من قلب معاناة التجربة الشخصية، لدي ملاحظات على حماس لا تعد ولا تحصى، ورغم كل ذلك لا تزال الدهشة تعتريني بسبب رفض حماس الاشتراك في الدورة الثالثة والعشرين للمجلس الوطني الفلسطيني التي افتتحت في الثلاثين من نيسان الماضي في قاعة أحمد الشقيري بمدينة رام الله، وسبب الدهشة، أن المشاركة في دورة المجلس الوطني، كان يمكن أن تلعب دوراً كبيراً لصالح حماس وصالح القضية الفلسطينية، حماس من خلال تأكيد انتمائها للقضية الفلسطينية من خلال المشاركة في أولوياتها التأسيسية، أي الانتماء إلى الحق الفلسطيني، وقطع الصلة مع بدائل الإسلام السياسي الذي تورط في بيع هذه الأساسيات لصالح الأوهام، مثل حروب ومغامرات أفغانستان، وانهيارات ومآسي ما أطلق عليه اسم الربيع العربي، والطمع في تجارب حكم اخوانية انتهت بأكبر قدر من الفشل المذل ليس بشأن القضية الفلسطينية فقط بل بشأن أولويات عربية وإسلامية أبسط مليون مرة من أولويات القضية الفلسطينية.
وبخصوص الشعب الفلسطيني، فإن مشاركة حماس لو تمت، فإنها كانت ستعطي الانطباع بأن هذا الشعب، برغم صعوبات الخيار يملك من الذكاء والتجربة ما يجعله ينجح في الحفاظ على رصيده الصعب، لأنه صاحب التجربة الأكثر ألماً، وصاحب الخسائر الأكثر كارثية، وبالتالي فإن حساباته دائما مختلفة وأكثر وعيا وعمقا.
لكن حماس خيبت أملي وخيبت آمال شعبها، وحشرت نفسها في الحلقة الضيقة، حلقة الشبهة والقصد السيئ والخيانة المجانية، فهل يعقل أن حماس يخيل لها أنها ستحقق مكاسب ذات قيمة من خلال خيانة شعبها والوقوف ضد مشروعه الوطني الذي هو الأخطر بإقامة الدولة، والحفاظ على القدس، والحفاظ على الحلم الفلسطيني متوهجا ؟؟؟
غير أن الزمان يملك مفاجآت سوداء اكبر حتى من حماقات حماس، ولا أحد يستطيع أن يخرج من وعاء الزمن، وعلى الهامش أيضا هذه الزوبعة التي افتعلتها الجبهة الشعبية، فهذه الجبهة قادت المعارضة الفلسطينية قرابة نصف قرن تحت عنوان معارضة من داخل البيت وليس من خارجه، أما هذه القفزة الانتحارية للجبهة فإن الجنون نفسه لا يبررها.
انتصار المجلس الوطني يحملنا مسؤولية أكثر، فرؤوسنا الآن تناطح أميركا وربيبتها إسرائيل، ولابد من دقة متناهية في الحسابات للمواجهة، فأعداؤنا ليسوا قليلين، وهم يحكمون الوقت والإمكانيات للتخطيط، ولذلك فإن حساباتنا يجب أن تكون عميقة، وليس الهروب إلى الضجيج الفارغ، وهو أحد الطرق المتبعة في ساحتنا الفلسطينية والعربية، ولذلك وجدنا الرئيس أبو مازن الذي يمتاز بوعي غير عادي بما يدور في الدنيا، يذهب مباشرة بعد انتصار المجلس الوطني إلى الأميركيتين لتكثيف العمل لصالح أجندتنا السياسية، ما نطلبه حق، ولكن ما نطلبه صعب، ويستحق أعلى درجات الجهد، والسلام الذي نطلبه هو في حقيقته مصلحة للجميع، وهذا السلام ليس مستحيلا كما تروج إسرائيل، ولكن المشكلة أن القيادة والنخب الإسرائيلية، والقيادة والنخب الأميركية، ربطت مستقبلها الشخصي بالأخطار الفادحة المثيرة مثل إعلان ترمب وصفقته التي ولدت ميتة، ولذلك يجب استثمار الفوز من جانبنا وطرق الحديد وهو لا يزال ساخنا حتى لو كان البعض منا له أوجاعه الصغيرة الخاصة.