عشية انقاد المجلس الوطني الفلسطيني، أعلى هيئة في منظمة التحرير الفلسطينية، أرى انه من الضروري ومن قبيل تحمل المسؤولية الوطنية، تسليط الضوء مجددًا على الواقع الماساوي بل المزري للاجئين الفلسطينيين في لبنان. فالصمت، وان نبقى مكتوفي الأيدي حيال هؤلاء لم يعد مقبولا، فأفضل وصف لحالهم هو إنهم الأحياء الأموات ، أو المحرومون من العيش بشروط الحد الأدنى من الحياة البشرية.
إعادة طرح هذه القضية في هذه المرحلة هو أمر هام وضروري، خصوصًا أن لبنان على أبواب انتخابات برلمانية، ستجري في السادس من الشهر القادم، الأمر الذي يعني حكومة جديدة وبرنامج حكومي جديد، لذلك علينا وضع واقع الفلسطينيين وحالهم على جدول أعمال هذه الحكومة.
هذا المقال لا يمكن أن يكون دعوة للتوطين، فهذا أمر أصبح مبتوتًا به تمامًا، كما انه ليس محاولة للإخلال بتوازنات المجتمع اللبناني والشعب اللبناني الصديق، فهذا أمر مرفوض فلسطينيًا تمامًا. هذا المقال هو دعوة لإتاحة الفرصة للفلسطينيين في لبنان لتنمية أنفسهم اجتماعيًا واقتصاديًا، وان تتاح لهم الفرصة للمساهمة في تنمية لبنان وازدهاره واستقراره من خارج التوازنات اللبنانية الداخلية. فاللبنانيون بالنسبة لنا هم أشقاء لنا جميعًا لا نميز فيهم بين لبناني وآخر.
باختصار، انه لم يعد مقبولا إنسانيًا، وفي هذا العصر، وبعد 70 عامًا من النكبة، أن يبقى الفلسطينيون في لبنان ممنوعين من العمل، أو إنشاء النقابات والانضمام إليها، ممنوعين من التملك و التوريث. واعتقد هنا أن اللبنانيين أنفسهم يجب أن لا يقبلوا استمرار القوانين والمراسيم التي تحرم شقيقهم الفلسطيني من العيش بحياة كريمة، أن يحرم من ممارسة أكثر من 25 مهنة مهمة، التي تتطلب عضوية نقابة، ومن أبرزها مهن الطب والمحاماة والهندسة.
لبنان الدولة عليها مسؤولية إعادة النظر في هذه القوانين، وخاصة القانون الذي صدر عام 2010، والذي يمنع الفلسطيني من تسجيل ممتلكاته أو توريثها أن وجدت. كما انه ليس من مصلحة احد أن يعيش 70% من الفلسطينيين في حالة فقر شديد، وان يبقى أكثر من 57% منهم عاطلين عن العمل جائعين يائسين، يتحولون فريسة سهلة للتنظيمات الإرهابية المتطرفة.
علينا أن نتذكر هنا الوجه الآخر المشرق للفلسطينيين في لبنان، والذي أورده الزميل طلال سلمان في مقاله الشهير قبل سنوات تحت عنوان:" الفلسطينيون جوهرة الشرق الأوسط". في هذا المقال أشار سلمان إلى مساهمة الفلسطينيين الملحوظة والملموسة في تنمية لبنان اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وفنيًا، هذا الوجه المشرق هو الذي نريده أن يسود وليس واقع البؤس والجوع والتطرف والإرهاب.
الاستمرار في كشف الواقع السيئ للاجئين الفلسطينيين في لبنان لا يعني بأي شكل إننا ناكرون للجميل، أو إننا نغمض أعيننا عن ما قدمه لبنان لأشقائه الفلسطينيين، وتحمله الكثير بسبب تشريدهم من وطنهم إلى أرضه. إننا نرى ونلمس ونقدر بل ونشعر بوطأة ما تعرض ويتعرض له لبنان الشقيق، وخصوصًا في الآونة الأخيرة، بعد لجوء أكثر من مليون مواطن سوري إليه وهم أيضًا ضحايا الحرب الدموية التي تجري في بلادهم.
هناك مفارقة غير مفهومة بالنسبة لنا، أرى من الضروري التطرق لها والحديث بصراحة بشأنها، فنحن من جهة نلاحظ ونقدر ونجل تقديس لبنان واللبنانيين للقضية الفلسطينية ودعمهم السياسي لها، فهذا مصدر فخر وتقدير ومصدر للشعور بدفء الإخوة الحقيقية، ولكن بموازاة ذلك لا نلمس هذا الموقف الايجابي المتميز من القضية ينسحب على الإنسان الفلسطيني في لبنان. من دون شك أن القضية هي أولوية، ومقاومة إسرائيل المسؤولة عن كل مآسي الشرق الأوسط هي أولوية، ولكن الإنسان الفلسطيني يجب أن يحظى بالاهتمام، لأنه بدون هذا الإنسان القوي والمتماسك لن يكون هناك قضية أو مقاومة.
أن ترك الفلسطيني يائسًا وجائعًا، وإبقاءه فريسة سهلة للإرهاب، هو ليس من مصلحة احد، لذلك فان تحسين ظروف معيشته وحياته هو من جهة يصب في مصلحة فلسطين والقضية الفلسطينية، ومن جهة أخرى هو مصلحة للبنان وأمنه واستقراره وازدهاره.
هذا المقال هو دعوة لحوار متجدد وتعاون مكثف ومتكامل بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية والدولة الفلسطينية لتحمل المسؤولية المشتركة، خصوصًا إننا في وقت نشهد فيه الانسحاب التدريجي لوكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين (الاونروا) من مسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين. إنها باختصار لحظة البحث عن حلول وليس استمرار الهروب إلى الأمام، فهذا الهروب من تحمل المسؤولية لا مصلحة لأحد فيه.