى لا يخجل من جريمته، ولا يحاول أن يغطي رأسه بخرق الصمت، ليداري عاره ووحشيته، ليس هذا فحسب، إنَّما يصبح مندفعًا وفاجرًا في عرض ذرائعه الوقحة، غير عابئ بما يقوله الآخر أو القانون الدولي أو حتَّى الشرائع الدينية والأخلاقية. لأنَّه يستند لقانون الغاب الذي يتنافى مع الشرائع والمواثيق الدولية.

ما تقدم ينطبق على القيادة الإسرائيلية المجرمة وحليفتها إدارة ترامب الأميركية المسكونة بلعنة المعتقدات الجاهلية والغبية، التي لا تمت للحقيقة بصلة. مع ذلك لو دققنا في قراءة ردود الفعل القيادية الإسرائيلية على مجزرة يوم الاثنين الماضي في يوم افتتاح المستعمرة الأميركية في القدس العاصمة الفلسطينية المحتلة، والذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية، نلاحظ الآتي: أولاً تبرير أعمال القتل الوحشية ضد المواطنين الفلسطينيين الأبرياء العزل، ومحاولة إلصاق التهم جزافا بهم، مع إنَّ كاميرات الفضائيات وبثها الحي لما يجري على الأرض واضح وبائن، ولا يحتاج إلى تزوييق؛ ثانيًا محاولة إلصاق مسيرة العودة بحركة حماس، وهو أمر مقصود بهدف تبرير القتل (لإضفاء صفة لا تمت لها بصلة) من جانب، ولتضخيم دور الحركة الانقلابية من جانب آخر لأهداف خبيثة موكلة للحركة راهنًا ولاحقًا. والحقيقة تقول أنَّ الإدعاء الإسرائيلي الأميركي غير صحيح. وهذا لا يعني أنَّ محازبي الحركة الانقلابية لا يشاركون ( من يشارك هم الأبرياء والمناضلين الحقيقيين، الذين لا يعرفون، ولا يعلمون حقيقة حركة حماس الإخوانية). ولكن المسيرة، هي مسيرة كل القوى والفصائل الوطنية والجماهير الشعبية من مختلف القطاعات؛ ثالثاً إطلاق صفات "أخلاقية" و"قانونية"على دور وجرائم قتلة الجيش الإسرائيلي الاستعماري, والأخلاق والقانون بريء منهم ومن جرائمهم، التي أدانها العالم كله باستثناء إدارة ترامب الصليبية المتصهينة؛ رابعًا محاولة تضليل الرأي العام الإسرائيلي والعالمي لإسباغ صفة "الدفاع" عن الذات الاستعمارية الإسرائيلية، أو كما تحاول الإدارة الأميركية المشؤومة دس السُّم في العسل للتغطية على جرائم الحرب الإسرائيلية، ولتغطية مشاركتها في تلك الجرائم. لا سيما وان نقل السفارة الأميركية في ذكرى نكبة الشَّعب العربي الفلسطيني السبعين، صبّ الزيت على النَّار المتقدة في أوساطهم.

الصورة البائنة للعالم أجمع بما في ذلك المواطنين الأميركيين والإسرائيليين أنصار السلام والعدالة السياسية، تشير بشكل عميق أن القاتل المجرم الإسرائيلي المستمرأ عملية القتل، وارتكاب المجازر والمذابح ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني على مدار السبعين عاما الماضية، لا يتورع عن استخدام ذرائعه البشعة ل"تبرير" جرائم حربه، ومحاولة قلب الحقائق رأسا على عقب، وهنا لا يهم من صرح من القيادات السياسية والعسكرية الاستعمارية الإسرائيلية لتغطية المجزرة الوحشية، لأنَّهم جميعهم يتحدثون بصوت ومنطق استعماري واحد، تلك المذبحة البشعة التي يندى لها جبين البشرية أجمع. الأمر الذي دفع العديد من دول العالم لاستدعاء سفراء إسرائيل لتوبيخهم، وتحمليهم المسؤولية عن ارتكاب جرائم الحرب ضد الأبرياء من المواطنين الفلسطينيين العزل، وبعض الدول كجنوب أفريقيا وتركيا وغيرها من سحب سفرائها وقناصلها من إسرائيل احتجاجًا ورفضا لتك الجرائم المنفلتة من عقال القيادة الاستعمارية المتوحشة.

ورغم وضوح الجريمة الإسرائيلية للمرة الألف إلّا أن إدارة ترامب المارقة والشريكة في عملية الحرب على الشعب الفلسطيني تحول دون تشكيل لجنة تحقيق دولية في جرائم الحرب الإسرائيلية، وتقف حجر عثرة أمام المجتمع الدولي في إنصاف الشعب الفلسطيني في بيان يدين تلك الجرائم الوحشية الإسرائيلية، أو تأمين الحماية الدولية للشعب العربي الفلسطيني الرازح تحت نير الاستعمار الإسرائيلي. وللأسف فإن الدول العربية الشقيقة لم تحاول أن تسحب سفرائها من دولة الاستعمار الإسرائيلية، ولم تستدعِ سفراء إسرائيل إسوة بدول العالم الأخرى لتوبيخهم، وهو ما يزيد المأساة الفلسطينية عمقًا، حيث لا يكفي في هذا المجال الاجتماع الطارئ على مستوى المندوبين في الجامعة العربية، ولا حتَّى اجتماع وزراء الخارجية العرب، لأن ذلك لا يفي في اللحظة الراهنة، وفي ضوء المجزرة الوحشية ضد أبناء فلسطين العزل، الأمر الذي يفرض على الأشقاء العرب اتخاذ خطوات أكثر جرأة ومسؤولية تجاه شعب القضية العربية المركزية.